انتخابات مجلس الشورى تتحول من "متنفس ديمقراطي" إلى عبء إضافي على سمعة قطر

بدأت حالة من الارتباك الشديد تطغى على حدث إجراء قطر لأول انتخابات تشريعية، محوّلة المناسبة من وسيلة لتحسين صورة البلد أمام العالم إلى مطعن آخر في وضعه الحقوقي. وبدافع الخوف من توسع الانتقادات الموّجهة للانتخابات وقانونها، تتجه السلطات القطرية نحو التضحية بهامش حرية النقد الذي كانت قد سمحت به بشكل محسوب.
الدوحة - باتت السلطات القطرية تحمل على محمل الجدّ التبعات التي ستترتّب على إجراء أول انتخابات تشريعية بالاستناد إلى قانون معيب تضمّن تقسيما للقطريين وأثار موجة من الامتعاض والتذمر لدى مكوّن أساسي من مكوّنات المجتمع، قبيلة آل مرّة التي اُستبعد أبناؤها من الترشّح للانتخابات بمقتضى القانون ذاته.
وإلى جانب احتجاجات القبيلة المذكورة سواء عبر تنظيم عدد من أبنائها تجمّعا نادرا ما يحدثُ مثيلٌ لهُ في قطر، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وجهت أصوات إعلامية قطرية نقدها للانتخابات ونبّهت لخطورتها على التآلف الاجتماعي مستخدمة الهامش الضيّق المسموح به من قبل السلطات في إطار عملية تحسين صورة البلد المطلوبة بقوّة في الفترة المتبقية على احتضانه لنهائيات كأس العالم والتي ستكون الأضواء خلالها مصوّبة بتركيز على قطر وأوضاع الحقوق والحرّيات فيها.
وفي مظهر على ضيق هامش المساحة الممنوحة للنقد خفّف المعلق السياسي القطري عبدالعزيز بن محمد الخاطر من نقده للانتخابات التي كان قد وصفها في مقال له بصحيفة الشرق القطرية بأنها “إرادة أميرية صرفة لم يسبقها طلب فعّال”، وأيضا لقانونها الذي قال إنّه “سمَّمَ جو التآلف الاجتماعي الذي تنعم به قطر من زمن طويل”.
وعاد الخاطر ليوضّح في مقابلة مع وكالة الأناضول التركية أنّ خطوة تنظيم انتخابات تشريعية “رغم أنه لم يكن هناك طلب فعال من جانب المجتمع عليها، إلا أنها كانت منتظرة من قبل المجتمع”، مضيفا “هذه الانتخابات قد تتبلور إلى طلب فعال في أي لحظة مستقبلية، فمبادرة الأمير كانت استباقية حرصا على مستقبل أكثر أمنا والحاجة إلى جهاز يعاونه كذلك في تنظيم الدولة وأحوال المجتمع”.
وكان المعلّق القطري قد قلّل في مقاله بالصحيفة القطرية والمعنون بـ”الصلاحيات قبل الانتخابات” من أهمية دور مجلس الشورى الذي سينتج عن الانتخابات، قائلا “ما شهدته بلدنا العزيزة من أحداث خلال الأيام القليلة الماضية (احتجاجات آل مرّة) وبعد إصدار قانون الانتخاب لأول مجلس تشريعي في الدولة، جعلني أعود سريعا لصلاحيات المجلس المنتظر وأقارنها بتكلفتها الاجتماعية، فوجدت أن ما سوف يمثله المرشح قليل جدا بما قد يتكلفه أو يتوقعه الناخب، لذلك فتكلفة الانتخابات الاجتماعية والاقتصادية أكثر بكثير من مردود المرشح مهما كان مؤهلا”.

وأشار بشكل مباشر إلى محدودية صلاحيات المجلس المنتظر قائلا إنّها “لا تتناسب وحمى الانتخابات وإرهاصاتها فهو غير قادر على مساءلة رئيس السلطة التنفيذية. وحتى مساءلة أو استجواب الوزراء وطرح الثقة فيهم تتطلب إجماع ثلثي المجلس وهو أمر من الصعوبة بمكان. كذلك ديوان المحاسبة ورئيسه خارج إطار سلطته بل أكثر من ذلك حتى السكرتير العام أو أمين المجلس يعيّن بمرسوم وليس للمجلس أو رئيسه أن يختاره”.
