بأي آليات ستعالج الحكومة التونسية مشاكل التشغيل

قيس سعيد: أكبر التحديات فتح طرق جديدة أمام المعطلين عن العمل.
الثلاثاء 2024/10/22
شباب ينتظرون التوظيف منذ سنوات

على الرغم من تثمين خطوة الرئيس قيس سعيّد في تجرّئه على طرح ملف التشغيل الثقيل ومحاولة معالجته، على عكس الحكومات السابقة، فإن أوساطا سياسية وشعبية في البلاد تتساءل حول الآليات الممكنة لخلق فرص عمل لامتصاص البطالة، في ظلّ محدودية الموارد المالية وتواصل غلق باب التوظيف العمومي.

تونس - بعد تتويجه بولاية رئاسية ثانية، أكد الرئيس التونسي قيس سعيد أن رهان توفير فرص العمل من أهم التحديات التي تعترض السلطة في المرحلة القادمة، وسط دعوات إلى ضرورة إيجاد الحلول الكفيلة لذلك.

وطرح التوجّه الذي تتبناه السلطة في إطار القيام بدورها الاجتماعي، تساؤلات بشأن الآليات والطرق التي سيتمّ عبرها حلّ مشاكل البطالة، خصوصا وأن التشغيل ظلّ ملفا مسكوتا عنه بعد 2011 ولم تتجرأ الحكومات السابقة على فتحه.

وبدا واضحا أن السلطة أصبحت تدرك أكثر من أي وقت مضى أهمية التشغيل للفئات الشبابية التي لا تزال تنتظر فرص عمل قبل حتى ثورة يناير 2011، كما أن مطلب التشغيل القديم – الجديد كان من أهم مرتكزات تغيير النظام في تلك الفترة، لكن الحكومات اللاحقة تنكرت هي الأخرى لتلك المطالب بداعي صعوبة الأوضاع الاقتصادية وشحّ الموارد المالية.

وتقول أوساط سياسية إن نموذج الشركات الأهلية وملف الصلح الجزائي مع رجال الأعمال اللذين يتبناهما الرئيس سعيد في توجهه منذ ولايته الرئاسية الأولى، كفيلان بمعالجة معضلة البطالة، شريطة تفعيل تلك المقترحات تشريعيا وجهويا في مختلف مناطق البلاد.

وقال الرئيس التونسي، بعد أدائه اليمين الدستورية في جلسة عامة ممتازة انعقدت بقصر باردو أمام الغرفتين البرلمانيتين الاثنين، إن الشعب التونسي قرر مواصلة التحدي ورفع كل التحديات والتصدي لقوى الردة.

المنذر ثابت: هناك فراغات في سوق الشغل من ناحية الكفاءات
المنذر ثابت: هناك فراغات في سوق الشغل من ناحية الكفاءات

واعتبر سعيّد أن أكبر التحديات التي سيتم العمل عليها دون هوادة هو فتح طرق جديدة أمام المعطلين عن العمل وخاصة أمام الشباب، قائلا ”العاطلون عن العمل ليسوا من الشباب فقط وهم ضحايا عقود من الفساد والاختيارات الاقتصادية الفاشلة.. يجب التخلص من المفاهيم البائدة وحتى من المصطلحات التي عفّى عنها الزمن واستنباط حلول جديدة تخلق الثروة..”.

وأكد الرئيس التونسي أن ”قوى الردة حاولت تعطيل الشركات الأهلية التي كانت حلا في خلق مواطن شغل جديدة”، لافتا إلى أنه “أصبح بالإمكان اليوم استنباط حلول أخرى وعدم القبول بأنصاف الحلول والانطلاق بسرعة في ثورة تشريعية تجسم آمال الشعب التونسي”.

وتؤكد أرقام المعهد الوطني للإحصاء في تونس أن نسبة البطالة خلال الثلاثي الثاني للسنة الجارية بلغ 16 في المئة.

وتواجه مختلف الأنشطة الاقتصادية صعوبات كبيرة، فضلا عن عجز السلطات منذ أكثر من عشر سنوات عن توفير فرص العمل، بينما كان الشغل على رأس المطالب التي رفعتها ثورة يناير 2011.

وقال المحلل السياسي المنذر ثابت “هنالك تعهد من الرئيس سعيد بأن يعالج هذا الملف المزمن والمتخلّد بذمة الطبقات الحاكمة قبل 2011 وبعدها”، داعيا إلى “ضرورة تخصيص برنامج تقدمه الحكومة للرأي العام للنقاش، فضلا عن معالجة المشاكل بزوايا مختلفة”.

وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “هنالك عدم تطابق بين العرض والطلب، والمنظومة التربوية والجامعية لا تتماشى ومتطلبات سوق الشغل، كما توجد فراغات في سوق الشغل من ناحية الكفاءات والمهارات”.

وأضاف ثابت “المحرك الاقتصادي الأساسي للتشغيل هو الاستثمار في علاقة بتوفير فرص العمل والرئيس سعيد يعيد الدولة إلى دورها الاقتصادي والاجتماعي”، لافتا إلى أن “النقاش بين القطاعين العام والخاص ضروري”.

نبيل الرابحي: الخطة الإستراتيجية مرسومة، وعلى الدولة أن تفعلها
نبيل الرابحي: الخطة الإستراتيجية مرسومة، وعلى الدولة أن تفعلها

ويرى متابعون للشأن التونسي أن السياسات الحكومية المرتبكة والمتعاقبة في السنوات الأخيرة ألقت بظلالها على الواقع الاقتصادي والاجتماعي، حيث فشلت الحكومات السابقة في إرساء منوال تنموي واقتصادي ووضع إستراتيجيات لمعالجة الأزمات ومحاربة الفقر والبطالة.

كما أدت ظاهرة الانقطاع عن التعليم إلى تزايد نسبة العاطلين عن العمل في صفوف الشباب الذين لا تزيد أعمارهم عن 30 عاما في تونس.

وسبق أن كشفت دراسة أنجزها كل من مكتب الأمم المتحدة بتونس ومنظمة العمل الدولية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن أكثر من شاب من بين أربعة شباب في تونس غير متمدرسين وغير متابعين للتكوين المهني وغير ناشطين في سوق الشغل.

وكانت السلطات التونسية قد أغلقت باب التشغيل في الوظيفة العمومية والقطاع العام منذ سنة 2018.

وأفاد المحلل السياسي نبيل الرابحي بأن “الرئيس سعيد أكد أن الأرقام المقدمة بشأن نسبة النمو في تونس قبل 2011 خاطئة، ولو كانت الأرقام صحيحة لاستوعبت العاطلين في سوق الشغل، خصوصا وأن هناك قرابة 600 ألف عاطل عن العمل في 2011”.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “الرئيس قدّم الحل وهو نموذج الشركات الأهلية، لكن لم يتم تنفيذ ذلك جهويا كما ينبغي، وهي شركات ذات قدرة عالية على التشغيل، ولمّح إلى أن موضوع الصلح الجزائي مع رجال الأعمال مازال قائما”.

وأشار الرابحي إلى أن “اليوم الخطة الإستراتيجية مرسومة، فما على الدولة إلا أن تفعّل ذلك عبر تخصيص أموال الصلح الجزائي إلى البلديات والمناطق الأشد فقرا، فضلا عن ضرورة الجرأة في أخذ القرار بالنسبة للمسؤولين الجهويين وإيصال الفكرة إلى الشباب”.

ورافق نموذجَ الشركات الأهلية جدل واسع منذ فترة، في وقت تقول السلطات إن الشركة الأهلية تعد كل “شخص معنوي تحدثه مجموعة من أهالي الجهة”، ويكون الهدف من تأسيسها “تحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات عبر ممارسة جماعية لنشاط اقتصادي انطلاقا من المنطقة المستقرين بها”.

كما تهدف الشركات الأهلية إلى تحقيق التنمية الجهوية وأساسا بالمناطق الصغيرة وفقا للإرادة الجماعية للأهالي وتماشيا مع حاجيات مناطقهم وخصوصياتها، وتمارس الشركات الأهلية نشاطا اقتصاديا انطلاقا من الجهة الترابية المنتصبة بها.

ولا يزال التقدم في ملف استرجاع الأموال المنهوبة متعثرا، وهو الملف الذي يعتبر من بين أبرز الملفات التي تعهد سعيّد بتسويتها بعد اتخاذه للإجراءات الاستثنائية في الخامس والعشرين من يوليو 2021.

ويفرض قانون الصلح الجزائي على رجال الأعمال الموقوفين في قضايا فساد وجرائم مالية دفع الأموال المطالبين بإعادتها مقابل مغادرتهم السجون، كما يهدف إلى دفع مبالغ مالية أو إنجاز مشاريع وطنية أو جهوية أو محلية في المناطق الفقيرة.

4