"الوجه الآخر".. مسلسل مصري بنكهة هندية هجينة

قصة جريئة جرفها سيل التشتيت والتمطيط المبالغ فيهما.
الخميس 2020/10/01
عشق ممنوع

باتت للدراما الهندية سوق رائجة في الأعمال الدرامية المصرية على الرغم من اختلافها الجذري في الميكانيزمات الدرامية التي وإن كانت تفتقد إلى الحبكات المتقنة في الكثير من الأحيان للخروج عن المألوف، فهي تمتاز عن الهندية بالشخصيات الأقرب إلى الواقع والأحداث التي لا تخضع للشطحات الفنية. والأهم الصناعة نفسها التي يمكن وصفها بالمحافظة دون المغالاة في حركات الكاميرا أو أداء الممثلين والموسيقى التصويرية.

ثمة تغيرات ملحوظة تطرأ على الدراما المصرية، جعلتها ذات نكهة هندية، وتجري تلك التغيرات في موسم لا يصنف كموسم منافسة درامي مثل شهر رمضان، بل هو موسم راكد، ما يضع المشاهد أمام تفسيرين؛ الأول أن صناع الدراما في مصر يختبرون طرقا جديدة في موسم لا تعد المخاطرة فيه مكلفة أو لا يستوجب الإتقان طلبا للصمود أمام أعمال أخرى، أو أنه أمام نوعية من المسلسلات موجهة بالأساس إلى جمهور الدراما الهندية، الذي يختلف عن جمهور المواسم الأوسع والأكثر تنوّعا.

ويعدّ المسلسل المصري “الوجه الآخر” الذي يعرض حاليا على قناة “سي.بي.سي”، مثالا حيا على التهجين الذي يجري على الدراما المصرية. وهو من إنتاج سينرجي، وإخراج سميح النقاش وتأليف فداء الشندويلي، وبطولة ماجد المصري والفنانة السورية نسرين طافش، والشابة ندا موسى، والمخضرمة اللبنانية مادلين طبر.

حركات بلاستيكية

لن يستطيع المشاهد الذي لم يتعرّض من قبل للدراما الهندية الصمود والتعايش مع المسلسل الذي تعد الكاميرات فيه الأكثر حركة، على نحو يتجاوز تعبيرات الممثلين التي جاءت في الأغلب بلاستيكية وثابتة، ولا تتبدل مهما تغيّرت المشاعر المفترض التعبير عنها.

ظهرت عقدة الحاجب التي تنم عن الوجوم مصاحبة للبطل ماجد المصري في أغلب مشاهده، سواء كان المشهد يعكس غضبا أو استياء أو توترا أو حبا، والأمر نفسه بالنسبة للبطلة نسرين طافش، التي تصحبها تعابير معينة في غالبية المشاهد، جعلتها تعجز أحيانا عن إيصال الرسالة المطلوبة إلى المُشاهد.

نسرين طافش قدّمت التعابير ذاتها في غالبية مشاهد العمل، الأمر الذي جعلها لا توفق في أداء دورها المركب

وتبالغ في وضع مستحضرات التجميل، والظهور بالأناقة نفسها، سواء كان والدها توفي قبل قليل في المسلسل، أو تمر بأزمات نفسية وتحوّلات اجتماعية كبيرة.

أما بالنسبة للكاميرات التي كانت تتحرّك بتوجيهات ورؤية المخرج على نحو بهلواني، دون أدنى هدف أو مبرّر، فتتبدل سريعا من الزاوية الواسعة أو المتوسطة إلى القريبة، إلى القريبة للغاية، فيصبح المُشاهد في مواجهة دائمة مع عين الفنان أو أنفه، بل وكثيرا قدمه ويديه فقط، في طريقة مبتذلة للإيهام بأننا أمام حدث جلل، فيما يدور المسلسل في الخواء الفطري والاجتماعي، من ناحية السيناريو والحوار، حيث تغلب عليهما المبالغة الشديدة التي وصلت إلى درجة التشويش.

قد يضطر المشاهد العربي الذي لا يملك رصيدا للتعامل مع تلك الأفعال إلى هجر المسلسل بعد عدة حلقات، أو يتابعه بدافع الفضول، أما بالنسبة للمُشاهد الذي اعتاد رؤية المسلسلات التي تتّسم بالبطء الشديد والمطّ والتطويل من أجل المبالغة، فإنه ينسجم تماما مع مسلسل “الوجه الآخر”، وقد يجد فيه نموذجا لما يريده.

