الوزراء يشاركون السيسي "عذاب" مصارحة المصريين

دوائر سياسية ترى أن غضب السيسي من أداء الحكومة نابع من شعوره بأنه خسر عندما تمادى في الدفاع عن الوزراء.
الثلاثاء 2024/05/28
أداء دون المأمول

القاهرة – تخلّت الحكومة المصرية عن صمتها وبدأت تتعامل مع هموم المواطنين عبر ظهور عدد من أعضائها في وسائل الإعلام للرد على مشكلات كانت توجه إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي ووصفها بـ”العذاب”.

وجاء تحرك بعض الوزراء بعد لوم وجهه السيسي إلى الحكومة ومطالبة أعضائها بمصارحة الناس بالحقائق، متسائلا “هل تتركوني أتعذب وحدي”، في إشارة إلى أنه لم تعد لديه القدرة على تحمل مسؤولية المكاشفة بمفرده في ظل صمت حكومي طويل.

وطالب السيسي الوزراء أخيرا بالتحدث إلى الناس وتوضيح المشكلات في كل قطاع، وكيف تدار الأمور بشفافية، وعدم التهرب من الواقع، وبتحمل المسؤولية معه، وذلك خلال افتتاحه عددا من المشروعات التنموية الزراعية بجنوب مصر السبت.

الوزراء تحركوا بعد أن لام السيسي الحكومة وطالب أعضاءها بأن يصارحوا الناس بالحقائق، متسائلا: هل تتركوني أتعذب وحدي

وكان لافتا ظهور وزير الكهرباء محمد شاكر في بعض وسائل الإعلام والاعتذار عن قرار الحكومة قطع التيار الكهربائي لمدة ساعتين يوميا وسط أزمة تعانيها الدولة من نقص في المواد النفطية، وهي من المرات النادرة التي تحدث فيها وزير الكهرباء مباشرة عن الأزمة منذ بدايتها قبل نحو عام.

وتحدث وزير التربية والتعليم رضا حجازي للرأي العام أيضا عن تسريبات الامتحانات على شبكة الإنترنت، والإجراءات التي تتخذها الحكومة في هذا الملف، وهو من الوزراء المعروف عنهم عدم مواجهة الناس مباشرة بأي مشكلة خاصة بالتعليم، ولا يتحدث إلى وسائل الإعلام إلا قليلا.

وهاجمت منابر إعلامية قريبة من الحكومة بعض الوزراء، لأنهم لا يتصدون للمشكلات أو لا يخرجون لمصارحة الشارع بالحقائق إلّا بتوجيه رئاسي، مع أنه يفترض ألا يكون الرئيس من يتحمل المسؤولية بمفرده، ما يوحي بأن هناك تعليمات صدرت للانقلاب على الحكومة بسبب هذا الصمت، أو التمهيد لتغييرها.

وقالت قصواء الخلالي، مقدمة برنامج “في المساء مع قصواء” على فضائية “سي بي سي”، من غير المنطقي أن يكون الأداء الإعلامي لبعض الوزارات بهذا الضعف والإخفاق، وهناك مسؤولون أصبح تغييرهم واجبا بتعديلات وزارية عاجلة.

وتعتقد دوائر سياسية أن غضب السيسي من أداء الحكومة نابع من شعوره بأنه خسر عندما تمادى في الدفاع عن الوزراء مع كل مشكلة وتبرير مشكلات في قطاعاتهم، ما جلب منغصات شعبية للنظام برمته، وبدا كل مسؤول يجد أن الرئيس يدافع عنه.

وكشف حديث السيسي عن أنه “يتعذب” من كثرة تصديه للمشكلات وسط صمت الحكومة حجم الضغوط التي يتعرض لها شعبيا، مع أنه وجه لوما من قبْل إلى الوزراء لأنهم لا يصارحون الناس بالحقائق، وبإمكانهم تفسير كل مشكلة.

خخ

وعقّب الكاتب السياسي جمال أسعد بأن تعاظم التحديات أثقل كاهل رئيس الدولة بلا مساندة حكومية برلمانية ملموسة، لافتا إلى أن انفراد الرئاسة بتفنيد كل مشكلة وأسبابها جعل بعض الوزراء والمسؤولين يعتادون على الاتكالية وعدم القيام بما هو مطلوب.

وأوضح لـ”العرب” أن كل مسؤول يشعر بأن الرئيس يدعمه ويدافع عنه لن يسعى للبحث عن حل لمشكلات قطاعه، وهو ما يغرق رأس السلطة في قضايا فرعية بعيدا عن التركيز على محاسبة المسؤول المقصر في ظل غياب دور البرلمان تقريبا.

