اهتمام رئاسي بملف المدرسين المؤقتين في تونس يثير تفاؤلا بقرب حل الأزمة

توصلت وزيرة التربية التونسية بعد تنسيق مع الرئيس قيس سعيد، إلى تسوية ملف المدرسين المؤقتين، من خلال توظيفهم على دفعات وحسب اختلاف وضعياتهم، في خطوة يرى مراقبون أنها خلفت ارتياحا نسبيا في صفوف هؤلاء، وكرّست اهتماما مباشرا من السلطة بتسوية ملفاتهم.
تونس - أثار اهتمام الرئيس التونسي قيس سعيد بملف الأساتذة المؤقتين، ارتياحا كبيرا في مختلف الأوساط التربوية والشعبية، وذلك بعد إعلان وزارة التربية عن قرب صدور أمر منظم لتوظيف المتعاقدين من أساتذة ومعلمين نواب ومرشدين تطبيقيين وأعوان تأطير بالمؤسسات التربوية في البلاد.
وتقول أوساط تربوية، إنه منذ تقلّدها لمنصب وزيرة التربية، سعت سلوى العباسي لحلحلة ملف الأساتذة المؤقتين الشائك والذي ظل عالقا منذ أكثر من 6 سنوات، في إطار عقود العمل الهشة التي استخدمتها الحكومات المتعاقبة لإسكات الأصوات المحتجة.
ووصفت تلك الأوساط الخطوة بـ“الجريئة”، خصوصا في ظلّ شحّ المالية الذي تعاني منه البلاد واستنزاف الملف للخزينة العامة، فضلا عن كون أكثر من 97 في المئة من خزينة الوزارة تخصص للأجور.
ويعتبر الأساتذة المؤقتون إحدى الآليات التي تعتمدها وزارة التربية في تونس للتعويض المؤقت في سلك التعليم بالاعتماد على الخريجين الجامعيين، مع إبقائهم على لائحة الانتظار ما يمنحهم لاحقا الأولوية في التعيين عند تسجيل نقص في أعداد المدرسين.
وقال مالك العياري المنسق الوطني للأساتذة المؤقتين، إن “التعيين، يأتي في إطار أمر أو مرسوم رئاسي، يتنزل ضمن تفاعل الرئيس مع تحركهم الأخير يوم 30 يوليو الماضي”.
وأضاف في تصريح لجريدة “الصباح” المحلية أن “الوزيرة وبعد لقائها مع الرئيس قيس سعيد، تم الاتصال بتنسيقية الأساتذة المؤقتين وإبلاغها أن وضعيتهم سيتم تسويتها في شكل دفعات، كما سيتم تحديد عدد المعنيين بكل دفعة طبقا لحجم الاعتمادات المرصودة، على أن يتم تقسيم الأساتذة المؤقتين من 2008 إلى غاية 2024، مبدئيا من دفعة إلى ثلاث دفعات، والقطع مع سنوات التهميش والتشغيل الهش”.
وأوضح مالك العياري أن ” الرئيس سعيد أكد على ضرورة مراجعة معايير التوظيف، تجاوبا مع ملاحظة التنسيقية أنها معايير قاسية، على أن يكون المعيار الأساسي هو الفترة والعمر وأول سنة لسد الشغور أي الأقدمية”، لافتا أن “التنسيقية الوطنية للأساتذة المؤقتين، ستكون حاضرة الاثنين أمام وزارة التربية، تفاعلا مع موقف الرئيس أولا، ثم إعلان وزارة التربية الداعي للاحتفال أمام مقر وزارة التربية بباب بنات”.
وتابع العياري أن “تجمع الأساتذة المؤقتين سينطلق عشية الاثنين، من أمام الوزارة باتجاه شارع الحبيب بورقيبة، في حركة رمزية ومن أجل التأكيد على إصلاح تربوي حقيقي”.
ويأتي إعلان وزارة التربية عن صدور الأمر الذي سينظم عمليات توظيف جميع المتعاقدين ساعات قليلة بعد لقاء الرئيس قيس سعيد بوزيرة التربية سلوى العباسي، الجمعة.
ويعتبر المعلمون المؤقتون أن العقود التي تربطهم بوزارة التربية هشة ولا تفضي إلى التوظيف. وكثيرا ما دعوا إلى تسوية الوضعيات عبر التوظيف المباشر والجلوس إلى طاولة الحوار لإيجاد الحلول وتنزيل الاتّفاق المطلوب بالرائد الرسمي حتّى يكون ملزما للجميع.
