تحمّل الزوجة لمصاريفها الشخصية أفرزته الظروف المعيشية

انتشرت في الآونة الأخيرة في المجتمعات العربية ظاهرة اتفاق الزوجين على أن يتحمل كل منهما تكاليفه ومصاريفه الشخصية أو أن يتحمل كل طرف بنودا معينة في ميزانية الأسرة يحاول أن يفي بها بصرف النظر عن مدى وفاء الطرف الآخر.
أصبحت عبارة “التعامل إنكليزي”.. مشهورة نرددها داخل مجتمعاتنا العربية وتعني أن يتحمل كل منا تكاليفه، وإذا كان هذا التعامل مقبولا بين الأصدقاء فإنه من الصعب أن يكون كأساس للتعامل بين الزوجين، إلا أن الواقع يؤكد شيئا آخر.
وتقول إيمان عامر “موظفة”، إحدى زميلاتي عرفت منها أنها ظلت تلح على زوجها كي يوافق على عملها فوجدته يرفض تمامًا، وعندما عرضت عليه أن يناقشها بالعقل فإن أقنعها سوف تٌقلع عن هذه الفكرة؛ علمت من مبرراته أنها من وجهة نظره ستكبده مصاريف نتيجة ذهابها للعمل وعودتها منه وملابس أكثر وأدوات مكياج وغيرها، لأنها ستصبح امرأة عاملة لها متطلباتها.
وبعد مناقشات اتفقت معه على ألا تحمّله شيئًا من ذلك، وأنها من مرتبها ستصبح مسؤولة عن ملابسها ومكياجها ومصروفها ونفقات عملها فاشترط عليها أن تخوض التجربة فإن أخلّت بهذه الالتزامات سيجعلها تترك عملها فورًا فوافقت، وبعد أربعة أشهر فاتحها في أمر مساهمتها في مصروفات المنزل، ورغم حدوث مشاجرة بينهما لكنها احتوتها عندما تفاوضت معه على أن تصرف على ابنتها الصغيرة، بالإضافة إلى مصاريفها الشخصية، ومن ساعتها أصبح التعامل بينهما “أميركي” على حد تعبيرها، بحيث يتحمل كل منهما مصروفاته الشخصية.
وأفاد جمال علي وهو “رجل أعمال”، أن المرأة دائمًا لا تدرك ولا تُقدر قيمة عمل الرجل وتعبه من أجلها، وغالبا ما تستفزه بكلماتها، ودائمًا ما تطلب مساواتها به، فإذا رفض اتهمته بالتخلف والرجعية، فهل تأخذ المرأة ما يرضيها وترفض ما لا يتوافق مع أهوائها؟
وتساءل علي أليست هذه سمة المجتمع الأميركي والمجتمعات الأوروبية المتقدمة؟ إذن دعونا نشبههم في المساواة والتعامل والعلاقات بين الزوجين، وأنا شخصيا لي تجربة مع زوج ابنتي الذي يعمل موظفًا، الذي اتفق مع ابنتي قبل زواجهما أن تتفرغ لرعاية أسرتهما؛ لكن بعد الزواج رآها تلمح له بكلماتها كي تعمل وتواصل دراساتها العليا مثل باقي زميلاتها.
وأضاف “بمرور الأيام حدثت بينهما خلافات، وعندما عرض عليّ الأمر قلت له: ما دامت تلح على هذا الأمر فليكن ذلك على نفقتها، وأن تتحمل بعض نفقات الأسرة كنوع من التعجيز، وفوجئنا بها تبدي موافقتها، وأصبحت المعاملة بينها وبين زوجها بأن يتحمل كل منهما مصاريفه الشخصية”.
وتابع “للأسف أصبحت حياتهما جافة ويتعامل كل منهما مع الآخر بندية، بدلاً من المودة والرحمة، لذلك فإنني أؤكد على أن المرأة ربما تتوهم بينها وبين نفسها حلما قد يحطم حياتها، لأن مصير هذا الجفاف في التعامل فشل ذريع!”.
