"بيروت آرت فير".. صورة مُصغرة عن العالم المعاصر

استضاف المعرض الفني “بيروت آرت فير” هذا العام عروضا دولية من عشرين بلدا، لتقدم النسخة التاسعة منه على مدار أربعة أيام، تحديدا من 20 وحتى 23 سبتمبر الجاري، 52 صالة عرض بمشاركة 250 فنانا من مختلف أنحاء العالم.
بيروت – معرض “بيروت آرت فير” السنوي قبل، أو دون أن يكون ظاهرة فنية يعطي الصورة الفعلية عن التوجهات الفنية في المنطقة وفي العالم، هو تكريس وتذكير سنوي على أن الفن، أو ما صُنّف فنا وفق معايير كثيرة لا تتعلق كلها بالفن، يصعب عليه أن يصبح مرئيا على “وجه الدنيا” من دون أن يكون مدعوما مؤسساتيا و”مصرفيا”.
ربما ليس في ذلك أي ضرر إلاّ من ناحيتين؛ أولا من أن يتحوّل الفن إلى سلعة استهلاكية همها هو إرضاء أذواق خاصة على حساب النزعات الفنية المتبلورة في رحم شوارع بلدان المنطقة، وربما تعبير “شارع الفن” ليس بتعبير بوسعه أن يتوافق على ما يقدمه هذا المعرض ولا أي معرض من نوعه.
أما الضرر الثاني، فهو ألا يؤدي ذلك إلى عزل مواهب فنية أصلية وكثيرة لمجرد أنها لم تتمكن لأسباب مادية أو غيرها من أن تدخل “حلقة السيرك” الاستعراضية هذه.
حلقة سيرك مُصمم بشكل متاهات لديها مخارج عدة تنبعث منها صيحات لونية حادة أو نكهات مُعاصرة مُطعمة بسكر اصطناعي، ذكرنا فيه العديد من الأعمال المعروضة التي تجيش حاسة المذاق والرغبة في “الأكل” أو اللمس فالاقتناء فالاستهلاك من دون أي احتمال لاكتفاء ما يلوح في الأفق.
العديد من الأعمال المعروضة قد تصلح تسميتها بفن “الكوزميتيك”، من تلك الأعمال ما قدمته صالة “أرتويال غاليري” و”بيل إير فاين آرت” و”سكوير غاليري” و”سوث بوردر غاليري” و”فودارت غاليري” و”كورتيسي تويلف غيتس آرت”، وأيضا مجموعة الأشياء/التماثيل الهجينة التي عرضها في جناحه الخاص “بنك مد” حليف “بيروت آرت فير” التاريخي، وتبقى خارج هذه المعادلة “الكوزماتيكية/الفيتيشية” أعمال فنية عديدة قدمتها صالات فنية كصالة “أجيال” وصالة “مارك هاشم” وصالة “آرت لاب” وصالة “زاوية”.
واستضاف المعرض لمدة أربعة أيام صالات عرض دولية قادمة من فرنسا، إيطاليا، سويسرا، بلجيكا، ألمانيا، الولايات المتحدة الأميركية، المملكة المتحدة، فلسطين، أرمينيا، ساحل العاج، بيلاروسيا ومصر.
وشاركت في المعرض، وزارتا الثقافة والسياحة اللبنانيتان والمعهد الفرنسي اللبناني ومهرجانات بيت الدين الفنية الدولية وإدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية والمعهد العالي للأعمال.
وشُكل إلى جانب المعروضات الفنية برنامج لمن يُعتبرون “كبار الشخصيات” والمتموّلين، فشمل زيارات إلى ورش عمل الفنانين والمجموعات الخاصة والمتاحف في مختلف المناطق اللبنانية.
