تحركات محتشمة لتوحيد اليسار التونسي بعد سنوات من التشتّت

تونس - تحاول أحزاب اليسار التونسي توحيد صفوفها بعد حالة من التشرذم السياسي الذي رافق نشاطها خلال ما يعرف بـ”العشرية السوداء”، كما شهدت انقسامات عديدة وفشلت حسب المراقبين في لعب دور المعارضة الشرسة لمنظومة الإسلام السياسي التي تمكّنت من مفاصل السلطة بقيادة حركة النهضة بعد ثورة 2011.
ويجمع المراقبون على أن الحصيلة السياسية لليسار بأحزابه المختلفة كانت “ضعيفة”، ولم تؤثر في المحطات الانتخابية المهمة التي مرت بها البلاد، وسط غياب كلي للعمل الجماعي وفقا لخطط وإستراتيجيات سياسية واضحة المصالح والأهداف.
وأكد منجي الرحوي الناشط السياسي والنائب السابق بالبرلمان المنحل أن “حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد يعيش أزمة وصفها بالحقيقية”.
وأضاف الرحوي في تصريح لإذاعة محلية على هامش مشاركته السبت في ندوة وطنية للحزب بمحافظة المنستير (وسط) “هذه ندوة وطنية لمناضلي ومناضلات الحزب الذين اتخذوا المبادرة من أجل عقد مؤتمرنا في ظروف يعيش فيها حزبنا أزمة حقيقية، ونحن نريد تجاوز هذه الأزمة في إطار وحدة حزب الوطنيين الديمقراطيين ونريد أن نمضي بشكل عاجل في توحيد كل الوطنيين الديمقراطيين، والمهمة اللاحقة هي وحدة اليسار وسنمضي من أجل هذا”.

المنذر ثابت: اليسار تنقصه الإرادة لتجاوز سوء تفاهم قديم منذ الثمانينات
وتابع “سنمضي في توحيد كل الوطنيين الديمقراطيين وفي توحيد كل مكونات اليسار وسنمضي من أجل هذا بكل إصرار وعناد يتطلبه واقع تونس حتى تكون لنا أداة سياسية وكفاحية تمكننا بالفعل من أن نكون في طليعة النضال، وتمكننا من فعل سياسي حقيقي ومن التحام بالشعب وأن نقدم ما يجب تقديمه لهذه البلاد والتي تنتظر الكثير من أبنائها، ونحن نجتمع اليوم وقد هبّ مناضلو الحزب من كل الجهات والولايات، وهؤلاء عاقدون العزم ومصرون على أن يكونوا أداة حقيقية مع الشعب وسط ما تتطلبه الاستحقاقات السياسية القادمة”.
وكان حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد قد أعلن بداية يونيو الماضي عن سحب عضوية الرحوي بسبب مشاركته في أولى جلسات الحوار الوطني ضمن اللجنة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة التي أعلن عن بعثها الرئيس قيس سعيد.
وساهم تشتت المواقف السياسية في تراجع حضور الأحزاب اليسارية في المشهد بالبلاد وتقديم نفسها كبدائل، خصوصا بعد فشل المنظومة السابقة في إدارة شؤون البلاد.
وتقول أطراف سياسية إن محاولات توحيد الصفوف تظلّ صعبة، ما لم تُبن على خطط وبرامج سياسية واضحة المعالم والأهداف، فضلا عن تجاوز المصالح الحزبية الضيقة وتحديد مسار سياسي موحّد.
وأفادت مباركة البراهمي القيادية بالتيار الشعبي والنائبة السابقة بالبرلمان المنحل “ليس من مصالحنا ومصالح الشعب التونسي أن تتفتت أحزاب اليسار إلى حُزيْبات صغيرة، ويسعدنا أن تتوحّد القوى الديمقراطية والتقدمية”.
وقالت لـ”العرب” إن “توحيد الصفوف يجب أن يكون على برامج وخطط، وعملية توحيد الجبهة الشعبية بعد 2011 كانت مبنية شكلا على منصب الرئاسة بين منجي الرحوي وحمّة الهمّامي، وكان هناك اختلاف في العمق على مسارات عديدة”.
وتابعت البراهمي “هناك من خاض تجربة الحكم مع حزب حركة نداء تونس عندما تحالف مع حركة النهضة، وقيادات الجبهة الشعبية كانت في واد والشباب في واد آخر، وخرج العديد منهم نحو حزب العمّال وحزب الوطد (الديمقراطيين الموحّد)، وبعد إجراءات الخامس والعشرين يوليو هناك من وجد نفسه في نفس الخندق مع منظومة الإسلام السياسي، وهناك من ساند الرئيس سعيّد”.
واستطردت “فكرة توحيد اليسار لا تزال ضعيفة، ويجب الحسم بشأن من يلتحم بالشعب التونسي في آلامه ومطالبه، ومن وجد نفسه في خندق واحد مع حركة النهضة لتصفية الحسابات مع الرئيس سعيّد”.
واعتبر متابعون للشأن التونسي أن اليسار التونسي تنقصه الإرادة لبناء جسم سياسي صلب ومتماسك، عمّقتها مشاكل القيادة وبعض الخلافات السياسية المتوارثة بين القيادات.

