انهيار تام للجيش السوداني بمقر القيادة العامة والبرهان يختبئ داخله

قوات الدعم السريع تعلن استسلام 130 فردا مما وصفتهم بـ"قوات الإسلاميين" بعد إحكام سيطرتها على مقر القيادة العامة للقوات المسلحة.
الاثنين 2023/05/08
الانتصارات الميدانية والسياسية تمنح الدعم السريع رفع سقف التفاوض

الخرطوم – أعلنت قوات الدعم السريع السودانية، اليوم الاثنين، أن 130 فردا مما وصفتهم بـ"قوات الإسلاميين" قد سلموا أنفسهم إليها، بعد إحكام سيطرتها على مقر القيادة العامة للقوات المسلحة المنهار تماما، في مؤشر على أن التفكك الذي ضرب جيش الفريق الأول عبدالفتاح البرهان منذ بداية النزاع في منصف أبريل الماضي ما زال يتواصل ويتسع، وهو ما من شأنه أن يبدد آماله برفع سقف التفاوض خلال المحادثات التي تجري حاليا بمدينة جدة السعودية.

وقالت الدعم السريع في بيان لها "بعد الحصار المحكم الذي فرضته قوات الدعم السريع على قيادات القوات المسلحة الانقلابيين وفلول النظام البائد وقطع جميع خطوط الإمداد آخرها سلاح الإشارة قام 130 فرد من قوات الانقلابيين الموجودين داخل القيادة العامة بقيادة رتبة لواء ورتب أخرى بتسليم أنفسهم إلى قوات الدعم السريع".

وأضاف البيان "أقر جميع الذين سلموا أنفسهم بحدوث انهيار تام للقوات الموجودة بالقيادة العامة وأن جميعهم يبحثون عن مخرج آمن مشيرين الى ارتكاب الانقلابيين فظائع بتنفيذ تصفيات جسدية لكل من يحاول الهرب من جحيم الحصار وتكبيل أعداد كبيرة بالسلاسل".

وترجح معلومات من داخل الخرطوم أن يكون البرهان موجودا داخل مقر القيادة العامة المحاصر، في الوقت الذي لا يزال قائد قوات الدعم السريع عند وعده بملاحقته وتسليمه إلى العدالة.

وتشكل هذه التطورات منعطفا جديدا في الحرب القائمة بين القوتين العسكريتين الكبيرتين، حيث تعكس الانتصارات التي باتت تحققها قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي على الجبهتين الميدانية والسياسية إلى جانب اللحمة التي تربطها، في المقابل تزايد أزمة الجيش الذي يواجه تفككا مستمرا مع عجزه عن كسب التأييد داخليا وإقليميا ودوليا.    

ويمثل فشل الجيش في استقطاب قوى لرؤيته، في الداخل والخارج، ودعم موقفه العام من قوات الدعم السريع إخفاقا سياسيا كبيرا، سوف يعرضه للمزيد من الأزمات عندما يتوقف ضجيج المدافع، وحتى بعض القوى الإقليمية التي كان يعّول عليها البرهان في الوقوف إلى جانيه، مثل مصر، بدأت تتخلى عن تجاهل حميدتي في المعادلة لضمان وقف إطلاق النار.

وتمنح الإنجازات الميدانية والسياسية قوات الدعم السريع رفع سقف التفاوض في محادثات جدة لوقف إطلاق النار، في المقابل تضعف موقف ممثلي البرهان.

ولم تحرز مفاوضات وقف إطلاق النار بين الطرفين المتحاربين في السودان والمنعقدة في السعودية "تقدما كبيرا"، على ما أفاد دبلوماسي سعودي لوكالة الصحافة الفرنسية الإثنين.

وأرسل قائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" ممثلين عنهما لمدينة جدة السبت لعقد مباحثات وصفتها واشنطن والرياض بـ"المحادثات الأولية".

وأفاد دبلوماسي سعودي فرانس برس أنّ "المفاوضات لم تحرز تقدما كبيرا حتى الآن". وتابع أنّ "وقفا دائما لإطلاق النار ليس مطروحا على الطاولة. كل جانب يعتقد أنه قادر على حسم المعركة".

