الهجرة تستنزف الكفاءات الطبية في تونس

عميد الأطباء: 1300 طبيب غادروا البلاد في السنة الماضية.
الثلاثاء 2024/04/02
ظروف العمل الصعبة محليا زادت من معدلات الهجرة

تونس - يعيش قطاع الصحة العمومية سنويا في تونس على وقع موجة هجرة الأطباء الشبان نحو الخارج، ما انعكس سلبا على واقع المؤسسات الاستشفائية المحلية، خصوصا في المناطق الداخلية والجنوب التونسي، وخلّف نقصا واضحا في الإطارات الطبية بتلك المناطق.

وتؤكد أرقام عمادة الأطباء المحلية، أن نحو 80 في المئة من الأطباء الشبان حديثي التخرج يغادرون تونس سنويا، في وقت تتصاعد فيه المطالب بضرورة إيجاد حلول جذرية للظاهرة التي تستنزف الكفاءات الطبية المحلية، وتؤثر على جودة الخدمات الصحية في البلاد.

وتعتبر السوق الأوروبية الممثلة في فرنسا وألمانيا الوجهة الأساسية للأطباء الشبان، تليها دول الخليج وكندا وفق آخر أرقام نشرتها وكالة التعاون الفني في تونس.

وأكد عميد الأطباء الدكتور رضا الضاوي، الاثنين، أن هجرة الأطباء الشبان بدأت في نسق تصاعدي حيث كان العدد في 2018 و2019 يناهز 350 طبيبا ثم ارتفع خلال سنتي 2021 و2022 ليصل إلى 800 طبيب.

وأضاف في تصريح لإذاعة محلية أنه في سنة 2023 بلغ عدد الأطباء الذين غادروا البلاد 1300 طبيب وهو رقم يتطلب دقّ ناقوس الخطر.

فوزي بن عبدالرحمن: القطاع الصحي أصبح غير قادر على تشغيل الأطباء في تونس
فوزي بن عبدالرحمن: القطاع الصحي أصبح غير قادر على تشغيل الأطباء في تونس

وأوضح عميد الأطباء أن تونس بها 4 كليات طب وسنويا يقدر عدد الأطباء المتخرجين منها بحوالي 1800 طبيب مشيرا إلى أن الأطباء في تونس يدرسون 10 سنوات وهو ما جعل عديد الدول تعمل على انتدابهم.

وتشهد هجرة الأطباء التونسيين تزايدا خلال السنوات الأخيرة حيث هاجر سنة 2021 أكثر من 970 طبيبا تونسيا للعمل في الخارج، مقابل 570 طبيبا غادروا تونس للعمل في الخارج خلال سنة 2018، وفق أرقام أعلنت عنها منظمات نقابية.

وأفاد الناشط السياسي ووزير التشغيل السابق فوزي بن عبدالرحمن أن “أهم أسباب هجرة الأطباء في تونس هي السياسات العمومية الفاشلة التي تعتمدها الدولة منذ عقود، وفي الوقت الذي تشكو فيه البلاد من نقص فادح في الأطباء في الجهات الداخلية، تراجعت الدولة عن توظيف الأطباء خصوصا في تلك المناطق”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب أن “المشغّل الرئيسي للأطباء هي الدولة (الصحة العمومية)، لكن القطاع أصبح غير قادر على تشغيلهم، كما أن هناك إجبارية لتوجيههم، ولا توجد صلة بين احتياجات السوق التونسية من الأطباء والتوجيه الجامعي”.

وأشار فوزي بن عبدالرحمن إلى أن “ظروف العمل بالنسبة إلى الأطباء والمستشفيات صعبة، بسبب نقص واضح في التجهيزات والوسائل، بالإضافة إلى ظروف العمل المهنية، حيث يتعرّض الطبيب اليوم للعنف، مع صعوبات بالنسبة إلى تنظيم المرضى والاكتظاظ”.

وأكد الناشط السياسي أن “الهجرة اليوم ليست حكرا على الأطباء الشبان بل أصبحت تستهدف الأطباء الذين لهم خبرة طويلة في الميدان”، لافتا إلى أن “الأجر الشهري الذي يتقاضاه الطبيب في تونس ضعيف بالمقارنة مع أوروبا”.

وأكدت دراسة سابقة للمرصد الوطني للهجرة بتونس (حكومي) أن أكثر من 42 ألف مهندس وطبيب غادروا بلادهم بين 2015 و2020.

