تبرئة الرجل من العقوبة تعرقل وقف زواج القاصرات في مصر

النصوص الرادعة للمتزوج من فتاة صغيرة تنهي الأمومة المبكرة.
الخميس 2025/02/13
زواج القاصرات جريمة يعاقب عليها القانون

يرى متابعون للشأن الأسري في مصر أن استمرار إعفاء من يتزوج فتاة قاصرة من العقوبة يقود إلى المزيد من انتهاك أعراض الصغيرات بذريعة أن الزواج تم بموافقتهن، ولم يُجبرن على إقامة علاقة جنسية، مشيرين إلى أن زواج القاصرات كثيرا ما ينتهي بالإنجاب والأم في سن الطفولة. وتطالب الحكومة المصرية بضرورة إجراء تعديلات قانونية تُدرج الرجل ضمن الفئات الأسرية التي تستحق المحاسبة.

القاهرة - أكد حكم محكمة جنايات المنيا، في جنوب مصر، بتبرئة رجل تزوج من فتاة قاصر من تهمة هتك العرض، حجم ما تواجهه الحكومة من صعوبات للخلاص من زواج الصغيرات، وتكريس الأمومة المبكرة لديهن، بسبب ثغرات قانونية لا توفر عقوبة رادعة لمن يتزوج طفلة، ويصبح متهما بارتكاب جريمة مثل أسرة الفتاة نفسها.

قالت المحكمة إن أحكام قانون العقوبات، وما يترتب عليه من محاسبة للأطراف المشاركة في فعل الزواج المبكر، “لا تنطبق على الرجل المتزوج من صغيرة لم تبلغ من العمر ثمانية عشر عاما (السن القانونية للزواج) ولا يمكن اتهامه بهتك العرض أو معاشرتها بالإكراه، لأنه تزوجها بشكل شرعي، وعبر رغبتها وأسرتها.”

وبينما كانت الزيجة عرفية، لأن الطفلة لم تبلغ السن القانونية، لكن المحكمة أكدت أن ‏الزواج رسمي أو عرفي حق مقرر بمقتضى الشريعة، ومن ثم ينتفي عن الفعل الذي ارتكبه المتهم وهو معاشرة الطفلة معاشرة الأزواج، استنادا إلى الزواج العرفي والشهود، ما يبعد صفة الجريمة ومنح المتهم الحق في ممارسة حقه الشرعي في المعاشرة.

هالة منصور: عدم إدراج الرجل ضمن المتهمين في زيجات الأطفال يكرس الأزمة
هالة منصور: عدم إدراج الرجل ضمن المتهمين في زيجات الأطفال يكرس الأزمة

وأثار الحكم جدلا واسعا بين الأوساط الحقوقية والمنظمات المعنية بشؤون الطفل، وسط مطالبات للحكومة ومجلس النواب في مصر بضرورة إجراء تعديلات قانونية تُدرج الرجل ضمن الفئات الأسرية التي تستحق المحاسبة، لأنه خالف القانون وشارك في جريمة تزوج طفلة، ولو كان هو الزوج، لأن إعفاء الرجل من العقوبة سيحول دون الخلاص من زواج الأطفال في مصر.

ووصلت معدلات زواج القاصرات في مصر إلى مستويات مرتفعة، حيث بلغت النسبة نحو 25 في المئة من معدلات الزواج بالبلاد، وفق تقديرات وزارة الصحة، وهو رقم كبير يعبر عن إخفاق حكومي واضح في الحد من الظاهرة، خاصة في مناطق (الصعيد) أي جنوب مصر، وقرى الريف المصري، لأن النسبة الأكبر من المتزوجات في تلك الأماكن تحت سن 15 عاما.

ورأى متابعون لحكم محكمة الجنايات بتبرئة رجل تزوج من طفلة أن استمرار إعفاء من يتزوج فتاة قاصرة من العقوبة يقود إلى المزيد من انتهاك أعراض الصغيرات بذريعة أن الزواج تم بموافقتهن، ولم يُجبرن على إقامة علاقة جنسية، وكثيرا ما تنتهي بالإنجاب وهن في سن الطفولة، مع أن الحكومة لديها أزمة ترتبط بالأمومة المبكرة.

وحسب القانون، فإن تطبيق العقوبة في زواج القاصرات يقتصر فقط على المأذون الشرعي، وولي أمر الطفلة، وإذا لم يكن الشاب قد وصل إلى مرحلة البلوغ وتم تزويجه يُعاقب والده، وبالتالي في كل الأحوال يُعفى الزوج من المحاسبة حتى لو تزوج القاصر دون علم أسرتها، بذريعة أنها وافقت وتمت الإجراءات برضاها، وتم إبرام عقد الزواج العرفي في وجود شهود.

وقامت الحكومة المصرية بإجراء تعديلات تشريعية، مررها البرلمان، ليصبح الزواج المبكر للفتيات جريمة إذا تمت الزيجة قبل بلوغها سن الثامنة عشرة، ولا تسقط التهمة بالتقادم عن المتهمين ويُعاقبون بالحبس حتى سبع سنوات، لكن المعضلة في إفراج المحاكم والنيابات العامة عن الأزواج لأن القانون لا يُعاقبهم، مع أنهم أساس الأزمة.

