امتعاض السيسي يبرهن عن قوة الهاشتاغ السياسي

التغريدات كشفت عن اتساع فجوة التفاهم والتقارب بين ما يحمله الرئيس السيسي من رؤية اقتصادية إصلاحية، وتقبل المصريين لها.
الاثنين 2018/07/30
الشعبية في الميزان

القاهرة - أثارت تصريحات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، السبت، أمام مؤتمر الشباب الذي عقد في جامعة القاهرة، واختتم الأحد، لغطا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن اعتبرها البعض كاشفة لعمق الفجوة التي زادت اتساعا بين النظام الحاكم والمواطنين.

وخرج السيسي عن النص، مبديا حزنه الشديد بلغة عامية بسيطة من دعوات مصريين على الإنترنت برحيله من منصبه بسبب اتخاذه قرارات تقشفية عن طريق هاشتاغ انتشر، قائلا “أنا بحاول (أحاول) أخرج مصر من دولة العوز (الفقر)، وفي الآخر يطلعوا هاشتاغ #ارحل_يا_سيسي، أزعل (أغضب) ولا مزعلش”.

لم يكن المثير هو اعتراف السيسي نفسه بوجود غضب بين المصريين ازداد مؤخرا، لكن بدت الأزمة الحقيقة في قوة الهاشتاغ وتأثيره لدرجة يذكره رئيس دولة خلال حديث عام ويبدي انزعاجه منه.

وتسببت التصريحات في عودة الهاشتاغ للظهور بقوة بعد ساعات من المؤتمر في صورة تمثل رسالة للرئيس باستمرار انتقاده على صفحات التواصل الاجتماعي رغم تعبيره عن امتعاضه.

وبدأ مؤيدو السيسي حملة جديدة للترويج له عبر مواقع التواصل، من خلال إحياء هاشتاغ #السيسي_رئيسي، الذي ينشط بقوة لكن فعاليته لم تستطع التأثير في قطاعات كبيرة.

كان هاشتاغ "ارحل يا سيسي" بلغ قمة المشاركة فيه خلال يونيو الماضي، بعد إعلان الحكومة رفع سعر المحروقات تنفيذا لخطة صندوق النقد الدولي.

ودعا كثير من النشطاء عبر حساباتهم على تويتر، إلى ضرورة الرد على الرئيس واستمرار الضغط عليه لتعديل سياسته الاقتصادية، بإيصال الهاشتاغ ليكون أعلى الترندات في العالم.

دراسة مواقع التواصل الاجتماعي وتحليلها تضمن للنظام القائم تدارك الموقف وربما التراجع في السياسات الخاطئة

وقالت فاتن أحمد عبر حسابها على تويتر “المصريون زعلوا (غضبوا) لما رفعت الأسعار، عملت إيه عشان (ماذا فعلت حتى) تصالحهم”.

وكشفت التغريدات عن اتساع فجوة التفاهم والتقارب بين ما يحمله الرئيس السيسي من رؤية اقتصادية إصلاحية، وتقبل المصريين لها.

ويقارن البعض بين تلك الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي وبين حملات متشابهة ظهرت ضد الرئيس المعزول المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي في أثناء اتخاذه قرارات متشابهة تسببت في سوء إدارة الدولة والفشل في حل الأزمات التي تمس حياة المواطن.

وتبدو المقارنة بعيدة لأن فشل مرسي والهجوم عليه على مواقع التواصل صاحبه توافق شعبي دعمته وسائل الإعلام التقليدية، وما يسمى بمؤسسات الدولة العميقة، وحمل رحيله وقتها مطلبا شبه جماعي، وهو ما يتناقض مع موقف السيسي الذي مازال يتمتع بدعم أجهزة الدولة ووسائل الإعلام التي ترى في قراراته الاقتصادية الصعبة ضرورة لبناء دولة حديثة ومتطورة.

وتتحمل الحكومة الكثير من اللوم لما آلت إليه تلك العلاقة الفاترة بين النظام والشعب، والتي ظهرت بوضوح على مواقع التواصل، إذ فقدت الحكومة الثقة الشعبية فيها بسبب تعمدها عدم الشفافية في القرارات المتخذة، وفشلها في تحقيق التوازن بين قرارات الغلاء وتخفيف الأعباء.

