إسماعيل عبدالله: هناك أزمة مخرج لا أزمة مؤلف

قدم إسماعيل عبدالله، الأمين العام للهيئة العربية للمسرح، العشرات من النصوص المسرحية، التي لاقى الكثير منها نجاحا لافتا وتوج بالعديد من الجوائز. وفي هذا الحوار معه نكتشف آراءه حول الكتابة والإخراج وحول واقع وآفاق المسرح العربي اليوم.
زار بغداد مؤخرا إسماعيل عبدالله، الأمين العام للهيئة العربية للمسرح، في زيارة عمل، لبدء الترتيبات والإجراءات الخاصة باحتضان العراق للدورة الرابعة عشرة لمهرجان المسرح العربي وبمعيته مدير الإدارة العامة بالهيئة ناصر آل علي، ومدير التدريب والتأهيل والمسرح المدرسي ومسؤول المجال الإعلامي غنام غنام، والتقى وزير الثقافة والسياحة والآثار الدكتور أحمد فكاك البدراني، ونقيب الفنانين العراقيين الدكتور جبار جودي، ومدير عام دائرة السينما والمسرح الدكتور أحمد حسن موسى، معبرا عن سعادته بإقامتها للمدة من العاشر وإلى غاية السادس عشر من يناير 2024 بالتعاون مع وزارة الثقافة والسياحة والآثار، ونقابة الفنانين العراقيين، ودائرة السينما والمسرح.
وإسماعيل عبدالله شخصية مسرحية وإعلامية إماراتية وعربية مرموقة. ترأس فريق العمل لتأسيس الهيئة العربية للمسرح منذ الرابع من يونيو 2007، إلى أن تم تأسيسها في العاشر من يناير 2008، وهو رئيس مجلس الأمناء والأمين العام للهيئة العربية للمسرح منذ 2008 إلى الآن، ومدير مهرجان المسرح العربي، وتولى مسؤوليات ومهام عدة في المسرح والإذاعة والتلفزيون الإماراتي، فضلا عن ممارساته الإبداعية في التمثيل والإخراج والتأليف وحصده للعديد من الجوائز والمراكز المتقدمة طوال مسيرته الحافلة بالمنجزات المتنوعة.
وبغية الوقوف على نتائج زيارته لبغداد وما تمخض عنها من انطباعات وقناعات حول الاستعدادات والإمكانات اللوجستية والبنى التحتية وغيرها، وكذلك الخوض في تفاصيل ومؤشرات تجربته المسرحية الإبداعية بما انطوت عليه من محمولات فكرية وجمالية وإبداعية كان هذا الحوار معه.
عودة إلى بغداد
العرب: بداية، ما هي الانطباعات التي خرجت بها من جولتكم بخصوص استعدادات العراق بشكل عام كوزارة وكمؤسسات؟
إسماعيل عبدالله: قبل أن نأتي كنا متفائلين بأننا سنجد الأمور ميسرة في العراق، لأننا نؤمن بوجود بنى تحتية تاريخية، حيث أقيمت خلال الفترة الماضية العديد من المهرجانات إن كانت وطنية أو دولية، وأثبتت من خلال تنظيمها بأنها قادرة على تنظيم كبرى التظاهرات المسرحية الدولية، وبالتالي عندما جئنا تأكدت هذه القناعة.
تقليص الدعم لخمسة ملايين شخص إلى أقل من 50 في المئة وإلى 25 في المئة بالنسبة إلى الملايين الثمانية الآخرين
هناك بنى تحتية مؤهلة، هناك استعداد غير عادي لدى الجهات الشريكة، سواء نقابة الفنانين أم دائرة السينما والمسرح. زيارتنا رفعت سقف طموحاتنا، وسقف انتظاراتنا من هذه الدورة التي نأمل أن تكون دورة فارقة تؤسس لمستوى مهرجان مختلف للدورات القادمة.
العرب: ما الذي سيميز هذه الدورة عن نظيراتها تحديدا؟
إسماعيل عبدالله: للأمانة، أنا لا أريد أن أستبق الأحداث، لأننا نعد، وهذا الخبر لكم حصريا، لملتقى مسرحي عربي يعقد في الشارقة، نأمل أن نتمكن من تنظيمه بعد رمضان مباشرة، وكما تعلم أننا أطلقنا الإستراتيجية العربية للتنمية المسرحية عام 2013، وهي إستراتيجية عشرية، المفترض أنه خلال هذه العشر سنوات استنفذنا المشاريع التي اقترحتها هذه الإستراتيجية، الآن وفي هذا الملتقى سيؤسس إلى عشر سنوات قادمة من العمل المسرحي من خلال الهيئة ومن خلال شراكاتها وتعاونها مع المؤسسات العربية والإقليمية والدولية.