وإذا رفضت النيابة إطلاق سراح المتزوج من طفلة، وأحالته إلى محكمة الجنايات، كما حدث في قضية فتاة المنيا جنوب البلاد، فإن القاضي لن يتمكن من معاقبته وإن اقتنع بأنه مخطئ ويستحق السجن لعدم وجود نص قانوني بدعوى أن الطفلة نفسها لم تتهم الرجل باغتصابها وإجبارها على إقامة علاقة جنسية انتهت بالحمل والإنجاب.

وتكمن المشكلة في قيام بعض الشباب باللعب على عاطفة فتيات صغيرات ليس لديهن وعي وإدراك، ويقومون بالزواج منهن عرفيا قبل بلوغهن السن القانونية، ودون علم الأسرة، لكن أيضا لا تتم محاسبتهم، لأن تلك الزيجات تحدث بشكل عُرفي وطالما أن الطفلة لم تتهم الشاب بالخطف والاغتصاب وتزوجا في سن صغيرة، تتم تبرئة الزوج من أي عقوبة.

المشكلة تكمن في قيام بعض الشباب باللعب على عاطفة فتيات صغيرات ليس لديهن وعي، ويقومون بالزواج منهن عرفيا قبل بلوغهن السن القانونية

وهذه الوقائع فردية ولم تتحول إلى ظاهرة بأن تتزوج طفلة من شاب دون علم أسرتها، لكنها موجودة بين طالبات مدارس تحديدا، بما يشير إلى مخاطر الثغرات القانونية التي تعرقل مواجهة تزويج القاصرات، سواء أكان ذلك بموافقة عائلة الطفلة أم لا، فقد يفاجأ الأب في النهاية بأن الفتاة تزوجت وحملت من شاب ويضطر إلى القبول بالأمر الواقع.

وأمام انشغال الكثير من الأسر بتوفير متطلبات الحياة اليومية وسط ظروف معيشية صعبة، هناك عائلات تُسقط رعاية الأبناء من حساباتها دون قصد، وقد تفاجأ بعض الأسر بأن طفلتها التي تبلغ من العمر ثلاثة عشر عاما، قد تزوجت عرفيا وحملت، أي أن حصر معضلة زواج القاصرات في أسرة الطفلة يكرس الأزمة لأن الأساس في الرجل الذي تزوجها صغيرة.

ما يبرهن على ذلك أن هناك عائلات كثيرة متعلمة ومتحضرة وواعية ترفض فكرة تزويج الفتاة في سن مبكرة، لكن تفاجأ بمن يغرر بها ويستغل براءتها وعدم نضجها ليوقعها في علاقة عاطفية تنتهي بالزواج العرفي، ولا تتم معاقبته على هذا الفعل، أو حتى يتطرق القانون إليه ويحمله جزءا من المسؤولية، على الأقل لتكون هناك أداة ردع للرجل الذي يفكر في هذا التصرف.

قالت هالة منصور، الباحثة المتخصصة في العلاقات الاجتماعية، إن عدم إدراج الرجل ضمن المتهمين في زيجات الأطفال يكرس الأزمة، لأن في بعض الحالات يكون المتهم الأول شابا استطاع خداع طفلة والزواج منها بلا علم أسرتها، ويصعب مواجهة زواج الصغيرات برسالة ترهيب بالقانون لكل شاب تسوّل له نفسه الزواج من قاصر.

وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن الأسرة عليها دور كبير، لكن لو كل شاب لديه علم مسبق بأنه سيُحاكم بتهمة ارتكاب جريمة الزواج من طفلة لن تتكرر هذه الوقائع، أو على الأقل ستصل معدلاتها إلى مستوى منخفض، وهذا دور الجهة التشريعية لوقائع تستحق التدخل وإجراء تعديلات قانونية ترهب كل أطراف منظومة الزواج المبكر.

وما يلفت الانتباه، أن الكثير من حالات زواج القاصرات يكون أطرافها شباب في سن متقدمة، وقد يصل الفارق العمري بين الطرفين إلى 15 عاما، أيّ أن الزوج يدرك ماذا يفعل ويلجأ إلى حيلة الزواج العرفي لإثبات حسن نواياه وجديته في العلاقة، ما يجعل الطفلة تثق به وتمنحه جسدها، لكنها لا تدرك تبعاته مستقبلا على نفسها وأطفالها ونظرة المجتمع والأسرة إليها.

وتظل أزمة الحكومة المصرية في تعاملها مع زواج الصغيرات من منظور ضيق بأنه أحد مسببات الانفجار السكاني بزيادة معدلات الإنجاب مبكرا دون أن تتعاطى مع المشكلة بطريقة إنسانية وتصنفها على أنها تمثل انتهاكا لبراءة طفلة غير واعية ولا تدرك ماذا تفعل، وأي مصير سيء ينتظرها، ما يستدعي إعادة النظر في ثغرات عقوبات زواج القاصرات إذا أرادت القضاء عليه.

15