انفلات أسعار السجائر يثير سخط المدخنين ضد الحكومة المصرية

الحكومة لا يعنيها تدهور مزاج المصريين من عدمه، وتدرك جيدا أنها مهما بالغت في ترفيع أسعار السجائر لن يتوقف الناس عن شرائها.
الخميس 2023/06/22
الحكومة لم تترك للمدخنين بدائل للتنفيس عن همومهم

القاهرة – تجاوزت تصرفات الحكومة المصرية الخط الأحمر لدى المدخنين عندما تراخت في عملية ضبط أسعار التبغ والسجائر بأنواعها المختلفة التي قفزت إلى مستويات قياسية، فاقت قدرة أصحاب المزاج على شرائها.

وتبرأت الحكومة من تدخلها في زيادة أسعار السجائر المحلية أو الأجنبية، وراجت معلومات تفيد بأن الأزمة مصدرها “جشع التجار والموزعين”، وهي نبرة لا يستهويها أصحاب المزاج، ولا يعيرونها اهتماما، ما جلب سخطا واسعا ضد الحكومة.

وباتت رحلة “الكِيف” عند الكثير من المواطنين محاطة بالغلاء من كل الاتجاهات، حيث جنون أسعار الشاي والسكر والقهوة والسجائر والمعسل، ما زاد معاناة أصحاب المزاج وقيامهم بتصويب سهام الغضب تجاه الحكومة بعيدا عن أي دوائر أخرى قد تكون أسهمت في الطفرة الكبيرة في أسعار هذه المواد.

وأكثر ما يثير امتعاض رجب محمود، وهو سائق تاكسي، أن الحكومة لم تترك للمدخنين بدائل للتنفيس عن همومهم وحاصرتهم بأعباء جعلتهم على حافة الانفجار، ولم يعد هناك نوع واحد من السجائر إلا وضربه الغلاء.

الحكومة تتعامل مع التبغ بمنطق أنه القطاع الوحيد الذي مهما ارتفعت أسعاره لن يتخلى عنه الناس أو يتركوه

وكان رجب الذي تحدث مع “العرب” يداوم على شراء أحد أنواع السجائر المستوردة، ذات السعر المعقول، لكن أصابها جنون الغلاء، فاتجه مضطرا إلى نوع شعبي وما لبث أن وجد سعره يقترب من الأجنبي، وقد عقّب على ذلك بقوله “سعر أقل علبة حاليا لا يقل عن 40 جنيها (نحو دولار واحد)، لماذا تصر الحكومة على تعكير مزاج الناس”.

وقد لا يهتم المدخنون في مصر من الفئات الشبابية بزيادة أسعار السلع والخدمات بقدر ما تعنيهم سيطرة الحكومة على سعر السجائر التي تمثل لهم أهمية تقترب من قدسية رغيف الخبز (العيش)، أي أنها عند أصحاب الكِيف ترتقي إلى باب المحرمات.

وهناك فئة غير قليلة من أصحاب الكِيف تفكر جديا في الإقلاع عن التدخين رغما عنها، لتوفير ما يتم إنفاقه على السجائر والشيشة وتوجيهه إلى متطلبات لها أولوية، لكن المعضلة أن هذه الفئة تفعل ذلك تحت دافع العجز وقلة الحيلة وليس بإرادتها الشخصية.

وقال الشاب أحمد مجدي، وهو رب أسرة حديث الزواج، إن أكثر ما يثير سخط المدخنين ضد الحكومة، أنها تعاملهم بطريقة تثير الحسرة وكأنها تغرر بمزاجهم وتجبرهم على الإقلاع عن التدخين أمام الغلاء دون أن تتدخل للحفاظ على “مزاج الناس دون تعكير”.

ولا ينفي مجدي في حديثه لـ”العرب” أنه اضطر إلى عدم شراء السجائر تحت ضغط الفقر، وكثرة تشكّي زوجته من دفع مبالغ طائلة مقابل التدخين، في حين أن البيت يكاد يكون خاليا من الطعام، مع أنه لا يستطيع الإقلاع عن التدخين بسهولة، وهذا موقف لن ينساه للحكومة.

واعتادت شريحة كبيرة من المصريين أصحاب الكِيف أن تتجه إلى تدخين الشيشة في المقاهي عندما ترتفع أسعار السجائر، المهم لا يمر اليوم دون تحسين مزاجها بتنفيس الدخان في الهواء، وتخفيف عناء الهموم اليومية، لكن الغلاء ضرب كل أسعار الكِيف.

