تحرك مصري لدعم الولاية للمطلقات لتحصين الأبناء من الانفصال

توجه جديد ينهي أزمة أسرية تؤرق أمهات وتؤثر على أطفالهن.
السبت 2023/05/27
الكثير من الأزواج يتخذون الولاية ورقة ضغط على المطلقات

عاد موضوع حق الأم المصرية المطلّقة في الولاية ليثير الجدل من جديد، وأظهرت نقاشات لمنظمات نسوية وتحركات داخل البرلمان أن المطلقات أوشكن على الحصول على هذا الحق. ومن المنتظر أن تصبح الولاية التعليمية بيد الأم الحاضنة وقد تؤول مسؤولية الأبناء تعليميا إليها، ويكون ذلك بأمر قضائي مستعجل من خلال محكمة الأسرة. ويرى حقوقيون أن استغلال الولاية التعليمية من جانب الأزواج لابتزاز الزوجات وقهرهن أصبح بحاجة إلى تدخل عاجل.

القاهرة - دفعت المآسي التي تعاني منها غالبية النساء المطلقات في مصر بسبب الولاية التعليمية كثيرا من المنظمات النسوية والحقوقية وأعضاء مجلس النواب إلى فتح نقاش موسع حول مسألة الحق في الولاية، ولماذا تُحرم المطلقة منها لحين صدور حكم قضائي نهائي بانتزاعها من الأب، ما يستغرق وقتا طويلا.

وأظهرت حوارات تدور بين منظمات نسوية والمجلس القومي للمرأة وأعضاء داخل البرلمان أن المطلقات في مصر يقتربن من انتزاع حق الولاية التعليمية بمجرد وقوع خلافات أو تصدعات أسرية قد تقود إلى الانفصال، أو خلال فترة الهجر الزوجي التي لا يستطيع القضاء إثباتها أو حتى فور وقوع الطلاق بشكل مباشر.

وترمي التعديلات المطروحة إلى جعل الولاية التعليمية بيد الحاضنة، أي الأم، وحال الخلافات الزوجية تؤول مسؤولية الأبناء تعليميا إلى المرأة، ويكون ذلك بأمر قضائي مستعجل من خلال محكمة الأسرة، فوجود الأبناء في حوزة الأم ومعها حق الولاية الكاملة يعزز الحفاظ على مستقبلهم التعليمي ولا يجعلهم عرضة لابتزاز الآباء.

ورأى نواب في البرلمان أنه لا بديل عن وضع حلول جذرية لأزمة الولاية التعليمية وأحقية الأم المطلقة بها في ظل ما يثار عن رفض الكثير من المدارس الخاصة قبول أبناء المطلقات وتشترط وجود الأب أثناء قبول الأوراق والتسجيل لتفادي مشكلات محتملة بين المطلقين مستقبلا تنعكس تأثيراتها على العملية التعليمية للطفل.

وكعادة كل عام، تحمل الأيام التي تسبق دخول المدارس والتقديم لها ودفع قيمة المصروفات الدراسية قلقا وضغطا نفسيا للأم المطلقة مع عدم التوافق حول الولاية التعليمية، لأن بعض الرجال يستخدمون هذا الحق على الأبناء للضغط على الطليقة ومحاولة ابتزازها إذا كانت هناك خلافات حول حق الرؤية وزيارة الأبناء.

عبير سليمان: هناك توجه واضح بإدخال تغييرات جذرية في مسألة الولاية التعليمية ونقلها إلى الأم المطلقة
عبير سليمان: هناك توجه واضح بإدخال تغييرات جذرية في مسألة الولاية التعليمية ونقلها إلى الأم المطلقة

ووفق مقترحات برلمانية أصبحت محل دراسة عميقة داخل المؤسسة التشريعية، فإن استغلال الولاية التعليمية من جانب الأزواج لابتزاز الزوجات وقهرهن أصبح بحاجة إلى تدخل عاجل، فلا يمكن السماح للأب بنقل أولاده إلى مدارس تقع في مناطق بعيدة انتقاما من الأم، بحجة أنه الأب، مع أنها تعجز بعد الطلاق عن نقلهم إلى مدارس قريبة.

والأكثر مرارة للمطلقات من ابتزازهن بمصائر الأبناء أن هناك آباء يتمسكون باستغلال حق الولاية التعليمية لتغيير مسار أولادهم من دراسة اللغات الأجنبية إلى التعليم باللغة العربية في المدارس الحكومية، حيث يواجهون صعوبة في التأقلم مع البيئة الجديدة على مستوى المناهج الدراسية والانخراط مع الزملاء والتعامل مع المعلمين، وما يترتب على ذلك من أزمات نفسية.

وتتمسك منظمات نسوية بأن تكون الولاية التعليمية مناصفة بين الزوجين، طالما أن العلاقة الأسرية قائمة بينهما، ولا يجب أن يحتكرها الرجل وتصبح الزوجة بلا قيمة، ثم إذا حدثت خلافات وتعقدت العلاقة تؤول الولاية للأم بشكل مباشر، على أن يتم الاعتداد بالشهود في هذه الحالة، لأنه لا يعقل أن يهرب الرجل ويترك الأسرة دون طلاق رسمي ويظل محتفظا بالولاية.

