تباين في مواقف التونسيين حول حصيلة الرئيس بعد سنتين من إجراءات 25 يوليو

قيس سعيد يتصدر عمليات سبر الآراء رغم تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
الثلاثاء 2023/07/18
الرجل القادم من خارج المنظومة الحزبية يمارس العمل السياسي بأفكار مختلفة

تبدو آراء التونسيين مختلفة إزاء توجهات الرئيس قيس سعيّد بعد سنتين من فرض التدابير الاستثنائية التي عجلت بالقطع مع نظام شبه برلماني وأسست الجمهورية الثالثة، في المقابل طرحت تلك الإجراءات أسئلة حول السيناريوهات المنتظرة للبلاد وعما ستحمله المرحلة القادمة من خطوات مع تزايد الرهانات الإقليمية والدولية.

تونس - تباينت الآراء والمواقف في تونس بشأن تقييم الحصيلة السياسية والدبلوماسية  للرئيس قيس سعيد، بعد مرور سنتين على الإجراءات التي اتخذها في الخامس والعشرين من يوليو 2021، وأنهى من خلالها ما يعرف في تونس بعهد “العشرية السوداء”.

وبينما تذهب أطراف سياسية وحقوقية إلى كون الرئيس قيس سعيد قطع خطوات جدية نحو تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للتونسيين وواكب مختلف “الأزمات” عن قرب رغم العديد من المطبات والصعوبات، فإن البعض يرى أنه لم يقدم إنجازات تذكر، وانشغل بتقديم خطابات ومواقف للردّ على خصومه السياسيين، بدل الانكباب على فتح الملفات الحارقة والسعي لمعالجتها.

ويسعى سعيّد إلى استكمال مشروعه السياسي القائم على نظام رئاسي معزّز ووضع حد للنظام البرلماني الذي أقر إثر ثورة 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، ووضعت البلاد على طريق انتقال ديمقراطي كان الوحيد في المنطقة بعد ثورات “الربيع العربي”.

وتطلع التونسيون بعد إجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021، إلى ظهور مرحلة جديدة من الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي بعيدا عن “الانقسام” الذي كان يشهده الشارع، فضلا عن مشهد برلماني وسياسي مأزوم غذته المشاحنات والتجاذبات بين الأحزاب، أهمل مشاغلهم وهمومهم.

خليفة الشيباني: الرئيس فتح ملفات تتعلق بالأمن القومي لم تفتح في السابق
خليفة الشيباني: الرئيس فتح ملفات تتعلق بالأمن القومي لم تفتح في السابق

وتؤكد الأرقام والإحصائيات المنشورة بعد اتخاذ تلك الإجراءات، أن سعيد ما زال إلى حدّ الآن يتصدر عمليات سبر الآراء، بقطع النظر عن المنجز الاقتصادي والاجتماعي.

وأكد المحلل السياسي والخبير الأمني خليفة الشيباني أن “الرئيس سعيد أوقف نزيف الانتقال الديمقراطي المزيف في تونس نتيجة اقتسام غنيمة بين أحزاب سياسية”، لافتا إلى أن “مشروع الخامس والعشرين من يوليو ليس مشروع سعيد، وكان ملتزما بما قاله للشرفاء بعد إخفاقات نظام أعرج ظهر بعد 2011”.

وصرّح لـ”العرب” بأن “سعيد فكّك المنظومة السابقة وفتح ملفات تتعلق بالأمن القومي لم يتجرأ أحد على فتحها سابقا، وأسس لبرلمان جديد يقطع مع الممارسات الماضية، كما أقنع الاتحاد الأوروبي مؤخرا بتغيير المقاربة الأمنية في التصدي لظاهرة الهجرة غير النظامية، علاوة على تحسن الوضع الأمني وتراجع عدد العمليات الإرهابية بالبلاد”.

وأضاف خليفة الشيباني “هناك توجه اقتصادي جديد، ومن مهام الرئيس تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للتونسيين، لكن الاقتصاد ارتبط بعشرية دون استثمار، إلى جانب انعكاسات فايروس كورونا وتأثير الحرب الروسية – الأوكرانية على أسعار القمح في العالم، وزار في الفترة الأخيرة مناجم الفوسفات غرب البلاد، وهذا ما يعكس نوايا للإصلاح”.

ودعا الشيباني إلى “إنجاز ثورة داخل الإدارة التونسية، وما أنجز في سنتين قليل، لكن سعيد تقدم خطوات مهمة في عمله”.

وتكبد الاقتصاد التونسي خسائر فادحة بسبب تداعيات جائحة كورونا العالمية، وسط تفاقم الأزمة المالية وتردي الأوضاع المعيشية والاجتماعية، إثر فقدان المواد الاستهلاكية الأساسية وتزايد مستوى الأسعار في السوق.

ولم تكن تونس بمعزل عن ارتدادات الحرب الروسية – الأوكرانية التي جدّت في مارس 2022، حيث تستورد القمح من هاتين الدّولتين المتناحرتين. وأثرت هذه الحرب على تزوّد تونس بهذه المادّة الأساسية التي تُعتمد في الخبز ومختلف أنواع المعجّنات، حتى أصبح التونسي مهدّدا في قوت يومه. كما وجدت الدولة نفسها عاجزة عن ترحيل التونسيين العالقين في أوكرانيا إثر الغزو الروسي المفاجئ.

