الهيئات الإعلامية في مصر تطارد الدخلاء ملوحة بالمحاسبة الجنائية

إقصاء الدخلاء خطوة نحو إصلاح المنظومة الإعلامية.
الجمعة 2025/05/23
مشهد إعلامي فوضوي

قررت هيئات إعلامية في مصر وضع حد لممارسة المهنة دون تخصص ومنع الدخلاء من التطفل على الشاشات التلفزيونية لضبط الفوضى الإعلامية، وذلك ضمن سلسلة من القرارات الجريئة شملت إيقاف برامج ومنع مذيعين من الظهور الإعلامي لارتكابهم أخطاء مهنية.

القاهرة - أشّر توجه نقابة الإعلاميين في مصر نحو اعتماد لجان قيد جديدة لمقدمي البرامج والمعدين والمراسلين وفرق التحرير بالقنوات، على سعي الهيئات الإعلامية لمطاردة منتحلي الصفة أمام زيادة عدد الدخلاء على المهنة، ما قاد إلى فوضى تجلت ملامحها في ظهور مذيعين ومذيعات ليس لهم علاقة بمهنة الإعلام.

وأعلنت النقابة أنها أرسلت مخاطبات رسمية لجميع وسائل الإعلام الرسمية والخاصة لتقنين أوضاع العاملين سعيا إلى استمرار ضبط المشهد الإعلامي، وضمان أن تكون الرسالة الإعلامية صادقة ومهنية، لذلك سيتم إخضاع من تم اعتماد أوراقهم في القيد لدورات تدريبية تأهيلية بعيدا عن وجود أي دخلاء على المهنة.

وتوعدت نقابة الإعلاميين كل من يتراخى عن تقديم المستندات المطلوبة للقيد وتقنين الأوضاع والحصول على ترخيص مزاولة المهنة، بالتعرض للمساءلة الجنائية، في خطوة تحمل ترهيبا صريحا لمن يمارسون مهنة الإعلام دون وجه حق، أو يتعمدون التخفي داخل بعض القنوات اعتمادا على نفوذ الجهة المالكة للمحطة الفضائية.

وبلغ الأمر حد التلويح بتعرض من يعمل في الإعلام بلا تقنين أوضاعه، أو دون الحصول على ترخيص، للحبس والغرامة استنادا إلى قانون نقابة الإعلاميين الصادر قبل تسع سنوات، وهي نبرة حادة لم يكن أحد يسمع عنها من أي جهة إعلامية معنية بإدارة المشهد سابقا، فيما يبدو أن دوائر حكومية تدعم هذا التوجه بصرامة.

وقال نقيب الإعلاميين طارق سعدة إن هناك توجها لا استثناء فيه لتقنين أوضاع العاملين في جميع الوسائل الإعلامية ومحاربة منتحلي صفة إعلامي وغلق الكيانات الوهمية، مع تطبيق ميثاق شرف إعلامي ومدونة سلوك مهني يتم تفعيلها على مختلف المنتسبين إلى المهنة للقضاء على الفوضى بشكل كلي.

ويحظى ملف القضاء على الدخلاء في الإعلام باهتمام واسع من أبناء المهنة قبل المسؤولين عن إدارة المشهد، لشعورهم بأن الوظيفة أصبحت سيئة السمعة عند شريحة من الجمهور والمسؤولين لإصرار البعض منهم على العمل بطريقة تفتقد الحد الأدنى من المهنية والنزاهة والإصرار على التربح من الوظيفة بشكل غير مشروع.

محمد شومان: منتسبون إلى المهنة بغير حق يتعمدون إثارة الضجيج
محمد شومان: منتسبون إلى المهنة بغير حق يتعمدون إثارة الضجيج

وثمة شبه اتفاق بين العارفين بأمور الإعلام في مصر على أن إقصاء الدخلاء كخطوة نحو إصلاح المنظومة ليس مهمة صعبة أو مستحيلة، المهم توافر إرادة صارمة من الهيئات المعنية بإدارة المشهد، كي يُسمح لأبناء المهنة الحقيقيين بالعمل بعيدا عن أية قيود أو مضايقات، مع توسيع قاعدة تصعيد الكفاءات على حساب المزيفين.

واكتشفت نقابة الإعلاميين أن بعض البرامج التلفزيونية التي ترتكب مخالفة مهنية جسيمة وتثير الرأي العام يكون العاملون فيها ليسوا من الحاصلين على تراخيص مزاولة المهنة، سواء المذيع أو طاقم العمل، وفي كل مرة تكتفي النقابة بإصدار قرار عقابي يقضي بوقف مقدم البرنامج أو حرمانه من العمل لفترة طويلة بأي قناة.

وكانت آخر صدمة عندما ضُبطت مذيعة شهيرة بكميات كبيرة من المخدرات وتبين لاحقا من تحقيقات النيابة العامة أنها حاصلة على الشهادة الابتدائية ورغم ذلك كانت تظهر على الشاشة لسنوات طويلة وتتحدث في كل شيء، ما دفع نقابة الإعلاميين للتبرؤ منها والتحجج بأنها لم تحصل على ترخيص لمزاولة المهنة من قبل.

