تحولات اليمين العالمي: إسرائيل ليست استثناء

الحكومة الإسرائيلية الحالية مستعدة للتخلص من أي أفراد أو عناصر أو جهات حتى وإن كانت إسرائيلية وتشارك في الحكومة إذا كانت تشكل عقبة أمام تحقيق أهدافها ووجودها واستمراريتها.
السبت 2025/04/05
العقلية الإقصائية في أكثر أشكالها شراسة

تزداد الفجوة بين اليمين واليسار في العالم، وإسرائيل ليست معفاة من هذا المفصل التاريخي. العالم أصبح أشبه بشبكات من القوى العميقة التي تحكمه. فمع خسارة الديمقراطيين في الولايات المتحدة، بدأ تحالف اليسار في العالم يضعف وينهار، ليظهر اليمين المتطرف، الذي بدأ يتخلص من مكونات النظام القديم التي يعتقد أنها لا تقدم حلولا ولا تحقق مصالحه وأهدافه.

إسرائيل، باعتبارها جزءا من هذا النظام العالمي وكَرْتًا مهما في يده، لم تكن مستثناة من هذه الأزمات. في النهاية، لا يمكن لإسرائيل أن تتوقع أن حرب القيامة التي أقامتها في الشرق الأوسط لن تترك صدى داخل سراديبها الداخلية. والوضع الحالي يكشف عن أزمة داخلية عميقة تشمل صراعا بين السلطات التنفيذية، والأجهزة الأمنية، والنظام القضائي.

يسعى رئيس الوزراء الإسرائلي بنيامين نتنياهو لتوسيع صلاحياته من خلال تغيير تركيبة هذه المؤسسات، خاصة بإقالة شخصيات رئيسية مثل المستشارة القضائية غالي بهاراف-ميارا، التي وقفت بوجه تعديلاته، قبل أن ينجح مؤخرا في التصويت للتخلص منها.

◄ هناك من يعمل لبقاء الحكومة الحالية، التي قد تضر بمصالح الدولة بشكل كامل مستقبلا، وقد تزيد من الفجوات والأزمات الاقتصادية والسياسية والحزبية والحقوقية والأمنية

هذا التوجه يضع النظام المؤسسي الإسرائيلي أمام تحدٍّ خطير، إذ أن تغييب التوازن بين السلطات قد يؤدي إلى تقويض الثقة بسيادة القانون.

في موازاة ذلك، تشهد العلاقة مع جهاز الشاباك توترا متصاعدا. التدخل السياسي في جهاز مثل الشاباك، الذي يُعد أحد الأعمدة الأمنية الأساسية في إسرائيل، لا يمر دون تداعيات مؤسسية. مثل هذه الخطوات تُحدث خلخلة تدريجية في الثقة بين المؤسسات، وتضعف توازن القوى داخل الدولة.

وإن كانت هذه ليست أول مرة تشهد فيها إسرائيل توترات بين السياسيين والأمنيين، إلا أن التوسع في التسييس الحالي يمثل تحولا نوعيا يُهدد البنية العميقة للدولة على المدى البعيد.

سياسيا، لا يمكن تجاهل التداعيات السياسية والاجتماعية لما يحدث. فهناك انقسام داخلي متزايد في المجتمع الإسرائيلي بين من يدعم الحكومة وإجراءاتها ومن يعارضها. تتجلى هذه الانقسامات في مظاهرات وتصريحات حادة بين السياسيين، ما يزيد من حالة الاستقطاب الحاد داخل المجتمع. واستمرار الصراع بين الحكومة والمؤسسات قد يؤدي إلى فقدان ثقة الجمهور بالنظامين القضائي والتنفيذي، ويفتح الباب أمام أزمات داخلية ودولية تهدد استقرار الدولة.

من الواضح أن الحكومة الإسرائيلية الحالية، المتمثلة في صقور اليمين، لا تتبنى نهجا متطرفا ضد من تعتبرهم أعداء فقط. بل يبدو أن النهج سيكون كالتالي: الحكومة الإسرائيلية الحالية مستعدة للتخلص من أيّ أفراد أو عناصر أو جهات، حتى وإن كانت إسرائيلية وتشارك في الحكومة، إذا ما كانت تشكل عقبة أمام تحقيق أهدافها ووجودها واستمراريتها.