وذهب بنقده حدّ اعتباره المجلس القادم مطابقا “للمجلس السابق (المعيّن) إلا بعض الرتوش الزائدة”. كما قلل من أهمية إجراء الانتخابات في هذا التوقيت قائلا “أعتقد أننا لا نزال مغرمين بفكرة الانتخابات أكثر من الوعي بأهمية وقتها وظروفها، اعتقادا منا إذا جاءت الانتخابات حضرت المشاركة الشعبية في أزهى حللها”، لينتهي إلى استنتاج مفاده أنّ “الأنسب للمجتمع في هذه الفترة هو أسلوب التعيين الراشد الذي يتقصى في العضو الكفاءة والأمانة وحسن السيرة ولو أعطي مجلس التعيين مناقشة الموازنة ومساءلة الوزراء وطرح الثقة فيهم بشروط المجلس المقترح لتساوى الاثنان وخرجنا من عمى الصناديق وعدوى القبلية وتفخيخ المستقبل، ليس تراجعا ولكن إحساسا بالواقع وصلادته ووعورة القفز عليه أو إمكانية السير باطمئنان فوقه”.
وفي تصريحه للوكالة التركية عاد الخاطر ليقول إنّ إجراء انتخابات مجلس الشورى ستمثل إضافة للمجتمع مؤكّدا وجود “بوادر جيدة ومشجعة إذا ما اعتبرنا أن البداية دائما بحاجة إلى تطوير”. وأضاف “مع مرور الزمن وتغيّر الأحوال والظروف التي يمر بها المجتمع، أي تجربة منفتحة على المستقبل ومستجداته هي تجربة إيجابية مهما كانت ظروف بدايتها صعبة”.
وعن الانعكاسات المحتملة للانتخابات على المجتمع، خفّف الخاطر من يقينه السابق بسلبيتها قائلا “أعتقد أن المشاركة خطوة جديرة بالاهتمام في المنطقة كلها فكلما كانت هناك مشاركة حقيقية للمجتمع في إدارة شؤونه وقضاياه سيمثل ذلك انعكاسا إيجابيا في المنطقة”، مضيفا “سنرى مستقبلا إذا ما كان أثرها محدودا أو كبيرا اعتمادا على تطورها وحيويتها”.
وأثارت التصريحات المتراجعة للمعلق السياسي القطري بعدما أظهره من جسارة في نقده للانتخابات التشريعية وقانونها تساؤل المراقبين حول ما إذا كانت السلطات القطرية ستلجأ تحت تأثير الخوف من تطوّر السجال حول الانتخابات وتوسّعه إلى احتجاجات أوسع نطاقا إلى التراجع عن هامش حرية النقد الذي سمحت به في إطار مساعيها لتحسين صورة البلاد ولجم الأصوات التي شرعت في ممارسته وأظهرت حصافة كبيرة في ذلك على غرار المعلّق الخاطر.
وكان مرسوم صدر الأحد عن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني قد حدّد يوم الثاني من أكتوبر القادم موعدا لإجراء الانتخابات التشريعية الأولى من نوعها في البلاد، متجاهلا احتجاجات قبيلة آل مرة التي مُنِع أبناؤها من الترشح لهذه الانتخابات. وسيتمّ بموجب الانتخابات اختيار ثلاثين عضوا من الأعضاء الخمسة والأربعين لمجلس الشورى على أن يتمّ تعيين الخمسة عشر عضوا الباقين من قِبَل الأمير.
واحتج أفراد من قبيلة آل مرة على القانون الذي يمنع مشاركة القطريين ممن لم يكن لأسرهم وجود في قطر قبل عام 1930 من التصويت. وللقبيلة التي تتفرع عنها عدة عشائر علاقة مشوبة بالتوتر مع الأسرة الحاكمة في قطر ترجع إلى منتصف تسعينات القرن الماضي عندما عارض أفراد بارزون من آل مرّة انقلاب الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني على والده الشيخ خليفة جدّ الأمير الحالي الشيخ تميم.
وفي عام 2005 جردت قطر بعض أفراد القبيلة من الجنسية وقالت إن سبب ذلك هو حملهم جنسيتين، ونفت أن يكون ذلك الإجراء عقابا لهم على موقفهم من الانقلاب.
ويقسّم قانون الانتخاب المواطنين القطريين حسب الدستور إلى ثلاث فئات؛ الأولى للمواطنين القطريين الأصليين، وهؤلاء يحقّ لهم الترشّح والتّصويت. والثانية من المجنسين القطريين الذين جدهم مولود في قطر، وهؤلاء يحق لهم التصويت فقط. أمّا الفئة الثالثة فهي فئة المجنسين، ولا يحق لهم التصويت والترشح.
اقرأ أيضا: مرشح المستشارية الألمانية: قطر ليست مكانا جيدا لكأس العالم