عع

وتدرك الحكومة أن الإنفاق على منتجات المزاج يتصدر أولويات بعض الأفراد ولو قاطعوا منتجات حيوية مثل البيض واللحوم والأسماك، لكنها لم تتدخل لتحسين صورتها وفرض هيمنتها على سوق التبغ لتقنع المدخنين بأن ما يحدث بعيد عنها.

وتحولت أزمة انفلات أسعار السجائر والتبغ إلى قضية رأي عام في الفضاء العام وفي المقاهي ووسائل النقل والمواصلات، لتأخذ الحيز الأكبر من اهتمام المصريين، فلم يعد المعنيون بمزاجهم يسألون عن سعر السلع الإستراتيجية بقدر ما ينشغلون بالتساؤل الأهم: بكم تباع علبة السجائر الآن؟

ورغم أن الأب محروس رزق، الذي خرج على المعاش قبل أشهر، كان من مؤيدي الحكومة في برنامجها التنموي وشديد الدفاع عن سياساتها، فإنه انقلب عليها بعدما أصبحت كلفة السجائر التي يدخنها شهريا تقترب من قيمة المعاش الذي يتقاضاه.

وقال لـ”العرب”: “حتى وإن لم يتبق من المعاش سوى بعض الفتات لن أتوقف عن التدخين، فالسيجارة الشيء الوحيد الذي أتفاعل معه وقت همومي، وبدلا من أن أنفجر غضبا أقوم بإشعالها، واليوم أضطر إلى تخفيض السجائر التي أدخنها يوميا من علبتين إلى واحدة، وهذا قهر وذل”.

الحكومة تتعامل مع التدخين بمنظور اقتصادي، فالتبغ بمختلف منتجاته يمثل ركيزة في الاقتصاد القومي، ويأتي في مرتبة متقدمة من حيث العائد المالي ممثلا في الضرائب

وأمام تصاعد غضب أصحاب المزاج ضد الشركات المنتجة للسجائر، اضطرت إلى الدفاع عن نفسها مؤكدة أنها لم تزدْ الأسعار أو تقم بخفض الإنتاج، والأزمة سببها جشع التجار والموزعين، إذ يتعمدون تعطيش السوق انتظارا لزيادة مرتقبة في الأسعار.

وكانت آخر زيادة رسمية في أسعار السجائر خلال مارس الماضي، ولم تتجاوز الزيادة جنيهين للعلبة الواحدة، وفي الأيام الماضية تضاعف السعر تقريبا، والكثير من الأنواع الشعبية التي يستخدمها البسطاء والعمال غير موجودة في الأسواق.

ورأى سعيد صادق أستاذ الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية في القاهرة أن الحكومة لا يعنيها تدهور مزاج المصريين من عدمه، فالمهم أن تجمع أكبر قدر ممكن من المتحصلات المالية، وتدرك جيدا أنها مهما بالغت في ترفيع أسعار السجائر لن يتوقف الناس عن شرائها.

وتتعامل الحكومة مع التدخين بمنظور اقتصادي، فالتبغ بمختلف منتجاته يمثل ركيزة في الاقتصاد القومي، ويأتي في مرتبة متقدمة من حيث العائد المالي ممثلا في الضرائب.

وأضاف صادق لـ”العرب” أن “الحكومة تتعامل مع التبغ بمنطق أنه القطاع الوحيد الذي مهما زادت أسعاره لن يغضب الشارع، لأن الأغلبية لا تريد تدخينا، وترحب بأي إجراء يخص زيادة أسعار السجائر ولا تكترث بغضب أصحاب المزاج لأنها مؤيّدة من غير المدخنين”.

ولفت إلى أن هناك اطمئنانا على أنه مهما زادت أسعار السجائر لن يحتج الناس، وثمة دعم لوصول سعر علبة السجائر وضرائبها إلى مستويات قياسية لإجبار المدخنين على الإقلاع أو لتوجيه المخصصات المالية إلى قطاعات خدمية أخرى مثل التعليم والصحة.

ويبلغ متوسط نصيب الأسرة من الإنفاق السنوي على التدخين في مصر قرابة 90 دولارا، وأمام شح المنتج في الأسواق وزيادة السعر يظل الرقم مرشحا للزيادة، خاصة أن الحكومة تستهدف تحصيل ضرائب من التبغ والسجائر بقيمة 2.7 مليار دولار خلال السنة المالية الحالية لسد عجز الموازنة.

1