◄ لا يمكن لإسرائيل أن تتوقع أن حرب القيامة التي أقامتها في الشرق الأوسط لن تترك صدى داخل سراديبها الداخلية

لن ننسى أن إسرائيل تخلصت من إسحاق رابين لأنها لم تؤيد بصيرته وفكره، ولم تكن مستعدة بعد للسلام مع الفلسطينيين. وأعتقد أنها لن تكون يوما مستعدة للسلام مع أيّ طرف. فالاستقرار مع الأطراف المختلفة يهدد وجودها، والأساس الذي بنيت عليه، والسرديات التاريخية التي تبرر وجودها.

لذا، اليوم نرى عودة لشبح العقلية الإقصائية في أكثر أشكالها شراسة، حتى داخل الدولة التي تدعي أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.

في وقت حساس مثل هذا، وفي خضم المعارك والجبهات العديدة المفتوحة على كل الجهات، قد تؤثر هذه التوترات على قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات إستراتيجية حاسمة.

فنتنياهو وحكومته يبدو أنهما يلعبان في الأعصاب المركزية للدولة. لذا، إن ما يحدث في إسرائيل يمثل أزمة قد تكون بداية لتغيرات هامة في هيكل السلطة داخل الدولة.

على المدى القصير، قد يتسبب هذا في تفاقم حالة الانقسام الاجتماعي والسياسي، ما يؤدي إلى صراع بين مختلف القوى داخل الدولة. أما على المدى الطويل، فقد يعكس هذا بداية تحول في النظام السياسي الإسرائيلي، وقد تكون له تأثيرات جذرية على قدرة الدولة على التفاعل مع التحديات الخارجية والداخلية.

◄ نتنياهو يسعى لتوسيع صلاحياته من خلال تغيير تركيبة هذه المؤسسات، خاصة بإقالة شخصيات رئيسية مثل المستشارة القضائية غالي بهاراف-ميارا، التي وقفت بوجه تعديلاته

إسرائيل ليست منفصلة عمّا يحدث في العالم، وهي ليست المحرك الوحيد لأحداث الشرق الأوسط والعالم. فهي جزء من شبكة عنكبوتية من التحالفات العالمية التي تشمل شركات أسلحة، وإعمار، وتكنولوجيا، ورجال أعمال وأصحاب الأموال، وطبقات سياسية وقضائية. وما يحدث من تغييرات في التحالفات العالمية ينعكس على إسرائيل داخليا. فهي لا تُختزل بتعريفها كعدو، إنما ككيان مرتبط بالنظام العالمي، يتأثر ويؤثر في سردية الأحداث سواء على ذاتها ومن حولها.

اليوم، انعكاسا لصعود لغة اليمين في النظام العالمي وسيادته للمشهد، يبدو اليمين في إسرائيل في أقوى حالاته، في نقطة مفصلية، قادرا على تحقيق أحلامه الكبرى لاحتلال الشرق الأوسط من النهر إلى النهر وأبعد، إن أراد.

لكن، على إسرائيل أن تدرك أن مصالح الحكومة الحالية شيء، ومصالح الدولة على المدى البعيد وبقاؤها شيء آخر.

فما يحدث في إسرائيل يشير إلى تحول مهم في طريقة إدارة الدولة. ففي ظل تزايد الانقسامات بين مكونات الحكومة والأجهزة الأمنية، يتزايد الشعور بوجود “دولة داخل الدولة”، وأهداف داخل أهداف، ومصالح داخل مصالح.

فهناك من يعمل لبقاء الحكومة الحالية، التي قد تضر بمصالح الدولة بشكل كامل مستقبلا، وقد تزيد من الفجوات والأزمات الاقتصادية والسياسية والحزبية والحقوقية والأمنية.

وكل ما يحدث بها، سيؤثر على من حولها سلبا، على الفلسطيني بشكل أساسي، وعلى إعادة تقسيم وتشكيل الشرق الأوسط بأكمله في ديموغرافيته، وموازين قوته وحقوقه وهُويته.

8