ضل المسلسل طريقه منذ البداية، فعلى الرغم من أنه يتناول خيطا مهما ومميزا، وقلما يتم تناوله في الدراما المصرية ويمكن وصفه بالجريء وهو “زنا المحارم”، فإنه لا ينتبه إلى ذلك الخيط المميز، ويقحمه بل ويفقده في سيل من المبالغات والتشتيت، حيث الأسرتان المتمثلتان في أسرة البطلة، وأسرة البطل، يعيشان مجموعة من الصراعات بين الخيانة والبحث عن المال والنفوذ والأطفال وسط مجموعة من المنافسين.

ومع أن الخيوط الأساسية في القصة تنتمي إلى الدراما الاجتماعية الجذّابة، فإن تصوير العمل ركن إلى الأعمال البوليسية والغموض من باب إثارة الغموض، والذي تسبّب مع البطء في التصوير والأحداث في حالة مضاعفة من المبالغة.

وقفز حد المبالغة مع الموسيقى التصويرية المستخدمة بإسراف غير مبرّر، فما الداعي لأن يتم توظيف موسيقى ضبابية فيما البطل يتحدّث مع شريك أو موظف أو زوجته حديثا طبيعيا، ولا تسبقه أو تتبعه قفزة في الأحداث أو حل للعقدة، الإجابة لا شيء سوى الافتتان بالدراما الهندية في النسخ السيئة المبالغ فيها.

مشكلات لا حصر لها

صراع بين زينتي الحياة الدنيا
صراع بين زينتي الحياة الدنيا 

على مدار 15 حلقة، يجد المشاهد نفسه أمام مجموعة من العقد، والأسرار في حياة والد البطلة: عمل غير مشروع، قتل، ظهور شقيقة للبطلة (ندى موسى)، مشاكل في المعاملات التجارية

لدى يحيى (ماجد المصري)، رغبة في الثأر، وشره للوصول والنفوذ، حلم بالأبوة، صراع خفي بين الإنجاب والمال، ظهور الشقيقة، الوقوع في غرامها، الدخول في علاقة غير شرعية تسفر عن حمل، اكتئاب الشقيقة، التحوّل المفاجئ من حياة الفقر إلى الغنى، الدور الغامض لطبيبها النفسي (أحمد سعيد عبدالغني).. وهكذا.

بدت خيوط المسلسل جيدة وتنطوي على قماشة درامية مفيدة لو تم توظيفها على نحو أبسط ودون تعمد المبالغة في الانفعالات والتطويل، أو تم التركيز على أحدها، مثلا العلاقة غير الشرعية بين الزوج وشقيقة زوجته، التي لم يكن يعلم أنها شقيقتها، حيث قُدّمت له كصديقة، فيما الأخت تعلم، كانت تحتاج تسليط المزيد من الأضواء.

كذلك الصراع بين زينتي الحياة الدنيا “المال” و”البنون”، والذي يقع فيه يحيى منذ الوهلة الأولى، حيث يُقدّم له المال والنفوذ كثمن للاستغناء عن الأطفال أو تقبل عقم الزوجة، وهي ثيمة أخرى مهمة لو جرى التعامل معها بسلاسة فنية وإيقاع أسرع.

كل تلك الخيوط كان يمكن غزلها على نحو أفضل لتنتج عملا ينتمي إلى الدراما المصرية الصافية، ويصنف المسلسل كعمل اجتماعي راق، يتطرّق إلى أزمات حقيقية تضرب عصب المجتمع، لكن لا شيء من هذا وقع.

حركات بهلوانية للكاميرا بلا طائل
حركات بهلوانية للكاميرا بلا طائل

بالغ العمل في الكادرات اللافنية، واختيار زوايا التصوير على نحو يجعل المشاهد يعتقد أن اللقطة المقبلة ستهبط الكاميرا من السماء أو تنشق من الأرض، لا لشيء سوى الاستعراض غير الممنطق، ما أوجد تشابها بالأعمال الهندية ذات النسخ المملة.

تستطيع في مسلسل “الوجه الآخر” أن تصبح متابعا للدراما الهندية دون أن تتعرّض لها مباشرة، فتشاهد لنحو نصف دقيقة حركة وجه الممثل أو يده أو قدمه وهي تمشي، أو هيامه في الأفق، ويمكنك أن تذهب في رحلة مع الكاميرا لترى زوايا لم ترها من قبل، وتشاهد عملا تجاوز في عرضه على الشاشات الـ18 حلقة، ولا تستطيع أن تكتشف حتى الآن القضية التي يناقشها بالضبط.

ويتملك المشاهد الفضول لمعرفة كيف سينتهي الوضع بين يحيى وشقيقة زوجته اللذين جمعهما الفراش، وبات يربط بينهما الجنين، وربما وفق الحبكات الهندية نكتشف أن كل ذلك محض خدعة أو خيال، أو تمتد القصة إلى جزء آخر من العمل.

16