الناقد السينمائي مهدي عباس يتتبع خصائص السينما العراقية ومميزاتها

السينما العراقية لا تشبه أيّ سينما عربية أو أجنبية أخرى؛ فالحروب المتعاقبة وسياسة الدولة المرتهنة للأحزاب الدينية لطالما جمّدت عملية التطور والارتقاء، وجعلت من هذا الفن أكثر الفنون تأثرا وانحصارا وخسارة لأبنائه. لكن بصيص الأمل لم ينطفئ بعد، فهناك من العراقيين من يبحث ويوثق ويتتبع التجارب السينمائية محاولا الإسهام في إحياء هذا الفن المظلوم وتسليط الضوء عليه.
“موسوعة الممثل في السينما العراقية” هي جديد المؤرخ والناقد السينمائي مهدي عباس، وهي واحدة من الإصدارات السينمائية الرصينة التي دأبت نقابة الفنانين العراقيين على إصدارها، فضلاً عن إصداراتها الأخرى في مجالات المسرح والتشكيل والموسيقى والدراما.
الموسوعة التي جاءت في 276 صفحة من الحجم الوزيري وصدرت بطبعة أنيقة وملونة الغلاف من الدار الجامعية للطباعة والنشر والترجمة في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية، قدمها نقيب الفنانين العراقيين جبار جودي فكتب أن هذه الموسوعة “مشروع فني كبير يقوم به الناقد والمؤرخ السينمائي مهدي عباس في توثيق حركة السينما العراقية بكل مفاصلها خدمة للسينمائيين وعشاق السينما وحفاظاً على إرثنا السينمائي بالوثائق والصور، فقد كانت نقابتنا أول الداعمين له في موسوعاته التي كانت وستكون مرجعاً تاريخياً لكل من يدرس أو يبحث عن معلومات تخص السينما العراقية”.
معلومات قليلة

مهدي عباس يعدّ "مؤسسة في رجل" وأمينًا على حمل راية التوثيق السينمائي
يعد مهدي عباس “مؤسسة في رجل” لما قدمه من مؤلفات عدة كانت امتداداً حيوياً وعضوياً لما قدمه قبله الموثق السينمائي الأول في العراق الراحل أحمد فياض المفرجي من جهود توثيقية وتأسيسية لا يمكن تجاوزها، وكان مهدي عباس أميناً على حمل راية التوثيق السينمائي الراهن في العراق، في مختلف مناحي وجوانب السينما العراقية وتاريخها وأفلامها والعاملين فيها من مختلف الأجيال.
وصارت مؤلفات عباس بمثابة ذاكرة حية وشاملة لكل المنجز السينمائي العراقي، بالرغم من المصاعب والمعاناة التي ربما يعرفها أو لا يعرفها الكثير ممن تناولهم أو تحدث عنهم في مؤلفاته التوثيقية العديدة والمتواصلة والتي بلغت حتى الآن سبعة وعشرين مؤلفاً، من خلال قيامه شخصياً ودون مساعدة من أحد بالبحث والتنقيب والتمحيص والتدقيق في مختلف المصادر التي تنطوي على أية معلومات عن الإنتاج السينمائي، بما في ذلك المقابلات الشخصية مع الأحياء من السينمائيين العراقيين داخل العراق وخارجه.
ويؤكد المؤلف هنا أن أكثر مشكلة واجهته وهو يوثق أسماء الممثلين العراقيين ومسيرة كل واحد منهم هي غياب المعلومات عن الكثير من الفنانين، خاصة أولئك الذين ظهروا في سينما الأربعينات والخمسينات والستينات من القرن الماضي، نظرا لعدم تسليط الضوء عليهم إعلاميا وأكاديميا أو لضياع وثائق وأخبار أفلامهم.
وتوج هذا الجهد التوثيقي الكبير للناقد والمؤرخ السينمائي مهدي عباس بالمنجز الجديد “موسوعة الممثل في السينما العراقيةّ”، والتي جاءت ضمن أربع موسوعات سينمائية “صغيرة” متميزة ومهمة شملت موسوعة “المخرج في الفيلم الروائي الطويل” وموسوعة “مخرجو الأفلام الوثائقية والقصيرة” وموسوعة “الأفلام العراقية الطويلة 1946 - 2020”.
وضمت الموسوعة استعراضا وتوثيقا لتجربة أكثر من 300 ممثل وممثلة ظهروا في الأفلام العراقية الطويلة بما فيها أفلام إقليم كردستان، وتم ترتيبهم حسب حروف الأبجدية العربية، وكان الفنان سامي قفطان صاحب الرصيد الأكبر بحصيلة 27 فيلماً طويلاً وعدد من الأفلام القصيرة بالرغم من مرور ستين عاماً على مشاركته في أول فيلم، يليه الفنانون قاسم الملاك ونزار السامرائي وطعمة التميمي، وغيرهم.
إضافة سينمائية
بالرغم من عدم استمرارية الإنتاج السينمائي وغياب التقاليد السينمائية، ومنها عدم وجود نجوم شباك في السينما العراقية، إلا أن الفنان قاسم الملاك كان الممثل الوحيد الذي يحرص الجمهور على الذهاب إلى دور السينما لمشاهدة أفلامه الكوميدية التي كانت تحقق أعلى الإيرادات في تاريخ السينما العراقية، في حين كانت الفنانة سعدية الزيدي أكثر الفنانات ظهوراً في الأفلام العراقية، تليها فاطمة الربيعي وزهرة الربيعي وغيرهما، بحصيلة تجاوزت الخمسة عشر فيلماً، في حين كانت حصيلة أغلب النجمات الكبيرات قد توقفت عند عشرة أو خمسة أفلام كما هو الحال مع النجمات شذى سالم وسها سالم وليلى محمد وسناء عبدالرحمن.
وأظهرت الموسوعة ذكورية السينما العراقية نسبة إلى كثرة الممثلين الذكور على حساب الممثلات، وهذه المؤشرات ذاتها تنطبق على السينما الكردية (سينما إقليم كردستان العراق).كما تشير الموسوعة إلى عدد من الممثلين العراقيين الذين برعوا في أدوارهم السينمائية فحصدوا جوائز متقدمة في مهرجانات محلية وعربية ودولية، وينطبق ذلك على بعض الأفلام العراقية التي تمكنت هي الأخرى من تبوّؤ مراكز متقدمة وحصد جوائز مهمة أيضاً.

