بعد سقوط الأسد.. هل تشرق شمس إيران من جديد

وزير المخابرات السابق علي يونسي قال إنّ إيران أصبحت “مرة أخرى إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ؛ وبغداد هي عاصمة هذه الإمبراطورية ومركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا في الوقت الحالي، كما كانت في الماضي.” لا غرو أن هذه التصريحات تعتبر إشارة واضحة إلى محاولة إعادة الإمبراطورية الفارسية الساسانية من فترة ما قبل الإسلام، التي احتلت العراق وجعلت المدائن عاصمة لها.
في زمن بعيد، لم تتأخر إيران أبدا عن إظهار مدى قدرتها البراغماتية على الاستثمار في متغيرات المنطقة، سواء بالاستفادة من الدول الكبرى كالولايات المتحدة في العراق وروسيا في سوريا، أو عبر استخدامها ميليشياتها الطائفية لمشروعها التوسعي في المنطقة، مثل زينبيون وفاطميون أو من الموالين عقائديا لها كحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن.
هذا يتنافى مع ما قاله علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، بأن إيران ليس لديها أيّ جماعات أو قوات تعمل لصالحها في المنطقة. يبدو أن طهران سلكت طريقا آخر اليوم وهو النأي بنفسها حتى حين، بعدما كانت تهيمن على أربع عواصم عربية. بعد فقدانها سوريا، شعرت أن ثمة مخططا للنيل منها في المنطقة وتقزيمها لتبقى داخل حدودها. حتى داخل حدودها ستبقى في حالة من التوتر والترقب. المطلوب دوليا النيل من برنامجها النووي وعلى رأس المطالبين بذلك إسرائيل.
ربما يُقال: هل تتخلى طهران عن قلاعها التي بنتها على مدى عقود وتتركها بسهولة؟ طبعا ليس سهلا أن تتخلى طهران عن قواعدها في سوريا ولبنان والعراق في حال قامت الولايات المتحدة بتقزيم النفوذ الإيراني في العراق، لأن المشروع الإيراني في الجوار العربي ليس وليد اللحظة، وإنما هو مشروع قديم جديد وهو إحياء أمجاد الإمبراطورية الفارسية التي تبددت في فترة الحكم الراشدي. وبعد سيطرة الصفويين على إيران وما حولها، بدأت فكرة إحياء الإمبراطورية الفارسية تؤخذ على محمل الجد.
◄ أطماع إيران تبقى متواصلة ومستمرة في المنطقة، تجاه المحيط العربي، بينما العرب مازالوا يغطون في نوم عميق، ولم يستفيقوا من الرقاد
لقد قرأنا في أمهات الكتب حول التحالف البرتغالي الصفوي لمحاربة الدولة العثمانية، وخسرت الدولة الصفوية معركتها مع العثمانيين في معركة جالديران عام 1514، وكانت النتيجة تموضع الدولة الصفوية داخل إيران الحالية. منذ ذلك الوقت، وإيران تحاول أن تطل برأسها، ولكن الظروف الدولية لم تساعدها. رغم اختلاف أهداف روسيا وبريطانيا والولايات المتحدة وغيرها من الدول، إلا أنها اتفقت جميعا على إزاحة الدولة القاجارية. وبالفعل، قاد رضا بهلوي الانقلاب عام 1921 ونجح في سحب بساط السلطة من أسفل الأسرة القاجارية بعد مساعدة من القوى الداخلية والخارجية. التاريخ يعيد نفسه، حيث اتفقت تركيا والولايات المتحدة والغرب برمته ومن خلفه إسرائيل على تصفية إيران في المنطقة.
وحسب خبرتنا بإيران وسياستها التوسعية، ربما تلجأ إذا سقطت ورقة أذرعها في المنطقة بشكل كلي، إلى أن يكون هنالك اتفاق أميركي – إيراني (تقاسم وظيفي)، فوفق مسؤول إيراني كبير قدمت إيران للولايات المتحدة مساعدات في العراق وأفغانستان، وقد تتخلى عن برنامجها النووي – وهذا ليس أقصى طموحها – مقابل أن تكون لها سطوة في العمق العربي من أجل التمدد واحتلال أجزاء من الجوار كما احتلت الأهواز وطنب الصغرى والكبرى وأبو موسى. بمعنى أدق تتحالف طهران مع الشيطان من أجل أن تبقى وتحقق حلم الدولة الفارسية البائدة.
يبدو أن السوريين مقبلون في الأسابيع والأشهر القادمة على خلق واستحداث فوضى شاملة ومتنوعة من الأحداث المؤسفة المفتعلة والفتن الطائفية والقتل على الهوية. وقد قالها هنري كيسنجر إن سوريا مخزن التاريخ. لكنه ناقض نفسه عندما قال إن سوريا، بداية، ليست دولة تاريخية، لكنها خلقت في هيئتها الراهنة، سنة 1920، وأعطيت هذه الهيئة بغرض تسهيل سيطرة فرنسا على البلد. وكان ذلك قبل انتداب الأمم المتحدة، مشيرا إلى أن “الوحدة الوطنية السورية مصطنعة،” ولا “تقوم إلا على قبائل مختلفة ومجموعات إثنية.”
ما ليس واضحا اليوم كيف يكون الوضع في سوريا في قادم الأيام؟
ما زالت سماء سوريا ملبدة بالغيوم؛ وخصوصا بعد أحداث طرطوس الأخيرة التي جاءت بعد صور شباب يعتدون على مقام ديني للطائفة العلوية. ربما لا يكون هذا التحرك عفويا وإنما ثمة توجيه خارجي. صفوة القول، تبقى أطماع إيران متواصلة ومستمرة في المنطقة، تجاه المحيط العربي، بينما العرب مازالوا يغطون في نوم عميق، ولم يستفيقوا من الرقاد.