اليسار التونسي يدعو إلى التحالف لضمان نقاش سياسي داخل المجتمع

تونس - دعت أحزاب تنتمي لليسار التونسي إلى تكوين حلف وطني شعبي لضمان النقاش السياسي داخل المجتمع، ما طرح بجدية تساؤلات المراقبين بشأن قدرة الأحزاب السياسية على التعبئة وبث خطاب مؤثر، فضلا عن تكوين مواقف موحدة بخصوص القضايا السياسية والاجتماعية المطروحة.
واعتبر حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد “الوطد” الاثنين أنّ آليّة الاستشارة الإلكترونيّة والمنصّات الرقميّة التي طرحها الرئيس قيس سعيّد “لا تضمن شروط النقاش السياسي داخل المجتمع ولا تعكس التنوّع الفكري والسياسي لدى عموم الشعب”، داعيا إلى تشكيل حلف وطني شعبي.
وانتقد الحزب في بيان ختامي إثر اجتماع لجنته المركزية ما أسماه بـ”التردّد في التعامل مع القضايا الجديّة التي تتعلّق بالفساد السياسي من تمويل أجنبي مشبوه للأحزاب والجمعيّات ومن فساد اقتصادي ومالي مع مواصلة القضاء المماطلة في فتح الملفات المتعلّقة بجرائم الإرهاب والتسفير والجهاز السرّي والاغتيال السياسيّ وعلى رأسها ملف اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي”.

ونقل “الوطد” عن اللجنة تأكيدها أنّ “الطريق لفرض تغيير موازين القوى الاجتماعيّة لصالح غالبيّة التونسيات والتونسيّين يتطلّب تشكيل الحلف الوطنيّ الشعبيّ القادر وحده على تفكيك مراكز القوى الاقتصاديّة المتحكّمة في دواليب الدولة والتي تسعى بشكل حثيث لتطويق النفس النضاليّ لشرائح واسعة من الشعب”، مضيفا أن “اللجنة المركزيّة تؤكد أنّ المعارضات تصرّ على الاستنصار بقوى الهيمنة الخارجية لحسم خلافها مع السلطة القائمة”.
ويرى مراقبون أن الأحزاب تسارع للإدلاء بمواقفها والمشاركة في النقاشات السياسية التي تهم الشأن العام بالبلاد، دون القيام بمراجعات داخلية وتجاوز الخلافات التي ساهمت في تصدّعها وتشتتها، واعتبر هؤلاء أن الحركات السياسية (بما في ذلك اليسار)، غير قادرة على التأثير في الشارع وبث خطاب متوازن.
وأفاد المحلل السياسي نبيل الرابحي أن أحزاب اليسار مازالت تتخبط في الاختلافات الداخلية دون الخروج بمواقف موحدة.
وأضاف لـ”العرب”، “اليوم الأحزاب السياسية تريد أن تلعب دور الريادة ولكنها غير قادرة على التعبئة السياسية لأنها تفتقد للمراجعات وإعادة الهيكلة، خصوصا في ظل تشتت اليسار وخسارة الجبهة الشعبية للانتخابات في 2019”.
وتابع الرابحي “هذه الأحزاب أصبحت نخبوية وغير قادرة على تكوين خطاب مؤثر”، متسائلا “هل أن الديمقراطية مازالت غير قادرة على النهوض بالشعوب؟”.
وفي المقابل، اعتبرت شخصيات سياسية أن أحزاب اليسار قادرة على التعبئة واقتراح حلول للخروج من الأزمات، لكنها مطالبة أيضا بالتخلي عن الطابع الأيديولوجي وإعادة ترتيب هياكلها الداخلية.
وأفاد ناجي جلول أمين عام الائتلاف الوطني التونسي أنه “سيقع اختراق الاستفتاء الإلكتروني للشباب مثلما تم اختراق منظومة إيفاكس للتلاقيح”.
وقال في تصريح لـ”العرب”، “الأحزاب السياسية قادرة على التعبئة الاجتماعية، والممارسة الديمقراطية في حاجة إلى وسائط”، موضحا “الرئيس يرفض منظومة الأحزاب ولكن لا يمكن تنظيم انتخابات تشريعية دون أحزاب”.

ولفت جلول إلى أن “الوضع في تونس اليوم يتطلب الجلوس إلى طاولة الحوار ومناقشة مشاكل البلاد، على غرار الصحة والتعليم والنقل وغيرها”.
واعتبر أن الأحزاب (اليسار) قادرة على التعبئة بشرط أن تتخلص من غربتها الأيديولوجية، وتعويضها بيسار اجتماعي له رؤية واضحة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن القيام بمراجعات داخلية.
واليسار التونسي في مفترق طرق إذ يحاول تجنب “الموت السريري” بعد أن مُني بهزيمة قاسية في الانتخابات التشريعية الأخيرة رغم إرثه النضالي، ما يجعله يسعى لاستعادة شعبيته بأي طريقة عبر البحث عن تحالفات جديدة.
ولم تكن انتخابات 2019 استحقاقا انتخابيا عاديا نظرا للظروف التي أحاطت بها، فوفاة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي سرعت بتنظيم اقتراع برلماني ورئاسي سابق لأوانه مر بجانبه التيار اليساري مرور الكرام، حيث لم يحصد أي مقعد في البرلمان، وخسر مرشحوه عبيد البريكي وحمة الهمامي ومنجي الرحوي في الاستحقاق الرئاسي منذ الدور الأول.
ويرى متابعون أن تيارات اليسار لا تزال عاجزة عن التحشيد، وهذا بدا جليا في السادس من فبراير الماضي عندما دعت منظمات وأحزاب يسارية أو القريبة من التيار اليساري إلى مسيرة لم يتجاوز عدد المشاركين فيها بضعة مئات.
وساهم تشتت المواقف والرؤى في علاقة بالتطورات السياسية في مزيد تراجع حضور الأحزاب اليسارية في المشهد بالبلاد وتقديم نفسها كبدائل سياسية، خصوصا بعد فشل المنظومة السابقة في إدارة شؤون البلاد.