انتفاضة أزهرية ضد الإكراه على الزواج داخل الأسر المصرية

لا تمتلك الفتاة في المناطق الريفية المصرية رفاهية رفض الزواج من أحد أقاربها، طالما وافقت الأسرة على ذلك، وهو ما يعتبره الأزهر إكراها على الزواج لذلك تشن المؤسسة الدينية المصرية حملة توعوية بغاية القضاء على الأعراف البالية تجاه وصاية الأسرة على الفتاة وقت الزواج. ولا تقتنع الكثير من الأسر في المناطق الريفية بأن الزواج عنوة يحوّل الفتاة إلى ابنة قاسية.
القاهرة - بدأت مؤسسة الأزهر في مصر قيادة حملة توعوية موسعة دينية وثقافية ضد ظاهرة إجبار الفتيات على الزواج من داخل العائلة، وعدم الموافقة على أن تتزوج من شخص غريب، باعتبار أن ذلك يُحول الحياة الزوجية إلى جحيم، تدفع ثمنه المرأة.
ودعا أحمد الطيب شيخ الأزهر خلال اجتماع موسع مع عمداء الكليات والأساتذة إلى ضرورة تصدي الجامعات، خاصة في صعيد مصر (جنوب مصر) للظواهر الأسرية التي تنال من حقوق المرأة والفتيات وكرامتهن، وأبرزها تزويج الفتاة داخل العائلة. ووصف شيخ الأزهر ذلك الموروث بأنه ظاهرة مرهقة وظالمة وجائرة على حقوق الفتيات بالزواج دون إكراه، داعيا مؤسسات وجهات مختلفة في الدولة إلى دراسة الحلول المناسبة لإقناع الأسر بالتخلي عن تلك الثقافة بشكل فوري.
واقترح توسيع دور المناهج التعليمية ووسائل الإعلام والمساجد والكنائس لوضع حلول مناسبة تستهدف التأثير على الأسرة، وتغيير نمط التفكير الذي قضى على مستقبل الكثير من الفتيات عندما تم إجبارهن على الزواج داخل العائلة.
وتنظر الكثير من الفتيات المصريات إلى الانتفاضة التي يقودها شيخ الأزهر بأنها بادرة أمل لعدم إكراههن على الزواج داخل إطار محدد، لأن الشيخ الطيب شخصية مؤثرة ولها رمزية اجتماعية كبيرة داخل الأوساط القبلية في صعيد مصر. ولدى شيخ الأزهر مقر إقامة ثابت في محافظة الأقصر، جنوب البلاد، ويلتقي أسبوعيا أرباب العائلات والشخصيات المؤثرة في المجتمع، وله موقف ثابت ضد أي إكراه للفتاة على اختيار شريك معين تفرضه أسرتها، بدعوى القرابة وصلة الرحم.
وبلغ حد امتعاض الطيب من تزويج الفتيات داخل العائلات أنه وصف الظاهرة بأنها “امتداد لوأد البنات” كما كان يحدث في العصور الجاهلية، متعهدا بتسخير جهود الأئمة والوعاظ التابعين للمؤسسة الدينية للانتفاضة ضد تلك السلوكيات.
يتعامل شيخ الأزهر مع إجبار الفتاة على الزواج من شخص دون إرادتها، باعتبار ذلك مسألة لا أخلاقية، لأنه حكم يشبه الإعدام على حياة كاملة للفتاة، وسبق وحرّم ذلك التصرف، لأنه نوع من العذاب المحرم والمجرم شرعا وخلقا وحضارة. وترى مؤسسات حقوقية معنية بشؤون المرأة أن انتفاضة الأزهر قد تحد كثيرا من ظاهرة إجبار الفتيات على الزواج من داخل العائلة، في المناطق التي يكون فيها رأي الأسرة هو الفيصل، مثل المناطق الريفية والشعبية والبدوية والصعيدية.
وتلك المناطق أكثر التزاما دينيا وترفض أن تقوم بتصرف يخالف الشرع ولو على حساب العرف والتقليد المجتمعي، وبالتالي فإن الخطاب الديني الرافض بقوة لفكرة الإجبار على الزواج يمثل الملاذ الأخير والمنقذ للفتيات فيها. والميزة أن دار الإفتاء المصرية تقف في صف الأزهر بتلك القضية، وقالت إن إجبار الأب لابنته على الزواج داخل العائلة، وبمن لا تحبه، من العقوق بالأبناء، والأب العاق يأثم شرعا، ولا يجوز تحت أي مبرر الإجبار على الزواج.
يعتقد متخصصون في العلاقات الاجتماعية أن الانتفاضة الدينية وسيلة مثالية لتغيير الأعراف البالية تجاه وصاية الأسرة على الفتاة وقت الزواج، وستكون هناك صعوبات في البيئات التي لديها قناعات متشددة تجاه تزويج الفتاة خارج العائلة. ولا تقتنع الكثير من الأسر في المناطق الريفية والصعيدية بأن الزواج عنوة يحوّل الفتاة إلى ابنة قاسية على أسرتها، لأنها سلبتها حق اختيار الزواج، وفي نفس الوقت تعادي زوجها وتعيش معه بمرارة، فلا أسرتها كسبتها ولا عاشت بسعادة مع زوجها.
