انفصال ما بعد الانفصال.. هل يحفظ جونسون وحدة المملكة

رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي يرفض أن ينفرط عقد المملكة في عهده يجدد معارضته لإجراء استفتاء على استقلال اسكتلندا.
الاثنين 2021/01/04
بريكست يوقظ النزعات الانفصالية 

دخلت بريطانيا في الأول من يناير مرحلة جديدة بعد إنجاز خروجها الكامل من الاتحاد الأوروبي دون أن تظهر عراقيل بشكل فوري، لكن ذلك وضع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أمام تحدي المحافظة على وحدة المملكة المتحدة إذ أن اسكتلندا التي صوتت ضد الخروج من الاتحاد الأوروبي تحلم بالاستقلال.

لندن- شكّل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) محركا لإعادة الزخم لقضية الاستقلال في اسكتلندا، والتي بدا أنها انتهت مع فشل استفتاء تقرير المصير في العام 2014، ما يضع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أمام تحدي الحفاظ على وحدة المملكة المتحدة.

وينبغي على جونسون طي صفحة فصل عاصف قاده إلى أعلى منصب سياسي في البلاد لكنه أدى إلى انقسامات في صفوف البريطانيين وأدى إلى تصدع وحدة البلاد، إذ أنّ إيرلندا الشمالية واسكتلندا صوتّتا ضد الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتحلمان بالاستقلال.

وأعاد رئيس الوزراء البريطاني، الأحد، تأكيد معارضته لإجراء استفتاء على استقلال اسكتلندا قائلا إنه يجب ألا يجرى إلا بعد مرور جيل كامل، فيما جددت زعيمة اسكتلندا نيكولا ستورجون الدعوات لإجراء تصويت جديد عقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وقال جونسون خلال مداخلة في برنامج “أندرو مار شو” الذي يبث على شبكة “بي.بي.سي”، “الاستفتاءات، من خلال تجربتي وخبرتي المباشرة، في هذا البلد، ليست أحداثا ممتعة”. وأضاف “لا توجد قوة توحيدية ملحوظة في المزاج الوطني. هذا يحصل مرة في الجيل”.

نيكولا ستورجون: لم نرغب في مغادرة الاتحاد الأوروبي، نأمل في العودة من جديد
نيكولا ستورجون: لم نرغب في مغادرة الاتحاد الأوروبي، نأمل في العودة من جديد

وصوّتت اسكتلندا للبقاء جزءا من المملكة المتحدة في استفتاء أجري عام 2014، حيث وصفته زعيمة الحزب الوطني الاسكتلندي في ذلك الوقت بأنه تصويت واحد كل جيل، لكنها تقول الآن إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وهو أمر عارضته غالبية الاسكتلنديين، غيّر اللعبة.

وأظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة دعما ثابتا للاستقلال، مدعوما بالخلافات بين لندن والحكومات المفوضة حول التعامل مع فايروس كورونا، حيث حظيت الإدارة المتينة لرئيسة الوزراء المحلية من الحزب الوطني الاسكتلندي المؤيد للاستقلال لأزمة الوباء بالثناء، مقابل إدارة جونسون التي اعتبرت فوضوية، ما عزز الرغبة في الانفصال عن المملكة.

وكتبت ستورجون على الموقع الإلكتروني لحزبها السبت “لوقت طويل، أخذت الحكومات البريطانية المتعاقبة اسكتلندا في الاتجاه الخاطئ وبلغت ذروتها بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. فلا عجب أن الكثير من الناس في اسكتلندا ضاقوا ذرعا”. وقالت “لم نرغب في المغادرة (الاتحاد الاوروبي) ونأمل في أن ننضم إليكم من جديد قريبا كشريك على قدم المساواة”.

وقانونيا لا تمتلك حكومة اسكتلندا الحق في تنظيم استفتاء على الانفصال دون موافقة الحكومة البريطانية. وتتمثل أكبر مشكلة أمام اسكتلندا في طريق الاستقلال في إلزامية حصولها على إذن من البرلمان البريطاني لإجراء استفتاء حول الاستقلال بموجب المادة 30 من القانون الخاص باسكتلندا.

ويرى مراقبون استحالة صدور إذن من البرلمان البريطاني في ظل سيطرة حزب المحافظين على أغلبية المقاعد ورفض حزب العمال المعارض والحزب الليبرالي ذلك.

ويعتقد هؤلاء أن مؤيدي الاستقلال في اسكتلندا سيبحثون عن سبل أخرى للانفصال عن المملكة المتحدة حال فوزهم في انتخابات 2021 التي يراهنون عليها لإجبار الحكومة البريطانية على تنظيم استفتاء ثان لتقرير المصير.

ومن بين الخيارات المطروحة، الذهاب إلى المحكمة لإلغاء شرط الحصول على إذن لإجراء الاستفتاء بموجب القانون الخاص باسكتلندا. وأما الخيار الآخر، فيتمثل في إجراء الاستفتاء رغما عن الحكومة المركزية، وإعلان الانفصال من جانب واحد في حال التصويت لصالح الاستقلال.

