تحفظ برلماني على إدارة الإعلام المصري يمهد لتغيير المنظومة

مؤيدو الحكومة ينتفضون ضد الوصاية على الإعلام وتراجع الحريات.
الجمعة 2022/02/11
البحث عن سقف مغاير للحرية

يترقب المشهد الإعلامي في مصر وضع جملة من المعايير والضوابط الجديدة بعدما دخل مجلس الشيوخ على خط الأزمة التي باتت تضرب المنظومة برمتها من حيث زيادة منسوب الفوضى وغياب المهنية وتراجع الحريات الإعلامية.

القاهرة - أبدت لجنة الإعلام بمجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) لأول مرة اعتراضها على القوانين الإعلامية المنظمة للمشهد، وأعلنت أنها لا تواكب العصر وتؤثر سلبا على حرية الرأي والتعبير ويغيب عنها تطوير المهنة ذاتها لكونها وضعت من جانب جهات غير محايدة.

وينذر هذا التحرك البرلماني بتغيير في المشهد الإعلامي لأسباب كثيرة، من بينها أن لجنة الإعلام أغلب أعضائها من المقربين إلى الحكومة ودوائر صناعة القرار السياسي والإعلامي وجرى تعيينها بقرار من رئيس الجمهورية، فرئيسها محمود مسلم يرأس
تحرير جريدة الوطن، ورئيس قنوات “دي.إم.سي” وهي من المحطات شبه الرسمية.

كما أن الجهة السياسية التي تقدمت بطلب لتغيير القوانين الإعلامية وتوسيع حرية الرأي والتعبير، هي تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين عبر نوابها في مجلس الشيوخ، ومعروف أن هؤلاء من المقربين إلى دوائر صناعة القرار في الدولة، ويتحركون بطلبات الإحاطة البرلمانية أو مشروعات القوانين وفق مساحة جيدة من التنسيق والتفاهم مع جهات حكومية أو بحكم قراءة المشهد العام من وازع وطني.

واستقبل الكثير من أبناء المهنة تحرك مجلس الشيوخ الذي حل محل مجلس الشورى وكان مسؤولا عن إدارة الإعلام في عهد الرئيس الأسبق الراحل حسني مبارك، بنوع من الارتياح لكون الضوابط المعمول بها حاليا مكبلة للحريات ولم تفلح في إنهاء الفوضى الحاصلة مع انشغال الهيئات الإعلامية المنظمة للمشهد في أمور أخرى قد تكون بعيدة عن صميم أزمات المهنة.

لجنة الإعلام بمجلس الشيوخ ارتدت ثوب المعارضة عندما أكدت أن الدور الأساسي للإعلام هو خدمة الجمهور

وقال رئيس لجنة الإعلام في مجلس الشيوخ محمود مسلم إنه من غير المعقول فرض مدونات سلوك إعلامية من قبل السلطات أو حتى عبر قوانين لأن العالم يتغير والإعلام يتغير، ولا بديل عن وضع إطار عام يشارك فيه الإعلاميون أنفسهم دون وصاية من أحد أو جهة، بحيث يلتزمون به طواعية بلا إرغام أو إجبار.

وارتدت اللجنة ثوب المعارضة عندما أكدت في توصياتها للحكومة أن الدور الأساسي للإعلام الذي يجب أن تكون كل القنوات والصحف والمواقع الإخبارية خدمة الجمهور وإمداده بالمعلومات وترسيخ مفاهيم الديمقراطية والتسامح والتعددية، وفقا لما تكفله القوانين والمواثيق والأعراف الدولية من حرية رأى وتعبير واختلاف رؤى، ووفقا للمعايير المهنية المعتمدة عالميا.

ويرى متابعون للمشهد الإعلامي أن التحرك من جانب السلطة التشريعية لا يأتي من فراغ، بل يمهد لتغييرات جذرية مرتقبة لكون المعترضين على مدونات السلوك الإعلامي والمطالبين بتغييرها واستبدالها بقوانين تكرس حرية الرأي هم من المقربين إلى الحكومة، وربما من المتحدثين بلسانها في الكثير من المناسبات السياسية.

ويعتقد هؤلاء أن الميزة المهمة ترتبط بمشاركة أبناء المهنة أنفسهم في التطوير وتحديد المسارات وضبطها وتغيير الصورة الذهنية عن الإعلام، وهذه خطوة قد تكون كفيلة بإحداث نقلة في رفع سقف الحريات وتعدد الأصوات ووضع قواعد حاكمة تضمن اختلاف الرؤى ولا تكرس الاصطفاف دائما خلف الحكومة، من خلال ضوابط محددة لا تسمح بالانفلات.

وظلت القوانين والضوابط التي تضعها الهيئات المسؤولة عن ضبط وتنظيم المشهد سيفا مسلطا على رقاب العاملين في الإعلام، وبدت كل جهة وكأنها تنافس الأخرى في إقرار مسودات وبنود حاكمة أكثر صرامة وصارت أغلب المنابر أداة لنشر وإذاعة البيانات الرسمية دون الاشتباك مع هموم الشارع خوفا من التغريد خارج السرب.

