النظام المصري يتمسك بإفشال أي نصر سياسي للسلفيين

حزب النور يطالب باستخدام التقويم الهجري بدلا من التقويم الميلادي.

الأحد 2024/09/08
السلفيون يسعون لكسب ود مؤسسات الدولة

حزب النور يحرص على أن يبدو في الصورة باستمرار بأن يقدم مقترحات أو يعرض مطالب لها صبغة دينية، ويبعث بإشارات إلى أنصاره بأنه موجود ويتفاعل. لكن الحكومة تقف له بالمرصاد وتسعى لإبطال خططه ورغبته في توظيف البعد الديني للالتفاف على مدنية الدولة.

القاهرة - وجه مجلس النواب المصري ضربة جديدة للتيار السلفي بعد أن رفض طلب حزب النور، الذراع السياسية للسلفيين، باستخدام التقويم الهجري بدلا من التقويم الميلادي في حساب مدد الحبس ومواعيد المحاكمات في قانون الإجراءات الجنائية الذي يُناقش داخل البرلمان، ويحظى بدعم رسمي وحزبي وحقوقي، كمحاولة من السلفيين لانتزاع انتصار سياسي.

وقوبل طلب حزب النور برفض جماعي من نواب البرلمان الذين رأوا فيه محاولة لتشويه مدنية الدولة، وهو الموقف الذي أثنى عليه أقباط، لأن التحرك السلفي جاء في توقيت سياسي حرج، أمام اتساع دائرة التحديات، ومن المفترض ألاّ يتم إنهاك الدولة في جدل ديني غير محسوب العواقب.

وترى دوائر سياسية أن النظام المصري متمسك بإفشال أيّ انتصار سياسي للسلفيين على حساب الدولة، وكل طرح يستهدف تطبيق مظاهر إسلامية لا يخلو من محاولات مستميتة من جانب حزب النور لتقديم نفسه مرة أخرى للشارع على أنه ما زال يحتفظ لنفسه بنفوذ وقوة وتستجيب له الحكومة، كي يستثمر ذلك سياسيا.

ويسعى السلفيون بشتى السُبل لانتزع أيّ موافقة من جانب السلطة في مصر لوجود ملامح للدولة الدينية، بدعوى أن الدستور ينص على أن الإسلام مصدر التشريعات، دون اكتراث بأن الرئيس عبدالفتاح السيسي لديه مواقف صارمة من تشويه صورة الدولة المدنية أو إقحام الدين في أيّ قانون مرتبط بتنظيم شؤون المجتمع.

وقفز بعض الأقباط على المشهد بالثناء على موقف البرلمان، والإيحاء بأن السلفيين يستهدفونهم من فرض التقويم الهجري على قانون الإجراءات الجنائية وإلغاء التقويم الميلادي، وهي إشكالية رأى النظام حتمية التصدي لها في مهدها، وغلق الباب تماما أمام أيّ جدل حولها قد يتحول مع الوقت إلى فتنة طائفية عبر استقطاب ديني ملغّم.

نجيب جبرائيل: حل حزب النور مسألة وقت لأنه يهدد مدنية الدولة
نجيب جبرائيل: حل حزب النور مسألة وقت لأنه يهدد مدنية الدولة

وأعلنت منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان التي يرأسها القبطي نجيب جبرائيل أن محاولة فرض السلفيين للتقويم الهجري على قانون جنائي له هدف خبيث بإحياء الدولة الدينية التي بدأها الإخوان والسلفيون وقضت عليهم ثورة 30 يونيو 2013، وهو ما لا يُمكن تكراره لأن هناك جمهورية جديدة تُبنى على أسس من المدنية الكاملة.

وقال نجيب جبرائيل لـ”العرب” إن الأسبوع المقبل سوف يرفع دعوى قضائية لحل حزب النور، وإلغاء وجوده من المشهد السياسي كليا، لأنه مخالف للدستور الذي يحظر إنشاء أحزاب على أساس ديني، وأن الحزب ما زال يتوهم أنه جزء من المعادلة السياسية بحجة أنه دعّم ثورة 30 يونيو ضد الإخوان، وطالما أنه يصر على موقفه فلا بديل عن حله لأغراض وطنية بحتة.

وأكد أن مجلس النواب كان يقظا بالتصدي بقوة لخدعة حزب النور بتحويل هوية مصر إلى إسلامية، ولو من خلال تشريع واحد، لأن ذلك كان سيتم البناء عليه سياسيا مستقبلا، لكن يبدو أن الحزب لم يستوعب الرسالة أو يفهم أن الأغلبية تتمسك بمدنية الدولة، ولن يقبل المجتمع أن تعود بلاده إلى الخلف مرة أخرى.