وبات المصريون على موعد شهري مع زيادة سلعة أو خدمة جديدة بسبب قرارات لم تسع الحكومة إلى التمهيد لها. وآخرها رفع أسعار الغاز الطبيعي لشرائح وصل بعضها لأكثر من 75 بالمئة دون إنذار ويجد المواطن نفسه أمام فاتورة مضاعفة بداية من الشهر المقبل.

لم يجد الكثير من المواطنين، خاصة الشباب الغاضب، ما يعوض تلك الضغوط المعقدة، فمع زيادة حالة التضييق السياسي العام وتراجع الحريات وعدم انعكاس خطط الإصلاح التي تتحدث عنها الحكومة على حياة المواطن، أصبح الجميع تحت طائلة الكبت وعدم القدرة على التعبير بالوسائل التقليدية، لذلك أضحت المنصات الاجتماعية وسيلة الاحتجاج الرئيسية. وهو ما يفسر ظهور هاشتاغ مثل ارحل يا سيسي، الذي سجل أكثر من ثلاثة ملايين مشاركة منذ إطلاقه.

وقد أدى تعليق الرئيس الذي عزف على الوتر العاطفي، إلى تحريض النشطاء على إطلاق حملات انتقاد لاذعة جديدة للتعبير عن غضبهم منه، فقد منحهم الفرصة لأنه يتابعهم ومشغول بما يكتبونه على مواقع التواصل الاجتماعي.

المعارضة على مواقع التواصل الاجتماعي، باتت أكثر قوة وتأثيرا ومحل اهتمام الحكومة بعد أن فقد المواطن المصري الأمل في تحقيق تغير من خلال العمل الثوري والاحتجاج

ويدرك المسؤولون أن الإنترنت لم تعد فقط بوابة للمعرفة والحصول على المعلومات والتواصل الاجتماعي البسيط، لكنها آلية معقدة ومقياس سياسي خطير لشعبية الحكومة والقادة، ودراستها وتحليلها يضمن للنظام القائم تدارك الموقف وربما التراجع في السياسات الخاطئة.

وفي الحالة المصرية التي أضحت فيها الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية حدثا نادرا بعد تقييد عملها بالقانون وغياب المعارضة، وتخلي البرلمان عن دوره الرقابي، بات رواد مواقع التواصل “حجر العثرة” أمام الحكومة للمضي في طريقها دون عراقيل.

ويقول سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية في القاهرة، إن مؤتمرات الشباب التي يعقدها رئيس الجمهورية فرصة جيدة للحوار الفعال وتقريب وجهات النظر، لكنها لا تكفي طالما لم تكن جاذبة لشرائح عدة بعضها مؤيد والآخر معارض.

ويوضح لـ”العرب”، أن المعارضة على مواقع التواصل الاجتماعي، باتت أكثر قوة وتأثيرا ومحل اهتمام الحكومة بعد أن فقد المواطن المصري الأمل في تحقيق تغير من خلال العمل الثوري والاحتجاج، خاصة أن نتائج ثورة يناير في عام 2011 أو 30 يونيو عام 2013؛ لم تنعكس على حالة المواطن السياسية والاقتصادية إلا بالسلب.

واستفادت “ثورتا” يناير ويونيو من النشاط الشبابي على مواقع التواصل، الذي لعب دورا مهما في إسقاط نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، وعزل الرئيس الإخواني محمد مرسي، لذلك يخشى النظام الحالي من زيادة التفاعل على الشبكات الاجتماعية، ويسعى لقطع الطريق من خلال فضح التصرفات والتضييق عليها.

ويشير أستاذ علم الاجتماع إلى أن شريحة كبيرة من المصريين ساخطون على الوضع الحالي، لكنهم واقعون أمام معضلة معقدة، فهم لا يرون بديلا مناسبا الآن، فرحيل النظام السياسي الحالي لا يعني إنهاء الأزمة الاقتصادية، ولا يجدون نافذة لتعبير عن غضبهم وإيصال صوتهم للحكومة بعد أن غابت السبل الشرعية عبر الأحزاب ووسائل الإعلام، ولم يعد هناك بديل سوى مواقع التواصل الاجتماعي.

19