المهرجان أيضا في دورته القادمة سيدخل ضمن هذه النقاشات، ليس لدورة بغداد فقط، ولكن للمهرجان بشكل عام، وأعتقد أن ما سنخرج به من توصية في صياغة هذه الإستراتيجية سيؤدي بالتأكيد إلى إضافات نوعية كثيرة قادمة على المهرجان شكلا ومضمونا.
العرب: خلال هذه الجولة واطلاعكم على كل هذه الأمور، ما الذي أثار انتباهك، تحديدا في اللوجستيك العام؟
إسماعيل عبدالله: الاهتمام غير العادي ومن أعلى المستويات ممثلة بدولة رئيس الوزراء، وهذا موضوع مهم جدا، أن يولي كل هذا الاهتمام بهذه التظاهرة العربية الكبيرة، أن يذلل كل الصعاب التي يمكن أن تعترض طريق تنظيم هذه الدورة، ولو أننا متفائلون حيث لم تكن هناك صعاب، ولكن عندما يهتم رجل بهذا المستوى بهذا المهرجان، فهذا يدعونا إلى التفاؤل، والكرة الآن في ملعبنا نحن بالهيئة العربية للمسرح والمسرحيين العراقيين من خلال تنظيم دورة مختلفة في كل شيء.
إسماعيل عبدلله يقر بأن تجربته الإخراجية كانت في المسرح الجامعي أكثر لأنها كانت حربا ضد التغول الديني
العرب: ما الذي تتوقعه للدورة قياسا إلى كل ما طرحته؟
إسماعيل عبدالله: أنا متفائل بنجاح هذه الدورة، نحن نتكئ على إرث حضاري وإرث تاريخي كبير للمسرح العراقي، هذا المسرح الذي نهلنا من معارفه الكثير وما زلنا نتكئ على هذا الإرث في عملنا المسرحي، تنظيما وإنتاجا، وبالتالي ما يملكه المسرح العراقي يشعرنا بالبهجة والفرح من خلال تنظيم هذه الدورة في العراق، فالجمهور العراقي الذي كنت أتابعه من خلال التظاهرات السابقة التي نظمت في بغداد جمهور غير عادي، فإذا كان حضور الجمهور بهذا العدد وبهذا السقف فهذا أكبر نجاح لهذا المهرجان.
العرب: منذ متى لم تر بغداد؟
إسماعيل عبدالله: أنا لم أزر بغداد منذ عام 2002.
العرب: والآن جئت بعد أكثر من عشرين عاما، ما الذي أثار انتباهك في بغداد؟
إسماعيل عبدالله: تبقى بغداد تمدنا بهذا النفس، بالتأكيد استرجعت ذكريات كثيرة، تألمت كثيرا لهذا الفراق، تألمت في بعدي عنها، وعندما جئت لبغداد شعرت بهذا الدفء الذي كنا بحاجة له، وأنا لا أجامل في قولي هذا، فعندما كان متاحا لي زيارة العراق سابقا، كنا نستمد نفسا جديدا، نستمد محفزا جديدا، لتجويد عملنا والانطلاق به، أعتقد أني استطعت أن أتنفس بما يساعدني في المضي قدما بهذه الأنفاس على مستوى تجربتي أنا شخصيا، وعلاقتي الوجدانية بهذا المكان، وعلى مستوى عملنا نحن أيضا في الهيئة العربية للمسرح.
الإخراج والكتابة
العرب: لننتقل إلى التجربة الإبداعية الشخصية. لماذا المسرح أولا في حياة إسماعيل عبدالله؟
إسماعيل عبدالله: للمسرح فضل كبير علي، وأنا دائما ما أقول هذا الكلام، فمنذ صغري كنت شقيا نوعا ما، منفلتا، هذبني المسرح على يد أحد أساتذتي وأنا في الصف الثالث الابتدائي، أدخلني عنوة إلى المسرح، ولا أدري ما الذي دفعه لذلك، ولكني أعتقد لإيمانه بالمسرح وأنه قادر على التهذيب، أدخلني ضمن فريق التمثيل المسرحي وأنا في الثالث الابتدائي، وبالفعل ساهم المسرح مساهمة كبيرة في تهذيبي بشكل كبير جدا، ومنه شعرت بأنه البيت الذي يمدني بالأمان ويحصّنني لقادم الأيام، واستوعبت الدرس مبكرا، لذلك بقيت علاقتي بالمسرح كالحبل السري واستمرت إلى يومنا هذا. يمكن أن يكون التلفزيون قد اختطفني عنوة للعمل فيه لفترة معينة، ولكني بقيت على اتصال بالمسرح ولم تنقطع تجربتي بالمسرح في الإمارات إلى يومنا هذا.