وتواجه مطلقات إشكاليات قانونية عند تسجيل الأبناء أو نقلهم من مدرسة إلى أخرى، ما لم تحصل على حكم قضائي بالولاية، حيث تطالبها المدارس بحضور وموافقة الأب كشرط أساسي لتحقيق رغبتها، رغم أنها الطرف الحاضن له، وأمام طول المدة الزمنية التي تستغرقها المحاكم، يظل الطفل مهددا بفقدان سنوات تعليمية من حياته.

وتتمسك وزارة التربية والتعليم حتى الآن بأن الولاية التعليمية تظل للأب في حالة وجود نزاع على الحضانة أو الولاية، ويحق له نقل ابنه من مدرسة إلى أخرى أو تغيير نوعية التعليم أو أيّ تصرف يخص مستقبل الطفل دراسيا، ولا تنتقل الولاية إلى الأم بغير حكم قضائي يمنح حضانة الصغير لها، أي أنه لا يحق للمطقة التعامل مع أي شيء يخص تعليم أولادها قبل رأي المحكمة.

وقالت عبير سليمان الناشطة الحقوقية في مجال المرأة ومديرة مركز “ضد التمييز” بالقاهرة إن أزمة المطلقات بشأن الولاية التعليمية تتعاظم مع رفض الكثير من الرجال توثيق الطلاق وترك الزوجة معلّقة، لا هي متزوجة ولا معها ما يثبت بأنها منفصلة، لذلك لا تستطيع الحصول على وثيقة رسمية تسمح لها بالتحكم في مصير أولادها تعليميا، ولا بديل عن نقل الولاية إلى الحاضنة حفاظا على مصلحة الأبناء.

وأضافت لـ”العرب” أن هناك توجها رسميا واضحا بتغييرات جذرية قريبة في مسألة الولاية التعليمية ونقلها إلى الأم المطلقة، حال وجود نزاع، ولو لم يتم إثبات الطلاق وتوثيقه، لأن الجهة التشريعية تشعر بأن التلاعب بالمستقبل التعليمي للأبناء بسبب الخلافات الزوجية يجلب انتكاسات تربوية ونفسية يصعب محوها أو علاجها بسهولة.

ويصل عدد الأطفال من ضحايا الشقاق الأسري في مصر إلى أكثر من عشرة ملايين طفل، حسب إحصائية صدرت مؤخرا عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي)، بعضهم يواجهون منغصات تعليمية وسلوكية بسبب تعقيدات قانونية مرتبطة بالرؤية والولاية الأسرية ومعاناة الأم في التعامل مع المؤسسات الرسمية.

◙ وجود الأبناء في حوزة الأم ومعها حق الولاية الكاملة يعزز الحفاظ على مستقبلهم التعليمي ولا يجعلهم عرضة للابتزاز

وبرى متخصصون في العلاقات الأسرية أن التحرك الجديد في مصر نحو إنصاف المطلقة بالولاية التعليمية يمهد الطريق للقضاء على ظاهرة استغلال الأبناء وقت الخلافات الزوجية، في ظل تراجع نسبة ما يعرف بـ”الطلاق المتحضر”، والذي يتفق فيه الطرفان على الانفصال دون تأثر أولادهما، والمشكلة أن بعض العائلات تغذي هذا الصراع وتتعامل معه بطريقة غير عقلانية تؤدي إلى انخراط الأبناء في الخلافات.

ويظل الصغار أسهل حلقة يمكن عبرها تركيع الطرف الضعيف بعد الطلاق وهو الأم، وهذا أكثر دافع تحركت لأجله منظمات نسوية والمجلس القومي للمرأة مدعومة من نائبات في البرلمان لوقف إذلال المطلقة من خلال أبنائها، لتكون الحاضن المباشر وقت الخلافات أو أثناء فترة التقاضي للحصول على حقوقها، لأنه يصعب ترك الأبناء معقلين طوال فترة مداولة القضية في المحكمة.

وأشارت سليمان إلى أنه لا بديل عن تقاسم الولاية التعليمية بين الأب والأم، إذا كانت العلاقة الزوجية قائمة، لأن فترة التوترات التي تسبق الطلاق فرصة ثمينة للزوج للانتقام من شريكته عبر أولاده، وثمة وقائع لأبناء لا يلتحقون بالتعليم من الأساس لرفض الأب تسجيلهم بالمدرسة، وأخرى مرتبطة بعدم دفع المصروفات حتى يتم نقل الابن من مدرسة خاصة إلى أخرى حكومية.

وتمنح وزارة التعليم في مصر الحق لأيّ مدرسة خاصة نقل الطالب إلى مدرسة حكومية عادية، إذا تأخر الأب عن دفع المصروفات الدراسية لنصف عام دراسي، دون إخطار الأسرة، وهي ثغرة يستغلها بعض الآباء بتعمد تأخير المصروفات لتفاجأ الأم بأن أولادها تم فصلهم وأصبحوا يتلقون تعليمهم في بيئة مدرسية مختلفة، وفي نفس الوقت ليس معها ولاية لتستطيع تجنيب أبنائها هذا المصير.

ويقول مؤيدون لمقترح تقاسم الولاية بين الشريكين، بعد الانفصال بالتراضي، إنه مسار يؤسس لتوافق بين المطلقين على اختيار مستوى التعليم دون مكايدة، وتجنيب الأبناء مشاكل الطلاق، بحيث تصبح الولاية التعليمية نقطة التقاء وليست شقاقا بين المنفصلين لتحقيق مصلحة الأبناء، والمساهمة في توفير أجواء مناسبة داخل الأسرة تخفّف عليهم الضغوط النفسية وتدعمهم وتشجعهم على التعلم والنجاح.

15