وكان الجيش السوداني ذكر في وقت سابق أنّ وفده إلى المفاوضات "لن يتحدث سوى عن الهدنة وكيفية تنفيذها بالشكل المناسب لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية".

ولم يقدم المسؤولون السودانيون والسعوديون سوى معلومات قليلة عن جدول المباحثات أو مدتها.

وكانت وزارة الخارجية السعودية قد أعلنت في بيان مساء الأحد

وأعلنت وزارة الخارجية السعودية في بيان، مساء الأحد، استمرار المحادثات التي تستضيفها بجدة، بين ممثلي الجيش السوداني، وقوات "الدعم السريع"، "أياما"، للوصول إلى "وقف فعال لوقف إطلاق النار" حتى يمكن إيصال المعونات الإنسانية لمن هم في حاجة لها.

ووفق البيان، "حثت السعودية والولايات المتحدة الطرفين على الانخراط في المحادثات بهدف تحقيق وقف فعال قصير المدى لإطلاق النار والعمل على تسهيل وصول المساعدات الإنسانية الطارئة ووضع جدول زمني لمفاوضات موسعة للوصول لوقف دائم للأعمال العدائية".

وأعرب الطرفان وفق البيان عن "تحملهم مسؤولية رفع المعاناة عن الشعب بما يتضمن الوصول لاتفاق على الإجراءات الأمنية لتيسير وصول المساعدات الإنسانية العاجلة واستعادة الخدمات الضرورية لمن هم في حاجة لها".

وأوضحت الخارجية السعودية، أيضا أن "الطرفين شرعا في مراجعة إعلان الالتزام بحماية المدنيين واحترام العمل الإنساني في السودان ومناقشة الإجراءات الأمنية التي عليهما اتخاذها من أجل تسهيل وصول المساعدات".

وحثت السعودية الطرفين على "احترام وقف إطلاق النار القائم حاليا والامتناع عن أي أعمال استفزازية على الأرض للحفاظ على مناخ إيجابي للمحادثات التمهيدية الحالية".

والأحد، وصل مفوّض الأمم المتّحدة للشؤون الانسانية مارتن غريفيث إلى جدة بهدف لقاء ممثلي طرفي النزاع، إلا أنّ دوره في المفاوضات غير واضح حتى الآن.

وقالت متحدثة باسم غريفيث الأحد إنّه يسعى لبحث القضايا الإنسانية المتعلقة بالسودان.

وأفاد مسؤول ثان في الأمم المتحدة الإثنين أنّ غريفيث "طلب الانضمام للمفاوضات"، مشيرا إلى أنه لم تتم الموافقة على طلبه بعد.

في سياق التطورات الميدانية، أفاد شهود عيان بتحليق الطيران الحربي في سماء الخرطوم، وسط استمرار المواجهات المسلحة بعدة مناطق في مدينة أمدرمان، الواقعة غربي العاصمة.

ووفي وقت سابق الأحد، حذرت قوات الدعم السريع في بيان من أن من وصفتهم بالانقلابيين (قادة في الجيش السوداني بينهم عبدالفتاح البرهان) و"عناصر النظام البائد المتطرفة الإرهابية تدعو قيادات الانقلاب وبشكل مباشر إلى التحول لسياسة الأرض المحروقة بتنفيذ إبادة جماعية ضد الشعب السوداني بقصف جميع مدن ولاية الخرطوم بالطيران والمدافع بما في ذلك المواقع التي يتواجد فيها محتجزي القوات المسلحة لدى قواتنا".

وقالت قوات الدعم في بيانها "إن جرائم الإبادة الجماعية وانتهاك حقوق الإنسان هو سلوك درج عليه الانقلابيين وفلول النظام البائد الذين مارسوا خلال ثلاثين عاما أبشع أنواع الانتهاكات ضد شعبنا وخير دليل أن عدد قيادات نظامهم القمعي مطلوبون لدى المحكمة الجنائية الدولية".

وأكدت أن انتصارات قواتها المتتالية أربكت الانقلابيين وأعوانهم من النظام البائد والدواعش وأصابتهم بإحباط كبير لإدراكهم أن ساعة زوالهم وإلى الأبد قد حانت، لذلك يسعون وبشتى السبل الى استعادة ملكهم حتى ولو على جماجم ودماء شعبنا العظيم.