وقادت الواقعة إلى إثارة غضب جماهيري واسع ضد الهيئات المعنية بإدارة المشهد الإعلامي، كونها لم تتحرك مبكرا لمنع الدخلاء على المهنة من مزاولة العمل، وغض الطرف عن بعض الممارسات الخاطئة بدعوى أن القناة تتبع جهة حكومية أو مملوكة لأحد رجال الأعمال الكبار، وهو ما دفع نقابة الإعلاميين للتحرك لإقصاء الدخلاء.

وأمام حالة الفوضى التي تحدث بسبب بعض البرامج، صارت هناك شريحة جماهيرية معتبرة تطالب الهيئات الإعلامية بالتحري وراء خلفية المذيعين وفرق الإعداد، لأن هناك وقائع يصعب أن يتسبب فيها مقدمو برامج مهنيون أو درسوا الإعلام من قبل، بل إن البعض منهم يتعامل بطريقة توحي بأنه يجهل كل أصوات المهنة.

وأغلب تلك الفئة ممن يعملون في برامج تعمل بسياسة تأجير الهواء، وهذه أصبحت تغزو الكثير من القنوات المصرية بعد أن كانت مقتصرة تقريبا على محطات لا تتمتع بجماهيرية حتى صارت البرامج المدفوعة أقرب إلى ظاهرة ومن السهل أن يقوم أي أحد بالظهور على الشاشة لمجرد أنه يمتلك المال، سواء كان مذيعا أو ضيفا.

والمشكلة الأكبر أن الكثير من مقدمي البرامج غير الحاصلين على تراخيص مزاولة المهنة يستعينون بفرق إعداد من نفس العينة، أي أن المحتوى الذي يقدم إلى الجمهور يفتقد المعايير المهنية ويتعارض إلى حد كبير مع مواثيق الشرف الإعلامي باعتبار أن الوسيط الذي يقدمه إلى الناس (البرنامج) هو في الأصل لا يتبع المهنية.

ولم تعد المشكلة قاصرة على المذيع الذي يخرج على الهواء بأي قناة لمجرد أنه يمتلك قدرة مالية، بل أصبح من السهل على الضيف أن يدفع ليظهر بغض النظر عن تخصصه، وهو نتاج طبيعي لحالة الفوضى التي تجاهد الهيئات الإعلامية للقضاء عليها أو الحد منها قدر الإمكان، وسط تعقيدات إدارية ونفوذ لبعض القنوات.

وضاعف غياب الضوابط الحاكمة لعمل كل برنامج تلفزيوني التأثيرات السلبية على صورة الإعلام المصري محليا وخارجيا، لأن المشاهد لم تعد لديه القدرة على التمييز بين الإعلام الحقيقي ومن يدّعي المهنية، وفُرضت على الجمهور سياسة تحريرية بحاجة إلى معجزة كي تتغير وفق تطلعاته من الإعلام.

◙ هناك توجه لا استثناء فيه لتقنين أوضاع العاملين في جميع الوسائل الإعلامية ومحاربة منتحلي صفة إعلامي وغلق الكيانات الوهمية

وما يلفت الانتباه أن نقابة الإعلاميين والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام أصدرا سلسلة من القرارات الجريئة خلال الأسابيع الأخيرة، شملت إيقاف برامج ومنع مذيعين من الظهور الإعلامي لارتكابهم أخطاء مهنية في قنوات معروفة، لكن ذلك لم يُرهب منتحلي الصفة أو يدفعهم إلى السعي نحو تقنين أوضاعهم أو الخروج من المشهد.

وأكد الخبير الإعلامي محمد شومان أن الدخلاء على الإعلام أساءوا لسمعة المهنة لأن الناس يعنيهم ما يُقدم على الشاشة، ومن الضروري إدخال تعديلات تشريعية تضع معايير محددة وصارمة يجب أن يلتزم بها أي برنامج وتوضح المواثيق التي يعمل في إطارها مع السعي بكل جدية نحو إقصاء الدخلاء لتحل مكانهم الكفاءات.

وأضاف لـ”العرب” أن أزمة بعض المنتسبين إلى المهنة بغير حق أنهم يتعمدون إثارة الضجيج ولفت انتباه الجمهور إليهم بادعاء امتلاك الحقيقة في قضية بعينها، أو تقديم تفسيرات عشوائية حول ملف يكون مثار حديث الرأي العام، بما يزيد الفوضى وسخط الناس على الإعلام دون التفرقة بين ما هو مهني وما هو دخيل على المهنة.

وإذا كانت التحركات الأخيرة لنقابة الإعلاميين محاولة لإثبات الوجود بوضع بصمة إيجابية تؤسس لإعلام مهني، فإن الحكومة مطالبة بأن تكون شريكا أساسيا في ضبط المنظومة بدعم تحركات الجهات المسؤولة عن إدارة المشهد لتكون قادرة على الإصلاح بصرامة وعدم الاكتراث بنفوذ أي قناة، ولو كانت تابعة لجهات داخل الدولة.

5