تحالف سياسي جديد في مصر لإضفاء جدية على الانتخابات البرلمانية

القاهرة - أعلنت أعداد من الشخصيات المصرية أخيرا، تدشين تحالف انتخابي جديد باسم “التيار الوطني المصري”، يعتزم خوض انتخابات مجلس النواب، المتوقع إجراؤها في أكتوبر المقبل، في مواجهة قائمة حزب “مستقبل وطن” الذي يحظى بدعم الحكومة، واكتسح انتخابات مجلس الشيوخ مؤخرا بأداء سياسي وصف بـ”الهزيل”.
ويثير التحالف الجديد تساؤلات حول ما إذا كان بداية لحراك إيجابي في الساحة السياسية الراكدة، أم استكمالا لحراك مصنوع يريد الإيهام بتحسن المشهد العام، والإيحاء بوجود رغبة في التغيير، بعدما كشفت مشاهد انتخابات مجلس الشيوخ الأخيرة أن الحكومة تنافس نفسها.
ويبدو أن التيار الجديد طفا على السطح ليلعب دور المنافس في انتخابات البرلمان، وتجنب الصورة التي خرجت بها انتخابات الشيوخ، حيث أخفقت القوى الحزبية في إقناع الناس بجدية الاستحقاق، وبدت أشبه بالاستفتاء أو التعيين.
وكشفت تقديرات سياسية عدة أن بقاء الحال على ما هو عليه يخصم من رصيد النظام المصري، ويوحي بأنه يدير تمثيلية سياسية لا طائل منها، وهو ما يؤثر على مصداقيته في الداخل والخارج، ويفرض البحث عن وسيلة توحي بأن هناك انتخابات ومنافسة وخلافات على المقاعد، ما يضفي نوعا من الحيوية.
وقارن مراقبون بين الطريقة التي كانت تدير بها حكومات الرئيس الأسبق حسني مبارك، وتلك التي تدير بها الحكومة الحالية الانتخابات، والفرق بينهما أن الأولى كانت أكثر حنكة من الناحية السياسية، واستطاعت إدارة المشهد بما جعلها تمسك بخيوط اللعبة ولا تبخل على المعارضة بهامش تتحرك فيه داخل البرلمان وخارجه.
وتبدو المشكلة في افتقاد نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي لشخصيات سياسية محنكة بجواره، تستطيع إدارة المشهد بنعومة، وتبعث برسائل تؤكد أن الساحة تستوعب جميع الأطياف الوطنية ولن تضيق ذرعا بمن ينتقدون أداء النظام.
لذلك يجري البحث عن ديناميكية تعيد البريق إلى النظام في الشارع، وتحافظ على مجموعة من المواءمات، ليس بالضرورة بذات الآلية التي كانت تدار بها من قبل، لكن تسمح بخروج الأحزاب للتنفس في هواء سياسي يتسم بقدر من الحرية دون خوف من تبعاتها.
ترى بعض الدوائر السياسية أن هذه الوسيلة لن تضر بالنظام الحاكم، بل تعزز كفاءته وحضوره السياسي، وتغير انطباعات سادت في الخارج بأنه يفتقر للمناورة الرشيدة، ويجيد الإدارة بالقبضة الأمنية.
يبدو أن هناك من يقتنعون بهذه الفرضية، ويحاولون إيجاد مساحة جيدة لتحقيق هذا الغرض، غير أن حركتهم لا تزال محدودة وتعتمد على إعادة تدوير الحلقات الضيقة التي سبق اختبارها، وتجاهل البحث عن شخصيات خارجها.

اللواء طارق المهدي: الهدف من تدشين التيار خلق خطاب داخلي جاد أمام الجمهور
تمثل تجربة التيار الوطني المصري اختبارا عمليا يؤكد أو ينفي الحرص على إدخال تعديلات على المشهد السياسي، وهل يكون كفيلا بإرسال إشارة إيجابية تنذر بالتغيير أم سلبية تعزز القناعات بأن الحال سوف يبقى على ما هو عليه.
ألقى التيار الجديد بحجر كبير في بحر السياسة الجاف، حيث أطلق على نفسه “تيار المشاركة المسؤولة”، بمعنى أن كل التيارات والأحزاب الأخرى التي تمارس السياسة أو تتحرك على هامشها، ومع أو ضد النظام، غير مسؤولة.