وكانت الوزارة قد أبرمت مع وزارة المالية في 23 مايو 2020، اتفاقية تنصّ على أن تتم تسوية الوضعية المهنية للأساتذة المؤقتين تدريجيا على4 دفعات، وتتمثل هذه التسوية في التوظيف الرسمي بعد سنوات من التعاقد، عبر الزيادة في الأجور والتمتع بالضمان الاجتماعي والعطل المدفوعة الأجر، وذلك ابتداء من السنة الدراسية 2020-2021 وصولا إلى السنة الدراسية 2023- 2024.
وتشمل الاتفاقية الأساتذة المؤقتين المسجلين في قاعدة البيانات الخاصة بالوزارة المذكورة، على أن يتم توظيف حوالي 1000 أستاذ نائب في كل دفعة.
غير أنه، مع انطلاقة السنة الدراسية 2023-2024 لم تلتزم وزارة التربية بتسوية وضعية الدفعة الرابعة من الأساتذة وفق ما نصت عليه الاتفاقية، لتبرم لاحقا في شهر مايو 2023، وزارة التربية ووزارة الشؤون الاجتماعية والجامعة العامة للتعليم الثانوي، اتفاقية ثانية تنص على التزام الوزارة بالتعاون مع الجامعة لتكوين لجان فنية لتدارك كيفية تسوية وضعية الأساتذة المؤقتين لكن الوزارة أخلت بها، ليواصل بعدها الأساتذة المؤقتون احتجاجاتهم للتنديد بتواصل تهميش حقوقهم.
وأفاد المتخصص في علم النفس التربوي، أن “حلحلة ملف الأساتذة المؤقتون هو وعد من الوزيرة، ومن الجيّد أن تتم معالجته أو معالجة جزء منه، نظرا لأن الأزمة قائمة منذ قرابة العشر سنوات”.
وأضاف لـ”العرب”، “هناك الكثير من الشجاعة والعزم على حلّ الملف، وهي خطوة إلى الأمام”، لافتا أن عدد الأساتذة المؤقتين في حدود 4300 أستاذ، وهذا الإجراء هو ردّ اعتبار للأساتذة، خصوصا وأنهم يشتغلون منذ 7 أو 8 سنوات كمعوضينّ، وآن الأوان لتسوية وضعيتهم”.
وتابع الشويخي “السياسة المتخذة من قبل السلطة الآن هي ترسيم هؤلاء وغيرهم في مختلف الأسلاك، مع التخلي على منظومة المناولة”.
وتُجسّد وضعية المدرسين المعوضين خيارات التشغيل الهشة التي اعتمدتها حكومات ما بعد 2011، من أجل شراء سلم اجتماعي وإسكات أصوات قد تحتج ضدّ السلطة، فوجد الآلاف من المدرّسين أنفسهم في وضعية تهميش وبعيدة عن مقاييس التوظيف في القطاع العمومي.
وتنص اتفاقية الثامن من مايو 2018 الخاصة بالمعلمين المؤقتين والممضاة بين وزارة التربية والجامعة العامة للتعليم الأساسي، والتي صدرت بالرائد الرسمي في يناير 2019، على تمتيع المعلمين المؤقتين بالعديد من الحقوق، خاصة الانطلاق في توظيفهم ابتداء من 2022 على دفعات وبأجر شهري قار قدره 750 دينارا (237.99 دولارا)، بالإضافة إلى تمتعهم بالتغطية الاجتماعية والصحية.
وقال المحلل السياسي نبيل الرابحي إن “المعادلة اليوم صعبة بين التشغيل في الوظيفة العمومية والتشغيل الهشّ باعتبار ضغط الميزانية (أكثر من 650 ألف موظف في الوظيفة العمومية)، وكان من ضمن الإملاءات السابقة لصندوق النقد الدولي.. التقليص من كتلة الأجور”.
وأكد في تصريح لـ”العرب”، أن “سياسة الدولة التونسية اليوم اجتماعية – اقتصادية بالأساس، والرئيس أولى اهتماما خاصا بملفات التشغيل الهش على غرار المناولة وعمال الحضائر والآن ملف المدرسين المؤقتين”.
ولا تزال تونس تعاني من تركة ملف التشغيل الهش، والتي تتعلق بالمعلمين والأساتذة المؤقتين، فضلا عن ملف عمال الحضائر وعدد من الآليات (الآلية 16 وآلية البيئة والبستنة)، وهي حلول اعتمدتها سلطات ما بعد 2011 في ظل تزايد المطلبية على الشغل.