◙ الكثير من الفتيات المصريات ينظرن إلى الانتفاضة التي يقودها شيخ الأزهر على أنها بادرة أمل لعدم إكراههن على الزواج
ونادرا ما تمتلك الفتاة في المناطق الريفية رفاهية رفض الزواج من أحد أقاربها، طالما أن الأسرة قررت ذلك، حيث تكون مضطرة إلى القبول بالزواج من أحد أبناء عمومتها، بغض النظر عن التوافق الفكري والثقافي والنفسي بينهما، وإلا أصبحت متمردة. ولم يحدد شيخ الأزهر طبيعة الخطاب الديني الرافض للإكراه على زواج معين، لكن متخصصين يؤكدون حتمية التطرق إلى أنه يوسع ظاهرة الطلاق الصامت وتكون علاقة الشريكين بهذه الأسر قائمة على الندية والعناد والكراهية والعنف المستمر.
وحذرت دراسة سابقة صادرة عن محكمة الأسرة بالقاهرة من كثرة تدخلات الأهل في الزواج والإجبار على شريك بعينه أن يكون من الأقارب، وقالت إن قرابة 52 في المئة من دعاوى الطلاق بسبب الإكراه، مهما كانت الظروف والمبررات الأسرية. وتكمن المعضلة في أن الكثير من الأسر التي تعيش في مناطق تؤسس علاقاتها الاجتماعية على العرف والتقليد، لا تؤمن بأن حرية اختيار الزوج مرتبطة بحرية الحق في إنشاء أسرة يفترض أن تقوم على التفاهم والمودة والحب والتراحم.
ويشير خبراء في شؤون الأسرة والمجتمع إلى أن الميزة من دخول الأزهر على خط أزمة الزواج بالإكراه، أن الكثير من الآباء كانوا يستخدمون لغة الدين لترهيب الفتاة التي تتمرد على الانصياع لأسرتها، بدعوى أن ذلك يحمل معصية دينية لرب العائلة. ومن السهل ضرب المعتقد الديني الذي تستند عليه الأسر في الإجبار، حيث كان يبرر غالبية الآباء بأن الدين دعاهم إلى اختيار الأصلح لأبنائهم، لذلك لا يتم استطلاع رأي الفتاة في المتقدم لخطبتها، أو إبلاغها بالتفاصيل، والموافقة دون العودة إليها.
ولدى العديد من الأسر المصرية مبررات واهية حول زواج الأقارب، بينها الحفاظ على ميراث العائلة وعدم ذهابه إلى غرباء، ويفضلون تزويج الفتيات من أبناء العمومة برضائهن أو رغما عنهن، إضافة إلى الاقتناع بأن الزيجات القريبة تكلفتها أقل، وهو منطق يجلب كوارث أسرية. ويعد رأي الأهل مهما عند اختيار شريك الحياة للابن أو الابنة، لكن يفترض أن يكون الاختيار والقرار النهائي للأبناء وليس للأبوين، لأن آراءهم لها حسابات أخرى ويرون الأمور بطريقة لها علاقة بالعادات والتقاليد والتوافق المجتمعي بين الأسرتين.
كما أن إرضاء الأبوين عند اختيار الشريك مطلوب، والرضوخ لوجهات نظرهما الرافضة لشخص بعينه لأسباب واهية مثل عدم القرابة هو بداية لانهيار العلاقة، ثم إن الأجيال الجديدة لديها القدرة على اتخاذ القرارات التي تناسبها وتتحمل نتائجها، وعلى الأهل الإيمان بأبنائهم وترك الحرية لهم في اتخاذ قرار الزواج.
أكد الاستشاري الأسري في القاهرة علاء الغندور أن الخطاب الديني أساس مواجهة الإكراه على الزواج العائلي، لأن الكثير من الآباء يعتقدون أن التدخل في الاختيار واجب ديني مرتبط بالوصاية في رسم حياة آمنة لأولادهم، دون اكتراث بأن التدخل في حياة الأبناء عند الزواج، وفرض شريك بعينه، يجعل صلاحية العلاقة محدودة. وأضاف لـ”العرب” أن المؤسسة الدينية مطالبة بدراسة تحريم إجبار الفتاة على الزواج ممن لا تريده، ومطلوب فحص مشروعية العلاقة القائمة على الإكراه، لأنها قد تكون محرمة أيضا، وبذلك يتم إسقاط أي وصاية أبوية تحتمي بالشرع لتخويف الأسر من ارتكاب مخالفة دينية.
وبعيدا عن جرأة المؤسسة الدينية في اتخاذ تلك الخطوة قد تكون هذه المسألة كفيلة بتطهير المجتمع المصري من العادات الأسرية الجاهلية، القائمة على العرف والتقليد، إذ يجب أن تكون هناك وقفة جادة لإرشاد الناس إلى أن عقد الزواج إذا وقع بالإجبار فهو فاسد، لعدم استكمال شرط الرضا من الطرفين. ومن المهم أن يتم تسليط الضوء على الظاهرة ومشاركة المساجد والكنائس والإعلام والمنظمات الأهلية في مواجهتها والتركيز على مخاطر الزواج بالإجبار، على أن يكون ذلك بأرقام تتعلق بحالات الطلاق والانتحار والخيانات الزوجية، ليكون الخطاب التوعوي المقدم للأسر واقعيا ومقنعا، وليس موجها أو مطعونا في خلفياته.