وتتمسك الحكومة المصرية بالاحتفاظ بمسافة ثابتة مع التيار السلفي دون تجاوزها، حيث تقبل باستمرار حزب النور ككيان سياسي له أذرع إسلامية، دون أن تقدم على خطوة حل الحزب، رغم وجود مادة بالدستور تحظر تأسيس الأحزاب على أساس ديني، لكنها ترسل لهم إشارات بأن الإقصاء النهائي قد يطالهم إذا تجاوزوا المساحة المخصصة لهم.

ويظهر ذلك في عدم وجود ممانعات حكومية أن يقدّم حزب النور مقترحات أو يعرض مطالب لها صبغة دينية، ويبعث بإشارات إلى أنصاره بأنه موجود ويتفاعل، لكن نفس المقترحات والمطالب تواجه برفض جماعي من مجلس النواب كونها لا تتناسب مع مدنية الدولة، مع عدم السماح للحزب بتجاوز تلك الخطوة بالتمرد ضد الحكومة.

ودأب النظام على محاصرة حزب النور في بوتقة صغيرة دون إقصائه كليا، وما بين تجريم الفتاوى لغير المتخصصين وعلى رأسهم السلفيون، أو حظر السماح لشيوخهم باعتلاء المنابر أو ممارسة الجمعيات الشرعية للدعوة، تنوعت أدوات الحصار، مع منحهم هامش حركة كي لا تُتهم الحكومة بأنها تعادي الإسلاميين كلهم.

ويدرك السلفيون تلك المعادلة، ويتعاملون وفق الحدود المسموح بها، بعد أن فقدوا الأمل في امتلاك القوة والنفوذ والشعبية التي تمكنهم من مناكفة النظام والضغط عليه بمبارزته للوصول إلى أطماعهم السياسية، لكنهم تعرضوا لخسائر فادحة جعلتهم يعلمون حتمية التعامل مع السلطة بحسابات دقيقة للحفاظ على الحد الأدنى من البقاء.

◙ الحكومة المصرية تتمسك بالاحتفاظ بمسافة ثابتة مع التيار السلفي حيث تقبل باستمرار حزب النور ككيان سياسي له أذرع إسلامية دون أن تقدم على خطوة حله

ويتفق متخصصون في شؤون جماعات الإسلام السياسي على أن حزب النور وإن بدا أنه يتمسك بإسلامية الدولة، يستخدم هذا الشعار للدعاية السياسية لا أكثر، ويرغب في الإمساك بشعرة معاوية مع النظام إذا أراد الحفاظ على ماء الوجه أمام الجمهور الإسلامي ويصبح بلا سند، فالقواعد الشعبية تآكلت وغير قابلة للترميم.

وإذا حاول الحزب طرح رؤى دينية غير قابلة للتنفيذ على الأرض، فهو يفعل ذلك من باب إثبات الحضور، لأنه يعيش حالة ضعف غير مسبوقة، في ظل تغيرات مجتمعية وسياسية طرأت على الساحة المصرية، ورفض السلطة والشارع معا، بقاء أيّ ملامح أو شواهد نسبية للإسلام السياسي، وتكفي مرارة التجربة التي عاصرتها البلاد وقت حكم الإخوان.

وتعيش مصر أزمات متراكمة تتطلب وحدة الصف الداخلي ومنع أيّ استقطاب سياسي أو ديني يشتت المجتمع ويثير منغصات أمنية، بالتزامن مع تصاعد التهديدات المرتبطة بالحرب على قطاع غزة، واقترابها من الحدود المصرية، بالتوازي مع أزمات اقتصادية تجاهد الحكومة لتجاوزها دون انجرار لمعارك جانبية مرتبطة بمدنية الدولة.

وبقطع النظر عن مآرب حزب النور من استدعاء شعار الدولة الإسلامية، فهناك الكثير من الشواهد أثبتت أن دفاع السلفيين عن تلك القضية لا يرتبط بغيرة دينية أكثر من اعتباره محاولة أخيرة لتحقيق إنجاز يمكن البناء عليه لترميم القواعد الشعبية للحزب قبيل انتخابات المحليات والبرلمان المقرر لها العام المقبل، للحفاظ على الحد الأدنى من استمرارية الحضور السياسي.

3