موسوعة الممثل في السينما العراقية ضمت أكثر من ثلاثمئة ممثل ظهروا في الأفلام العراقية بما فيها أفلام كردستان
والناقد والكاتب مهدي عباس من مواليد بعقوبة - ديالى 1955 وحاصل على البكالوريوس في الأدب الإنجليزي من جامعة بغداد في عام 1978، واتجه إلى الكتابة في النقد السينمائي منذ السبعينات، وسبق أن أشرف على صفحات السينما في صحف ومجلات عراقية عدة، وأصدر “عالم السينما”، وهي أول جريدة سينمائية في العراق وكانت أسبوعية، وشارك في لجان فحص النصوص والأفلام والتحكيم لمهرجانات عراقية عدة فضلاً عن أفلام دائرة السينما والمسرح العراقية، وعمل مديراً لتحرير مجلة “السينمائي” العراقية المستقلة وعضواً في الهيئة الإدارية لاتحاد السينمائيين العراقيين ومنظمة السينمائيين العراقيين، وكرم أكثر من مرة، وقام بترجمة حوارات العديد من الأفلام العراقية الطويلة والقصيرة.
وللناقد عدة مؤلفات في مجال السينما منها “دليل الفيلم الروائي العراقي” الذي صدر في عام 1997، و”موسوعة المخرجين العرب في القرن العشرين” (2000)، و”كتابات في السينما العراقية” (2006)، و”جولة مع السينما الكردية” (2009)، و”دليل الفيلم الروائي العراقي” (2010).
وفي مقدمة الموسوعة الجديدة اختار مهدي عباس أن يعبّر عن شكره وامتنانه لكل من أسهم في صدور الموسوعة وساعده على البحث والتدقيق والتوثيق -وفي مقدمتهم نقيب الفنانين العراقيين- على دعم إصدار وطباعة هذه الموسوعة بصورة جميلة وأنيقة فضلاً عن موسوعاته الأخرى، كما شكر بعض الأصدقاء الذين ساندوه في توفير بعض المعلومات المهمة التي ساعدته على إصدار هذه الموسوعة التي تعد إضافة مهمة إلى المكتبة السينمائية العراقية والعربية، أمثال سعد عبدالله وبشتيوان عبدالله.