تحركات في مصر لامتصاص غضب المحامين خشية ظهور معارضة جديدة

يعتزم البرلمان المصري إعادة النظر في عدد من بنود قانون الإجراءات الجنائية الجديد، بعد ضغوط شديدة مارستها نقابة المحامين، والتي انضمت إليها أطراف نقابية أخرى، ويأتي توجه البرلمان لتجنب وصول علاقة السلطة بالنقابات إلى نقطة الانهيار.
القاهرة- تتجه النية داخل مجلس النواب المصري إلى الاستجابة لمطالب المحامين بتعديل المادة الخاصة بالمرافعات أمام المحاكم في قانون الإجراءات الجنائية الجديد، بعد اعتراضات واسعة من جانب نقابة المحامين، كادت تنسف المكتسبات السياسية التي حققتها الحكومة بالإعلان عن تعديل قانون الحبس الاحتياطي.
وانضمت نقابتا المهندسين والصحافيين إلى نقابة المحامين، وشكّلت مثلثا مناهضا لمجلس النواب، بالتضامن ضد أي نص قانوني يسيء إلى دور مهنة المحاماة مقابل توسيع صلاحيات القضاة أثناء المحاكمات، ما أربك حسابات البرلمان الذي يسعى للانتهاء من قانون الإجراءات الجنائية قبيل معاودته للانعقاد مطلع أكتوبر المقبل.
وترفض الحكومة، والبرلمان أيضا، الدخول في صدام محتدم مع المحامين والصحافيين والمهندسين، بما يصنع معارضة سياسية بعيدة عن القوى المدنية التي اختفى دورها تقريبا، وأصبحت بلا قاعدة شعبية، بينما يقود الخلاف مع نقابات مهنية لها تأثير ونفوذ إلى أزمة سياسية قد تثير منغصات للسلطة في توقيت حرج.
◄ أهمية قانون الإجراءات الجنائية تكمن في أنه ينظم الإجراءات التي يجب اتباعها في التحقيق والمحاكمة والفصل في القضايا الجنائية
وتتمسك نقابة المحامين بتعديل بعض نصوص قانون الإجراءات الجنائية التي انتهت منها لجنة الشؤون التشريعية في البرلمان، لأنها تقلص دور مهنة المحاماة في مباشرة جميع الحقوق القانونية، وتقود إلى صراعات بين السلطات القضائية والنيابية والمحامي، فضلا عن الاعتداء على الحريات وتقييد حقوق الدفاع أمام القضاء والنيابات.
وهناك نص قانوني صادم للمحامين، بأنه إذا وقع من المحامي أثناء قيامه بواجبه في جلسة محاكمة المتهم، فعل أو تشويش مخل بالنظام أو ما يستدعي مؤاخذته جنائيا، يحرر رئيس الجلسة محضرا بما حدث، وللمحكمة أن تقرر إحالة المحامي إلى النيابة العامة لإجراء التحقيق، ولرئيس المحكمة أن يحاسبه إذا كان ما وقع منه يستدعي مؤاخذته تأديبيا.
وأمام تصعيد عدة نقابات فرعية، تحدثت دوائر برلمانية عن إعادة النظر في بعض النصوص التي أثارت تحفظات من جانب المحامين، ما يوحي بأن الحكومة لا ترغب في تشويه صورة قانون الإجراءات الجنائية أو تُعطي الفرصة لقوى معارضة خارج النقابات المهنية أن تعاود الظهور في المشهد، لأن ذلك قد يتسبب في أزمة.
وأعلن نقيب الصحافيين خالد البلشي الاعتراض على القانون أسوة بما فعله المحامون، وأن النصوص التي تجري مناقشتها منحت القضاة حق معاقبة الصحافيين والمواطنين والمحامين إذا قاموا بالنشر عن القضايا دون تصريح مسبق من قاضي النشر، وهو ما لا يتفق مع أي مسار يمكن أن تسلكه الحكومة في شأن الحريات.
يقول مشروع القانون “لا يجوز نشر أخبار أو معلومات أو إدارة حوارات أو مناقشات عن وقائع الجلسات، أو ما دار بها على نحو غير أمين، أو على نحو من شأنه التأثير على حُسن سير العدالة، ويحظر تناول أي بيانات، أو معلومات تتعلق بالقضاة، أو أعضاء النيابة العامة، أو الشهود، أو المتهمين عند نظر المحكمة لأي من الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب، إلا بموافقة قضائية”.
وأربك توحد نقابات مهنية ضد مشروع قانون تبحث الحكومة من ورائه عن مكاسب سياسية حسابات السلطة، ولم يعد أمامها سوى الضغط على البرلمان لترضية مقبولة للأطراف المعارضة، لأن عدم الوصول إلى نقطة توافق يتسبب في مشكلة معقدة حول تشريع مرتبط بصميم حقوق الإنسان في ذروة تركيز القاهرة على تحسين سجلها فيه.