وأضافت الدراسة أن “3300 طبيب قد غادروا البلاد في الفترة الممتدة بين 2015 و2020 من أجل فرص عمل بالخارج”.

وقال الباحث في علم الاجتماع فؤاد غربالي إن “أسباب هجرة الأطباء تتعلق أساسا بالنظام العملي في تونس الذي لم يعد يخلق مناخا جذّابا للأطباء، وأصبح الكثير منهم اليوم يبحث عن فرص لتحسين أوضاعه المادية وظروف عملهم، لأن ظروف العمل الحالية أصبحت منفرة، والفضاء الصحي بات منتجا للعنف”.

وأكد لـ”العرب” أنه “على الدولة أن تعود إلى فترة الاستقلال (بعد 1956)، حتى تكون الصحة قاطرة للمجتمع التونسي، وهي حاولت التقليص في بعض الأحيان من اللامساواة الصحية بين الجهات، لكن الخارطة الصحية في البلاد لا تزال مختلفة، وهو ما يندرج في إطار توجهات الدولة منذ الاستقلال”.

ولفت غربالي إلى أن “المناطق الداخلية أصبحت طاردة للأطباء، نظرا إلى ضعف البنية التحتية وغياب أبسط التجهيزات الضرورية في العمل، وبالتالي وجب التفكير في تحسين البنية التحتية مع وضع نظرة شاملة للقطاع بنموذج تنموي جديد”.

وكانت السلطات التونسية قد أكدت سابقا أنها تسعى إلى إرساء نظام يضمن عمل أطبائها في المستشفيات المحلية لفترة معينة قبل السماح لهم بالمغادرة نحو دول أجنبية، وذلك في محاولة لإبطاء وتيرة هجرة الكفاءات.

فؤاد غربالي: ظروف العمل منفّرة، والفضاء الصحي بات منتجا للعنف
فؤاد غربالي: ظروف العمل منفّرة، والفضاء الصحي بات منتجا للعنف

وقال وزير الصحة علي المرابط، في تصريحات إعلامية آنذاك، إن “المقاربة الجديدة تتأسس على أن يُعيد الطبيب القليل للشعب الذي ساهم في تكوينه العلمي”، مؤكدا أن “هذه المسألة معمول بها في جميع بلدان العالم”.

وأثار مشروع قانون قدّمه أعضاء بالبرلمان التونسي لإلزام أطباء الاختصاص الجدد بالعمل في المناطق الداخلية بالبلاد جدلا واسعا في تونس.

وقال نبيه ثابت، رئيس لجنة الصحة بالبرلمان، إن 56 نائبا بالبرلمان قدّموا مشروع قانون يتعلّق بسنّ أحكام استثنائية لتغطية الحاجة الوطنية في مجال طب الاختصاص تُلزم الأطباء المتخرجين حديثا بالعمل في الجهات الداخلية لفترة معينة.

وأوضح أن الجهات الداخلية في البلاد تعاني من عزوف أطباء الاختصاص، مما تسبب في وفاة مرضى في بعض الأحيان، لافتا إلى أنه ” عدد الأطباء الذين يقدمون مطالب للعمل في المناطق الداخلية بقي محدودا ولا يلبي الحاجيات المتأكدة”.

وسبق أن حذر مسؤول نقابي في تونس من تداعيات تواصل ظاهرة هجرة الأطباء، داعيا السلطات إلى اتخاذ “إجراءات عاجلة” لإصلاح أوضاع هذا القطاع.

وقال الكاتب العام للنقابة العامة للأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان للصحة العمومية بتونس عماد خليفي، في تصريح لوكالة الأنباء التونسية، إن 70 من خريجي اختصاص الطب العائلي فقط أجروا مناظرة ختم الاختصاص لعام 2022 من إجمالي 1200 تمت دعوتهم.

ووصف خليفي هجرة الأطباء بـ”النزيف”، مرجعا تصاعد هذه الظاهرة إلى “عدم توفر ظروف ملائمة للعمل في المستشفيات العمومية وصيغ التشغيل الهش ونقص التجهيزات والمعدات الطبية”.

كما أشار إلى أن “ظروف العمل تعتبر متدنية ومتدهورة على مستوى أطباء الخط الأول بسبب النقص الفادح للأطر الطبية الذي ينعكس سلبا على جودة الخدمات”، مؤكدا أن “السلطات لم تقم منذ العام 2016 بتعويض المتقاعدين مما خلق ضغطا في مراكز العمل”.

4