ولفتت كذلك لاستمرار ما وصفتها بـ"حملة الأكاذيب والتضليل المفضوحة باتهامهم لعناصر من لجان المقاومة وغيرهم من شرفاء شعبنا بمساندة الدعم السريع بعدما انكشفت ادعاءاتهم البائسة باستعانة قواتنا بمقاتلين من دول الجوار وربما نشهد غداً تسمية مساندين من جهات جديدة من نسج خيالهم المريض".

وهذه ليست المرة الأولى التي يقوّض فيها الجيش السوداني الهدنة، فعلى الرغم من صدور أكثر من إعلان لوقف إطلاق النار، لم تظهر في الأفق أي بوادر لإنهاء القتال، فالجيش الذي لم يحقق أي انتصار على قوات الدعم السريع منذ بداية الصراع، ويريد إحراز تقدم ميداني كي لا يكون سقف التفاوض مرتفعا لدى قوات الدعم السريع. 

وأسفرت المعارك المستمرة منذ 23 يوما عن سقوط مئات القتلى، ما دفع المجتمع الدولي للتحذير من أزمة إنسانية "كارثية". وأدى اندلاع النزاع إلى نزوح مئات آلاف الأشخاص في الداخل ونحو دول مجاورة.

ولعبت السعودية دورا مركزيا في عمليات الإجلاء من السودان وأرسلت بوارج حربية وسفنا تجارية لنقل آلاف المدنيين من مرفأ بورت سودان عبر البحر الأحمر إلى جدة.

والأحد، أفادت وكالة الانباء السعودية الرسمية أن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان وجها مركز الملك سلمان للإغاثة "بتقديم مساعدات إنسانية متنوعة بقيمة 100 مليون دولار أميركي"، مشيرة الى أنها ستستخدم لتوفير مساعدات إغاثية وانسانية وطبية للنازحين.

وسيتم أيضا تنظيم حملة شعبية "لتخفيف آثار الأوضاع التي يمر بها الشعب السوداني حاليا"، وفقا للوكالة.

وفي لقاء مساء الأحد، شكر مستشار الأمن القومي الأميركي جايك ساليفان ولي العهد السعودي على "الدعم الذي قدمته السعودية للمواطنين الأميركيين خلال عملية الإجلاء من السودان"، على ما ذكر البيت الأبيض في بيان.

ويأمل الوسطاء الدوليون والإقليميون أن تمهد تلك المشاورات في خطوة لاحقة إلى إطلاق عملية سياسية بين الأطراف السودانية.

وفي هذا السياق، أعرب وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، عن أمله بأن يقود الحوار بين الجيش السوداني والدعم السريع إلى "إنهاء الصراع وانطلاق العملية السياسية" وعودة الأمن والاستقرار إلى السودان.

وقال عبر حسابه على تويتر، مساء الأحد، إن السودان يمر بأزمة غير مسبوقة، وإن خيار المملكة هو الوقوف إلى جانبه.

ورحبت الآلية الثلاثية الدولية التي تضم الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي و"الهيئة الحكومية للتنمية" (ايغاد) في بيان بهذا التطور السياسي. وعبرت عن أملها في أن "تسفر المحادثات التقنية بين ممثلي الطرفين في جدة عن تفاهمات تؤدي إلى وقف شامل لإطلاق النار"، مؤكدة أن ذلك "يتيح تقديم مساعدات إنسانية عاجلة للمدنيين الذين يجب أن تظل حمايتهم مسألة ذات أهمية قصوى".

بدوره، أكد الأمين العام للجامعة العربية خلال اجتماع طارئ الأحد لوزراء الخارجية العرب في القاهرة أن المفاوضات بين طرفي النزاع "تستحق الدعم، مكرراً مناشدته التمسك بهذه الفرصة".

كما حذّر من أن يتحول القتال الحالي إلى "جولة أولى في حرب تقسم السودان إلى أقاليم متناحرة، وتجعل منه ساحة لمعارك تهدد وجوده".