مباركة البراهمي: فكرة توحيد اليسار لا تزال ضعيفة ويجب أن تبنى على خطط وبرامج
وقال المحلل السياسي المنذر ثابت “أعتقد أن اليسار يشكو من أزمة رؤية وتصوّر، والمسألة الأساسية هي تحديد طبيعة المرحلة”، مضيفا “لا نزال في نطاق التناقضات وتحت دكتاتورية الرأسمالية بكل تمظهراتها المحلية والعالمية”.
وصرّح لـ”العرب” أن “الشرط الموضوعي لتوسّع نشاط اليسار متوفّر، لكن الإشكالية أن اليسار وجد نفسه بعد 2011 متردّدا بين تثبيت التجربة الديمقراطية ومواصلة الصراع مع اليمين المحافظ (الديني)، ولم يحدد أهدافا واضحة”.
وأكّد ثابت (انتمى إلى اليسار الراديكالي خلال الثمانينات) أن “اليسار لديه مشكلة قيادة بعد اغتيال السياسي شكري بلعيد في فبراير 2013، وبلعيد أعطى لليسار حجما مكّنه من تمدّد جماهيري كبير، ومشكلة القيادة أعتقد أنها حُلّت بعد الرابع عشر يناير 2011 بتأسيس الجبهة الشعبية التي كانت مكسبا لتوحيد اليسار، وكان من المفروض أن تقود إلى تكوين حزب سياسي وجماهيري موحّد”.
وأشار إلى أن “هناك مخططا دوليا في تونس لتمكين الإسلام السياسي من حكم البلاد، لذلك اُغتيل شكري بلعيد ولأنه أيضا مكّن اليسار من كسب مساحة سياسية واسعة”، مضيفا “دائما بإمكان اليسار أن يوحّد صفوفه ويعود إلى الخزّان الشبابي، ولا تنقصه في ذلك العلاقات الخارجية ولا الرؤى في مواجهة التيّارات الشعبوية، بل تنقصه الإرادة والقدرة على تجاوز سوء تفاهم قديم منذ الثمانينات (النزاع بين حزب العمّال والوطد والتيار القومي)”.
وأردف ثابت “لا بدّ من تحديد طبيعة المرحلة والرهانات المطروحة، والحزب الاشتراكي أيضا له طموحات، ويجب أن يبرز حزب جماهيري”.
ومُني اليسار التونسي بخسائر انتخابية منذ الإطاحة بالنظام السابق، ولطالما تعرض إلى انتقادات لاكتفائه بردود الفعل مع فشله في تحقيق نتائج انتخابية تؤهله للحكم بسبب عدم قدرته على صياغة خطاب سياسي واضح ومنسجم.
ويبدو أن الخلافات داخل اليسار عميقة، وهو ما يعسّر مساعي توحيده، ما جعل وجوها يسارية بارزة تبحث في سبل تشكيل بديل عن الجبهة الشعبية بهدف إعادة التوازن إلى المشهد السياسي.
وفي وقت سابق خاضت قيادات يسارية إضرابا عن الطعام مع قيادات إسلامية ضد إجراءات الرئيس قيس سعيد، في خطوة جعلت اليسار في مرمى الاتهامات والانتقادات بعد الصراع التاريخي والأيديولوجي مع الإسلاميين.