ومن جانبه يقول محمد. ع “محاسب”، إذا اكتشفنا فلسفة الحياة الزوجية سنجدها قائمة على المشاركة في كل شيء، وهذا يتوقف بدوره على توافر شرط ثان حتى نقول إن العلاقات المادية بين الزوجين أصبحت أميركية، وهو أن تعمل المرأة حتى يمكنها أن تنفق على نفسها أو على بيتها من خلال مساهمتها في نفقات المنزل، ومن زاوية أخرى، فإذا كانت مطالب المرأة نوعا من الكماليات فلماذا إذا اشترط عليها زوجها أن تنفق عليها، أعني أن قمة رجولته في هذه الظروف الصعبة التي نعيشها أن يفي بأساسيات بيته.
ويفسر الدكتور عادل منصور أستاذ علم النفس هذه الظاهرة بقوله “رغم أن الجميع قد ينظر إليها على أنها صفقة أو ظاهرة سلبية أفرزتها الظروف المعيشية الصعبة التي نعيشها، لكنها بالطبع إيجابية إلى حد ما لأنها توضح لنا أن العادات والتقاليد العربية شيء جميل، ويجب أن نتعامل معها على أنها تكشف لنا أيضا عن مدى طغيان الطابع المادي للحياة وافتقاد الحافز النفسي الإيجابي”.
وأشار إلى أن هذه العلاقة تنشأ بسبب ثلاثة عوامل، أولها نتيجة خبرات نفسية مؤلمة ومحبطة تتراكم داخل النفس البشرية، ونعتبرها منبهات سلبية تخلق استجابات نفسية وسلوكية سلبية أيضًا، فمثلاً إذا رفض زوج أن يشتري لزوجته التي تعمل ملابس جديدة، لأن هذا عبء عليه فتبادر وتشتريها هي فإن ذلك يخلق فجوة بينهما، وثانيهما وجود حالة من الصراع النفسي بينهما بسبب تعارض وجهات نظرهما، عندما يتبنى أحدهما موقفا رافضا كأن يرفض الزوج عمل زوجته لأنها ستكلفه ماديًا، وفي المقابل يتبنى الآخر موقفًا مؤيدًا كالزوجة، ويحدث بينهما اتفاق على أن تتحمل مصروفاته، وثالثهما أن لكل فعل نفسي رد فعل، فنتيجة لضغوط الحياة المادية والمعنوية والتجاوزات السلوكية يحدث نوع من التفريغ النفسي من خلال ردود أفعال سلوكية مضادة تنعكس على العلاقات الزوجية.
ويرى منصور أنه في حالات أخرى قد يحدث تقسيم لتحمل الزوج أو الزوجة جزءا من المسؤوليات المادية يفي بها ولا يهمه مدى وفاء الطرف الآخر من عدمه، والمهم في مدى انتشار هذه الظاهرة من عدمه ألا تنقطع المودة والرحمة والتعامل الإنساني بين الزوجين.
وتضيف الدكتورة نجلاء عادل أستاذة علم الاجتماع، أن تسلل بعض قيم وعادات الحياة العصرية المعقدة لمجتمعاتنا العربية يثير الكثير من التساؤلات والشفقة في نفس الوقت، لأن قسوة هذه الحياة انعكست على كل صور العلاقات الاجتماعية والأسرية ليس في مجتمعنا العربي فقط، لكن في كل المجتمعات سواء كانت علاقات عمل أو جوار أو قرابة وصلة رحم أو بين أفراد الأسرة خاصة الزوجين.
كما نبهت إلى أنه من الغريب أن بعض هؤلاء الزوجات عندما تحدثهم عن ذلك تجدهم مقتنعين أن هذه هي سمة المجتمعات المتقدمة، ومنطق المساواة بين الرجل والمرأة أيًا كانت صورتهما حتى لو كانت العلاقة التي تربطهما هي العلاقة الزوجية المقدسة، وهذا نوع من التقليد الأعمى للعادات واستنساخ لأنواع العلاقات السائدة في المجتمعات الغربية التي تتحدد وفق منطق مادي وعقلي بعيدًا عن الطابع الإنساني الذي مازال سائدًا في مجتمعاتنا الشرقية.
وتابعت موضحة “ما لا ينتبه إليه كثيرون أن هذا المنطق الجاف في التعامل بين الزوجين يؤدي لكثير من الأمراض الاجتماعية التي تتأصل في الأسرة العربية، وتزداد فرص التفكك والعزلة الاجتماعية، ونحن لا نعارض هذا المنطق في التعامل إذا كان أساسه التعاون والمودة وعدم الاشتراط أو التحديد والتقسيم بشرط ألا يثير أي حساسيات بين الزوجين”.