واعتاد الرئيس المصري تقريب المسافات مع الشارع بشأن مشكلات وقضايا جدلية أملا في الحفاظ على صورة الحكومة، ويتهرب مسؤولوها من مواجهة الإعلام، لكن تعدد المشكلات والأزمات يفرض على الوزراء الكف عن الصمت.

لوم السيسي الوزراء على هروبهم من المواجهة لا يخلو من تنامي الشعور بأن حالة الإحباط التي وصل إليها الشارع وكثرة الرسائل السلبية لن تخفّا إلّا بالتحرك الرسمي

ويرى مراقبون أن غياب المعلومات المرتبطة بملفات حيوية راكم المشكلات بعد أن تسبب تقاعس الحكومة عن توضيح مواقفها وشرح توجهاتها في إحراج النظام؛ ففي كل مرة يُفهم عدم التجاوب على أن هناك كوارث تتم التغطية عليها.

ويشير المراقبون إلى أن لوم الرئيس السيسي الوزراء على تكرار هروبهم من المواجهة لا يخلو من تنامي الشعور بأن حالة الإحباط التي وصل إليها الشارع وكثرة الرسائل السلبية لن تخفّا إلّا بإظهار الحقائق والتحرك الرسمي بشكل إيجابي بدلا من تكريس الاعتقاد بأن الصمت عنوان للفشل.

ولم تعد المشكلة في مصر مرتبطة بصمت وزير أو رئيس مؤسسة حيوية بقدر ما صارت الأزمة ظاهرة حكومية، على الرغم من أن الظرف السياسي في البلاد بالغ الحرج، وهناك حاجة ملحة إلى امتصاص غضب الرأي العام حول كل تقصير في ملف بعينه، لا أن يكون الرئيس المصدر الوحيد لطمأنينة الناس.

وارتبط الحظر الإعلامي على الكثير من وزراء الحكومة بحجة أنهم يفتقدون الحنكة السياسية التي تجعلهم يتحدثون دون الوقوع في سقطات تجعلهم محل سخرية، وقد يورطون النظام في أزمة داخلية أو خارجية كان يمكن تفاديها لو صمتوا.

كما أن تقاعس بعض المسؤولين عن مكاشفة الناس بالقضايا التي تشغل الرأي العام، رغم امتلاكهم أدوات كسب المعركة، يكبد الحكومة خسائر سياسية ويضر بالدولة وصورة الرئيس ويقدم إلى خصومه هدايا لم يكونوا ليصلوا إليها إلّا عبر صمت الحكومة.

ودأبت منابر إعلامية تابعة ومملوكة لجماعة الإخوان على الاصطياد في الماء العكر من خلال توظيف احتقان الشارع بالتوازي مع هروب المسؤولين من المواجهة، للثأر من رأس السلطة إلى حين خروجه في أقرب مناسبة للرد على ما يثار وتفنيد الحقائق وتوضيح الصورة كاملة.

oo

وقاد الصمت الحكومي إلى فتح الباب على مصراعيه لنشر الشائعات، وما يسببه ذلك من بلبلة سياسية، ما يظهر بوضوح في التقرير الصادر مؤخرا عن مركز معلومات مجلس الوزراء، ويفيد بأن العام الماضي فقط شهد قرابة 90 ألف شائعة، معظمها مرتبط بقطاعات خدمية وحيوية.

وقد يؤشّر تهرب المسؤولين في مصر من المواجهة على شعور الكثير منهم بأن الإعلام سوف يدافع عنهم من تلقاء نفسه، سواء تحدثوا إليه أو قاطعوه، بحكم الاصطفاف الإعلامي خلف الحكومة، مع أن السيسي وجه الإعلام بتوخي المهنية في تناوله للقضايا.

وقال جمال أسعد لـ”العرب” إن “غياب الرقابة البرلمانية والإعلامية على المسؤولين ضاعف المشكلات وصدّرها إلى شخص الرئيس، وتحلي الوزراء بالشجاعة في المواجهة يتطلب أولا إعلاما حرا ينقل وجهتي النظر، لا أن يفتح النافذة أمام كل مسؤول ليبرر المشكلة فقط، فهذا خطأ سياسي”.

وتعتقد بعض الدوائر المصرية أن الانتقادات الإعلامية والبرلمانية للحكومة والمطالبة برحيلها، بالتوازي مع غضب الرئيس السيسي من تحمله وحده مسؤولية الدفاع عنها، تمهدان الطريق للخلاص منها بإجراء تغييرات واسعة في حقائبها الخدمية والاقتصادية.

 

اقرأ أيضا:

         • مسار استثماري للعلاقات بين مصر وليبيا

1