وحاولت جهات حكومية ودوائر برلمانية وإعلامية تصدير صورة عن قانون الإجراءات الجنائية، بأنه يحظى بتوافق وتأييد واسع من النقابات والأحزاب والمنظمات الحقوقية، لاسيما في نصوص الحبس الاحتياطي، لكن الجدل الأخير، وحالة الرفض من بعض النقابات، أظهرا عكس ذلك.
ويرتبط سعي الحكومة والبرلمان لترضية المحامين بأنهم يتوحدون بسهولة خلف مجلس النقابة إذا كانت هناك نصوص قانونية تمنح امتيازات للقضاة على حساب مهنة المحاماة، ولا يُمانعون تنظيم احتجاجات وتعليق العمل في المحاكم، وقد يصل الأمر إلى حد تعميم الاعتصام.
وتعد نقابة المحامين من القلاع التي يشكل وجود شخصيات معارضة للحكومة ضمن مجلسها الحالي منغصا للحكومة، لأنها بسهولة قد تحوّل الغضب إلى معضلة سياسية، ارتكازا على تاريخها وعدد أعضائها ومقرها بالقاهرة بالقرب من نقابة الصحافيين.
وحاول أعضاء بلجنة الشؤون التشريعية في البرلمان تحويل غضب المحامين إلى تهمة لهم والإيحاء بأنهم يبحثون عن مكاسب، لكن نقابتهم ردت بأن اعتراضها على بعض النصوص ليس مرتبطا برغبة في الحصول على مصالح ذاتية، وتتمسك بالحصانة المنصوص عليها في الدستور، وضمان حقوق المتهمين في محاكمات عادلة عبر توفير قوانين تضمن وتحافظ على حقوق من يقومون بتمثيلهم.
قال ناجي الشهابي رئيس حزب الجيل إن مجلس النواب مطالب بإجراء نقاش موسع حول القانون الجديد، كي لا يصدر مشوها بشكل يؤثر سلبا على سعي الحكومة لإثبات حسن نواياها لفتح مجال الحريات وغلق ملف الحبس الاحتياطي، لأن الخلاف مع النقابات المهنية ليس في صالح أي طرف.
◄ نقابة المحامين تتمسك بتعديل بعض نصوص قانون الإجراءات الجنائية التي انتهت منها لجنة الشؤون التشريعية في البرلمان
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الحوار المفتوح حول قانون الإجراءات الجنائية بلا خطوط حمراء، واجب على البرلمان، لأن عكس ذلك يُعطي فرصة مجانية لخصوم السلطة للمتاجرة بملف الحريات والسجناء، وهذا يضر بفلسفة القانون، وما لم تتم الاستجابة لمطالب المحامين فإن المشكلة يمكن أن تفضي إلى مشكلات للحكومة، لأن القانون يمس صميم الحريات.
ويستهدف تدخل دوائر قريبة من السلطة لإعادة النظر في بعض النصوص المغضوب عليها في قانون الإجراءات الجنائية، عدم الوصول إلى نقطة قد ينسد فيها الحوار بين الحكومة ونقابات مهنية لديها مئات الآلاف من الأعضاء يشكلون عامل ضغط عليها.
وتكمن أهمية قانون الإجراءات الجنائية في أنه ينظم الإجراءات التي يجب اتباعها في التحقيق والمحاكمة والفصل في القضايا الجنائية، والوسيلة الأهم لحماية الحرية الشخصية، وبث الثقة في تكريس العدالة داخل البلاد.
وتحدث محامون عن أن نصوص الحبس الاحتياطي داخل القانون محل النقاش غير مرض عنها، وتتضمن عبارات مطاطة، ولم تتطرق إلى أساس المشكلة، وهي عدم وجود نص يضع حدا أقصى لانتهاء النيابة من التحقيق في الجريمة أو التهمة، وإصدار قرارها بالإحالة إلى المحاكمة أو البراءة، لأن غياب هذا النص يكرس الحبس الاحتياطي، ما أحرج الحكومة والبرلمان ومجلس أمناء الحوار الوطني.
وبعيدا عما ستؤول إليه الأزمة، فالواضح أن السلطة لديها قناعة بضرورة غلق المنافذ التي يتسلل منها جدل له تداعيات سياسية، وهي نقطة يراها معارضون تُحسب للسلطة، في ظل تحديات داخلية وخارجية لا تتحمل حدوث صدام مع النقابات والمعارضة، بما يصب في صالح تيارات مناوئة تجيد توظيف الخلاف لتحقيق مصالح مشبوهة.