ولم يكن يتم وضع القوانين والمواثيق الإعلامية بمشاركة واستفتاء شيوخ المهنة أو بعض العاملين بها، وكانت تصدر في صورة أشبه بالقوانين الفوقية التي لا يجب الاعتراض عليها ولا يحق لأحد التنصل منها، وباتت العقوبات المسار الوحيد من وجهة نظر الهيئات الإعلامية لضبط المنظومة من دون اكتراث بحاجة المهنة للعصرنة ومواكبة التطورات الدولية التي تصاحبها.

ورأى أستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة صفوت العالم وهو رئيس لجنة تقييم الأداء الإعلامي سابقا أن أهم نقطة في تحرك البرلمان ترتبط بأن الإعلام يتطور بكفالة حرية الرأي لأنه من الصعب حدوث تغيير إيجابي في المنظومة مع غياب حرية إعلامية وفق ضوابط تضمن تحقيق المهنية، لافتا إلى أن هناك مفهوما خاطئا يربط بين العقوبات والمهنية، حتى أصبحت أغلب المنابر تهتم بالقضايا الهامشية.

متابعون للمشهد الإعلامي يرون أن التحرك من جانب السلطة التشريعية لا يأتي من فراغ، بل يمهد لتغييرات جذرية مرتقبة

وأضاف لـ”العرب” أن المشهد الإعلامي في حاجة إلى مرونة في الإدارة من جانب الهيئات المعنية بضبط الأداء، وتحديث للمعايير المطبقة بشكل دوري لمواكبة تطورات الإعلام، فالعودة إلى الريادة في حاجة إلى أفكار وخطط من خارج الصندوق وليست تكريسا للصوت الواحد.

ويعتقد خبراء أن تدخل لجان برلمانية لضبط الإعلام بما يسمح بالتعددية ورفع القيود نسبيا يعكس وجود أصوات عاقلة داخل الحكومة رأت ضرورة تحجيم دور الجهة المالكة للصحف والقنوات، وهذه أيضا حكومية كانت تتدخل في رسم الخارطة الإعلامية لاعتبارات أمنية وسياسية يفترض أنها تلاشت مع استقرار الدولة.

ويقود التحرك داخل مجلس الشيوخ إلى خطوات أبعد، فهناك بوادر لنسف مدونات السلوك الإعلامي المطبقة لكونها مقيدة أكثر منها منظمة، على أن يتم وضع أخرى أكثر مرونة تسمح باختلاف الرؤى وطرح وجهات النظر المتباينة، وعندما يكون كل ذلك مدعوما أو موجها من جهات فاعلة في الدولة لضمان تطبيقها.

والمعضلة في من يديرون المؤسسات الإعلامية أو في المذيعين أنفسهم ومدى مرونتهم في تطبيق المعايير الجديدة، فهناك من يزايدون ويرفضون الانتقادات أو تعدد الأصوات داخل المنابر المسؤولين عنها خوفا من الوقوع في الخطأ والغضب عليهم.

وأكد صفوت العالم أن الإعلام الذي يرغب في التطور عليه أن يتحرك وفق سياسة إعلامية قائمة على مناقشة القضايا الحيوية الجادة التي تقود إلى التنوير والتوعية واستضافة مفكرين ومثقفين وعلماء وتيارات مختلفة، وهذا في حاجة إلى تنسيق جماعي بين المؤسسات لإتاحة جميع الآراء ويصبح إعلام مصر حاضرا في الداخل والخارج.

وقد لا تتحقق هذه الخطوة قبل الاستماع إلى رؤية أبناء المهنة العقلاء لتحديد ما يحتاجه المشهد الإعلامي، وتكون هذه الخطوة بداية نحو المزيد من الحريات التي نادوا بها، شريطة الاطّلاع على وجهات نظر المشهود لهم بالنزاهة والمهنية والمصداقية والابتعاد عن الاستماع إلى رأي أصحاب المصالح وبعض الوجوه التي شاركت في تكريس الفوضى وتراجع ثقة الجمهور في الإعلام.

وإذا نجح البرلمان في الوصول بالإعلام المصري إلى مرحلة مرتفعة من الاستقلال والحرية فتفعيل ذلك على الأرض يتطلب أن تكون الهيئات الإعلامية مستقلة القرار، وتتخلى عن الصفة التي يطلقها عليها البعض بأنها “كيانات منزوعة الصلاحيات”، فإذا كانت الحكومة المصرية لديها نية الإصلاح والتطوير بصورة حقيقية عليها أن تعلن بالضبط من له الكلمة العليا في إدارة المشهد، الهيئات الإعلامية الثلاث أم الجهة المالكة للمؤسسات الإعلامية؟

16