لكن الخيار الثاني، قد يمهد الطريق لحدوث توتر مع الحكومة المركزية على غرار التوتر الذي حصل عقب إعلان إقليم كتالونيا الاستقلال من جانب واحد، كما يهدد بفقدان تأييد الاتحاد الأوروبي كما حصل مع إقليم كتالونيا الإسباني.

لن تتنازل بريطانيا في حال الانفصال عن حصة مرضية من نفط الشمال، وسيكون ترسيم الحدود قاسياً ومؤثراً في حق الاسكتلنديين

ورغم معارضة جونسون الذي لا يريد أن ينفرط عقد المملكة في عهده، فإن المشهد في اسكتلندا يشهد حالة من التعبئة للضغط على الحكومة البريطانية للقبول باستفتاء جديد بعد الاستفتاء الأول الذي تم تنظيمه سنة 2014 ورجّح كفة البقاء وعدم الانفصال.

وتخوض ستورجون حملة تعبئة غير مسبوقة في اسكتلندا من أجل حشد الرأي العام للالتفاف حول فكرة الانفصال، مستغلة نزعة قومية اسكتلندية انتعشت بفعل انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي.

وتشير أستاذة السياسة الإقليمية في جامعة أدنبره، نيكولا ماك إيون، إلى أن “الحزب الوطني الاسكتلندي يأمل في أنه كلما كان أداؤه الانتخابي أقوى، سيكون صعباً على رئيس الوزراء البريطاني مواصلة الرفض”.

ومع ذلك، لا توجد مؤشرات على الإطلاق على أن زعيم المحافظين سيستسلم للمطلب الاسكتلندي في نهاية المطاف. فإذا استقلت اسكتلندا، فهي ستدخل الاتحاد الأوروبي وتتخلى عن الجنيه الإسترليني، وستقيم حدوداً أكثر صرامة مع بريطانيا للحفاظ على وحدة السوق الأوروبية الموحدة.

ولكن السؤال الأكثر تداولا في صفوف المراقبين لتنامي النزعة الانفصالية في اسكتلندا هو: من الرابح ومن الخاسر من انفصال اسكتلندا؟

بوريس جونسون: الاستفتاءات، من خلال تجربتي وخبرتي المباشرة، في هذا البلد، ليست أحداثا ممتعة
بوريس جونسون: الاستفتاءات، من خلال تجربتي وخبرتي المباشرة، في هذا البلد، ليست أحداثا ممتعة

ويرى متابعون أن اسكتلندا ستكون الخاسر الأكبر في صورة الانفصال خاصة وأن إمكانية انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي تصطدم بمعوقات كثيرة.

ويشير هؤلاء إلى عدد سكان اسكتلندا القليل ومواردها المحدودة إضافة إلى أن بريطانيا هي السوق الأكبر للبضائع والعمالة الاسكتلندية، كما أن تأسيس دولة قوية بعملة جديدة يستغرق سنوات طوال لن تكون بريطانيا فيها داعماً لاسكتلندا.

ولن تتنازل بريطانيا في حال الانفصال عن حصة مرضية من نفط الشمال، وسيكون ترسيم الحدود قاسياً ومؤثراً في حق الاسكتلنديين، ما يعيق انضمامهم للاتحاد الأوربي.

وبعد أن اختار معسكر بريكست خلال استفتاء العام 2016 وصل جونسون إلى منصب رئيس الوزراء وقاد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. لكن يبقى معرفة ما إذا كان مستقبله السياسي سيشهد أكثر إشراقا.

وأظهر استطلاع جديد للرأي أن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في طريقه لخسارة مقعده بالبرلمان وأن من المستبعد أن يفوز أي من الحزبين الرئيسيين بأغلبية مطلقة في الانتخابات العامة المقبلة التي تجرى في 2024 على أقرب تقدير.

مؤيدو الاستقلال سيبحثون عن سبل أخرى للانفصال عن المملكة المتحدة حال فوزهم في انتخابات 2021 التي يراهنون عليها لإجبار الحكومة البريطانية على تنظيم استفتاء ثان

والاستطلاع هو أول تحليل مفصل لآراء البريطانيين في أسلوب تعامل جونسون مع محادثات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي التي انتهت في الآونة الأخيرة، وكذلك تصديه لوباء فايروس كورونا.

وجاء في نتائج الاستطلاع أن حزب المحافظين الحاكم سيفقد 81 مقعدا، مما سيفضي إلى خسارته الأغلبية التي يملكها بفارق 80 مقعدا.

وأوضح أنه بهذه النتيجة سيحصل المحافظون على 284 مقعدا بينما يرجح حصول حزب العمال المعارض على 282 مقعدا. كما أشار الاستطلاع إلى أن رئيس الوزراء قد يفقد مقعده في دائرة أكسبريدج بغرب لندن. لكن ربما يرتبط تقييم رئاسة جونسون للوزراء بشكل متزايد بكيفية تعامل حكومته مع جائحة كورونا التي أودت بحياة ما يربو على 74 ألفا وأضرت الاقتصاد بشدة.

5