المنذر ثابت: سعيد نجح في القضاء على مراكز نفوذ كانت مؤثرة في المشهد
المنذر ثابت: سعيد نجح في القضاء على مراكز نفوذ كانت مؤثرة في المشهد

ورمت الأزمة الروسية – الأوكرانية بظلالها على تونس من خلال نقص التزوّد بالقمح والمواد الأساسية، ما تسبب في تفاقم مشاكل أخرى، على غرار فقدان الموادّ المدعّمة كمادّة السكر والحليب والزيت النباتي، إلى جانب فقدان عدد من الأدوية.

وأفاد المحلل السياسي المنذر ثابت بأنه “منطقيا، البلاد الآن بتصور سياسي جديد، وجمهورية ثالثة مثلها رئاسة الجمهورية، وهناك محاولات للخروج من وحل التجربة السابقة”.

وقال في تصريح لـ”العرب” إن “هناك مؤسسات غير مكتملة، وتصورا اقتصاديا لم يتضح بعد، ولا نزال ننتظر الفلسفة الاقتصادية للرئيس.. دبلوماسيا، ما زالت تونس تبحث عن تموقع في الخارطة الدولية، ولا نزال ننتظر الخطوط العريضة للتصور الذي يتبناه الرئيس”.

وأردف ثابت “لا بد أن يكون تحليل الأداء خارج منطق الإيجاب والسلب، ولا يمكن تقييم عمل سعيد الآن، وهو عارض صندوق النقد الدولي والإصلاحات الهيكلية، ومن المفترض أن تكون هذه المرحلة مرحلة التعافي الاقتصادي والمالي، لأنها جاءت بعد تداعيات جائحة كورونا وأثار الحرب الروسية – الأوكرانية”.

وأكد أن “سعيد يفتقد إلى تنظيم سياسي مهيكل وداعم، لكنه نجح في كسر مراكز قوى ونفوذ كانت مؤثرة في المشهد العام”.

ولئن عبرت وجوه سياسية عن استبشارها بإجراءات سعيد في الخامس والعشرين من يوليو بوضع حدّ لحالة من “الفوضى” كانت تربك المشهد السياسي والبرلماني، فإنها وصفت حصيلة الإنجازات في السنتين الأخيرتين بـ”المنعدمة”.

وترى تلك الأطراف أنه كان بالإمكان التعامل بطرق مغايرة مع الأزمات بأكثر واقعية ونجاعة لكسب الرهانات الاقتصادية والاجتماعية، لكنها في المقابل ثمنت ما عبرت عنه بـ”نظافة يد” الرئيس الذي حارب في عدة مناسبات ظاهرة الفساد التي تنخر هياكل الدولة ومؤسساتها.

وقال ناجي جلول، رئيس الائتلاف الوطني التونسي ووزير التربية السابق، إن “السياسة هي حصيلة وإنجاز، وهامش الحرية والديمقراطية التي اكتسبها التونسيون أصبحت نسبية اليوم”.

ناجي جلول: الأزمات الاقتصادية والاجتماعية متواصلة دون حلول إلى حد الآن
ناجي جلول: الأزمات الاقتصادية والاجتماعية متواصلة دون حلول إلى حد الآن

وأضاف لـ”العرب”، “استبشرنا بإجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021 لإنهاء نشاط برلمان تعيس، وكنا نعتقد أنها ستجمّع التونسيين، لكن اليوم المجتمع التونسي منقسم، وهناك أزمة اقتصادية ومالية خانقة، فضلا عن اتفاقيات مع أوروبا غير واضحة المضامين”، مستدركا “لكن يبدو أن هناك رضا على أداء الرئيس فقط بالمقارنة مع ما يسمى بالعشرية السوداء (فترة تمكّن حركة النهضة من السلطة بين 2011 وأواخر 2019)، وهو رجل عرف بنظافة اليد بعيدا عن ممارسات الفساد”.

وتابع ناجي جلول “رغم مفارقة عدم وجود إنجازات تذكر، فإن سعيد يتمتع برضا شعبي وليس له أي منافس، لكن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية متواصلة دون حلول إلى حد الآن ومنها الاحتكار والمضاربة وغلاء المعيشة الذي أرهق المواطنين وتردي مستوى الخدمات مثل الانقطاعات المتكررة للكهرباء والماء الصالح للشرب”.

واستطرد قائلا “ربما نجح سعيد في القطع مع حكومة المحاصصات الحزبية، لكن بصفر من الإنجازات”.

ونجح قيس سعيد في لفت نظر التونسيين ودفعهم إلى التصويت لفائدته بإعطاء الفرصة لشخص من خارج الأحزاب وخارج الفاعلين السياسيين المعروفين في البلاد.

وكان الرهان على أنه سيواصل مسار التوافق للبحث عن حلول لمشاكل تونس مع اعتبار المجهود الذي بذله جيل من الفاعلين السياسيين، ومن بينهم الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، في الاستمرار بنهج الانفتاح والتشجيع على الديمقراطية.

وإثر إجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021، تشكلت جبهة الخلاص الوطني التي تقودها حركة النهضة وبعض الوجوه السياسية البارزة على غرار أحمد نجيب الشابي، ووصفت تلك التدابير بـ”الانقلاب”.

وإزاء تفاقم المشاكل في الآونة الأخيرة، اختار الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) الاصطفاف ضدّ قيس سعيد في خياراته السياسية والاجتماعيّة، وأعلن القطيعة مع المسار الانتخابي والسياسي لسعيّد، مجدّدا القطيعة مع منظومة ما قبل الخامس والعشرين من يوليو.

 

• اقرأ أيضا:

          الاتّحاد الأوروبي يسعى لتوقيع اتفاق مع مصر والمغرب مثل تونس

4