ومن ضمن النشاطات التي احتضنها المعرض خارج مساحته المحددة في منطقة بيال المجاورة للبحر، نذكر ما سُمي بـ”بيروت آرت ويك”، حيث تم عرض لوحات وتحف فنية في عدد من المتاجر الفاخرة في وسط المدينة، كما تضمّن عروضا سينمائية في الهواء الطلق في مواقع أثرية، ونظم هذا الشق من الحدث الفني بدعم من وزارة الثقافة ووزارة السياحة اللبنانيتين وبلدية بيروت وسوليدير والمتاجر المشاركة.
كما ضم نشاط “بيروت آرت فير” تنظيم سلسلة محادثات ومقابلات ومبادلات ومناقشات خلال المعرض، تمحورت حول الفنّ الحديث والمعاصر في المنطقة، نذكر منها مواضيع مثل فنّ التجميع، والتصوير الفوتوغرافي القديم أو تجميع التحف القديمة، وأسرار التعمّق بعالم التصوير الفوتوغرافي، وغيرها من المواضيع المتعلقة بالمنطقة.
وخصص العرض في دورته التاسعة حيزا مهما من مساحته للاحتفاء بالذكرى الـ25 لرحيل الفنان التشكيلي اللبناني/الأرمني بول غيراغوسيان، من خلال مجموعة أرشيفية فوتوغرافية وصحافيّة وتسجيلات صوتية وفيديو، تم تقديم معظمها للمرّة الأولى.
أما جناح “ما وراء الحدود”، فكان بمثابة معرض محوري حول التصوير الفوتوغرافي في لبنان، واختيرت الأعمال الفنية من المجموعات الخاصة والمؤسسات اللبنانية.
كما ضم جناح “الكشف عن المواهب” في دورته الثالثة، وبرعاية بنك SGBL، تقديم 18 فنانا اختارتهم صالات العرض التي تمثلهم، وقد صرح القيمون على هذا الجناح “فخورون أننا كنا الرائدين في اكتشاف ‘النجوم’ المستقبليين في تاريخ الفن في لبنان”.
وبعد مشاركته لأربع سنوات في معرض “بيروت آرت فير” السنوي استمر حضور بنك “بيبلوس” من خلال الجائزة التي يقدمها للتصوير الفوتوغرافي، وهي جائزة من أهم الجوائز للتصوير في لبنان.
وذكرت ندى طويل مديرة مديرية الإعلام في مجموعة بنك “بيبلوس” أن هذه الجائزة ساهمت بشكل كبير في تطوير سوق التصوير الفني وولادة اهتمام متزايد بالتصوير الفني الفوتوغرافي منذ 2012 من قبل الصالات والمعارض، وقد ساهم في شهرة العديد من المصورين اللبنانيين الصاعدين محليا وعالميا، كما ازدادت مساهمة فن التصوير الفوتوغرافي في تشكيل بيروت آرت فير كحدث فني بامتياز.
أما “متحف الفن الحديث والمعاصر” المعروف باسم “مقام” فقد واصل تعاونه مع “بيروت آرت فير” وقدم مجموعة من الكتب الفنية منها مراجع ليست متوفرة دائما في السوق، كما نظم القيمون على “مقام” لقاءات مع المؤلفين والفنانين والهواة وجلسات توقيع خلال أيام المعرض.
وربما كصدى لذلك الجو المعاصر المُغمس بالمال والسلطة الذي يستحيل للزائر العادي فهمه دون أن يكون مُلما بشؤون الاقتصاد العالمي والبورصة والمزادات الفنية، قدم “البنك العربي” بمناسبة مرور 75 سنة على تأسيسه في لبنان، جزءا من مجموعته الفنية في صالة كبار الشخصيات في المعرض، والتي أتاحت لهم الاسترخاء وتذوّق أروع إبداعات الشيف اللبنانية تارا خطار، وصرح المدير العام في لبنان أن “البنك العربي جمع على مدى
عقود مجموعة غنية من أعمال الفنانين اللبنانيين، يسرّ البنك المشاركة بها.. فالبنك أيضا فن!”.