وثاني حجر ألقاه هو أن مؤسسه اللواء طارق المهدي تولى منصب القائم بأعمال وزير الإعلام عقب ثورة 25 يناير 2011، وكان عضوا في المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تولى إدارة البلاد آنذاك، وشغل مناصب حكومية عدة، بمعنى أن سيرة الرجل تدور في الفلك العام الحالي، وتبدو مفتقرة لمساحة من مرونة الحركة المستقلة، وسيظهر في نظر خصومه المتوقعين كمن يدور داخل الدائرة التي يحدد ملامحها النظام الحاكم.
وأكد اللواء طارق المهدي لـ”العرب” أن الهدف من تدشين التيار الجديد المشاركة في الاستحقاقات السياسية المقبلة، وفي مقدمتها انتخابات البرلمان، من منطلق المسؤولية المجتمعية، وخلق خطاب داخلي جاد أمام الجمهور، ومفاده أن الدولة المصرية تقف على مسافة واحدة من الجميع.
ونفى حصول تياره على دعم من أي جهة رسمية، قائلا “لست مدعوما من الدولة أو الأجهزة المختلفة فيها، وأعتبر نفسي رجلا مستقلا، ولا فائدة من طرح مثل هذه الأحاديث، ورسالتي لمن سيشارك في التحالف أن يدرك طبيعة عمله الوطني، وسندير معركة راقية عبر اختيار شخصيات ذات تاريخ مشرف، وتحمل خبرات ولها شعبية، وأسعى لتحريك المياه الراكدة، مستندا إلى مصداقيتي وشرفي”.
ورفض الإفصاح عن الهيكل العام، والأحزاب والشخصيات التي قام بالتنسيق معها، أو تلك التي سوف تنضوي تحت سقف التحالف الانتخابي، مشيرا إلى أنه سيتم طرحها بمجرد الانتهاء من الحوار حول التفاصيل، ويتم الآن إعداد مقرات وكوادر، والتمويل يأتي من مشاركات المرشحين والمؤمنين بالفكرة.
وأضاف أن التيار يريد تغيير المشهد السياسي، وتأسيس قائمة انتخابية لن يتوقف على مجلس النواب فقط، وقد يتحول إلى كيان حقيقي على الأرض مستقبلا.
ولدى اللواء المهدي ثقة مفرطة في إمكانية أن ينجح التيار الوطني في إيجاد منافسة حقيقية، قائلا “في حال توافرت الأجواء الملائمة والمعركة الحرة سيكون للتيار تواجد فعلي على الساحة السياسية، لأن الدعوة إلى الانضمام إليه مفتوحة لجميع الأحزاب والمستقلين”.
وأوضح أن الفكرة بعيدة عن الحلول السهلة، وتستند إلى الحلول التاريخية، والتوقيت الحالي يعد مثاليا لانطلاق تيار يسعى إلى الاختلاف والتدقيق في اختيار ممثليه، مع أن الوقت ضيق بالنسبة لتوقيت انتخابات البرلمان، والأمر ليس هينا في مواجهة المال السياسي.
يعتقد متابعون بأن التفكير في وجود تيار على رأسه اللواء المهدي، سواء كان خروجه إلى العلن جاء بالتنسيق مع الحكومة أم لا، يؤكد أن الحياة في المجال العام يمكن أن تتحرك، بصرف النظر عن حدود ذلك، والخطوة تشير في مجملها إلى وجود فراغ سياسي يشعر بخطورته صناع القرار، ومن الضروري أن يتم ملؤه.
وقال الخبير في النظم الانتخابية والبرلمانية عمرو هاشم ربيع “إنه لا يمكن التعويل على قائمة سياسية مجهولة معالمها، ولم يتم الانتهاء من إعدادها بعد، وينبغي الانتظار حتى غلق باب الترشيح والموافقة عليها”، مثمنا فكرة وجود قائمة منافسة من شأنها جعل مشهد انتخابات مجلس النواب أفضل حالا من نظيره في الشيوخ.
وأشار لـ”العرب” إلى أن أي انتخابات دون منافسة “تعتبر تعيينا أو تزكية، ومصر بحاجة إلى وجود منافسة كي يشعر المواطنون بأن الانتخابات حقيقية”.
يتأكد حجم مساهمة التيار الوطني بما يظهر عليه من جدية الفترة المقبلة، فمطلوب منه أن يثبت قدرته على النشاط السياسي، ويفوق حضوره في انتخابات مجلس النواب، فالشارع يتوق لقوى تعبر عن أهدافه، وتتمكن من توصيل أوجاعه مباشرة.