العرب: أنت جمعت بين الكتابة للمسرح وللسينما وللتلفزيون، أيها أقرب اليك؟
إسماعيل عبدالله: المسرح ثم المسرح ثم المسرح.
العرب: في المسرح، كاتبا، ممثلا، مخرجا، والآن مضت عليك مدة غير قصيرة بترك الإخراج والتفرغ تقريبا للكتابة المسرحية، ما السر في ذلك؟
إسماعيل عبدالله: الإخراج كان محطة مؤقتة، حيث مررنا بفترة من الفترات لم يكن لدينا خريجون أكاديميون، بالتالي اضطررنا إلى أن نمارس التجربة الإخراجية، لكن هي قناعة تولدت لدي بأني لن أكون مخرجا متميزا، وهذا قرار اتخذته بيني وبين نفسي، وبالتالي ابتعدت عن الإخراج فور وصول الدفعة الأولى من الخريجين الأكاديميين في مسرح الإمارات، وجدتهم الأقدر على إدارة هذه الدفة، نحن في هذه المرحلة الانتقالية تحملنا المسؤولية، حاولنا قدر الإمكان لما اكتسبناه من أدوات بسيطة ومعارف في تلك الفترة.
الأمين العام للهيئة العربية للمسرح متفائل بنجاح الدورة الجديدة من مهرجان المسرح العربي التي تستضيفها بغداد
تجربتي الإخراجية كانت في المسرح الجامعي أكثر لأنها كانت حربا ضد التغول الديني الذي كان موجودا في تلك الفترة في الإمارات وفي الجامعة، وبالتالي حاربناهم بسلاح المسرح، فكنت مضطرا إلى أن أمارس تجربة الإخراج في الجامعة، بعدها قدمت تجربتين لفرقتي أيضا، مسرح خورفكان، ولما يسمى بمسرح الإمارات القومي، وهذه كانت تجربة استثنائية، شاركنا بهذا العمل في المهرجان الخليجي الأول لدول مجلس التعاون، وبعدها اتخذت قرارا بأني هنا يجب أن أتوقف عن ممارسة الإخراج وركزت علاقتي بالمسرح من خلال التأليف.
العرب: خلال مسيرتك في التأليف لاحظت أن معظم نصوصك تحظى بالجائزة الأولى لأكثر من دورات المسرح الخليجي أو في دورات أيام الشارقة، ما السر في ذلك؟ وهل كنت تسعى في كتابة أي نص من أجل الجائزة؟
إسماعيل عبدالله: أنا أكتب من أجل الإنسان عموما، ومن أجل قضاياي، من أجل هذا الوجع، بالتالي موضوع الجائزة لم يخطر في بالي يوما من الأيام، لكن أعتقد أن عملي بإخلاص وجدية أكثر وحرص على أن أذهب إلى مناطق جديدة تلامس هذا الوجع للإنسان عموما، ووجعنا بشكل عام كعرب، وبالتالي فالجائزة هي تحصيل حاصل، ولكن هي بلا شك محفز إيجابي مهم جدا لأي مبدع في أن تدفعه إلى ممارسة هذا الفعل المسرحي وعدم التوقف والتجويد أيضا، وكذلك البحث عن الجديد.
العرب: إذا أنت ترى أن النص يشكل عمودا فقريا في وقت يتجه فيه الآن المسرح الحداثوي إلى الصورة، إلى التقنيات، وإلى إدخال عناصر غير مسرحية في صميم العملية المسرحية، ما رأيك في ذلك؟
إسماعيل عبدالله: كل محاولات اغتيال المؤلف في رأيي لن تنجح، ومنذ زمن ليس بالقريب، من أواخر الثمانينات، كانت هناك محاولات عديدة لاغتيال المؤلف، ولكن أنا أعتقد بأن أساس النص المسرحي الكلمة، لكن هذا لا يعني أننا نرفض الرؤى الحداثية، المسرح في النهاية صورة، وبالتالي المشهدية يجب أن تتكامل ما بين رؤية مخرج في بناء صورته وما بين الكلمة وقوتها، وبالتالي يصبح المسرح قادرا على الوصول إلى المشاهد والتأثير به، ولذلك أنا أعتقد بأننا كلما ابتعدنا عن النص كلما افتقدنا إلى صياغة عمل مسرحي قادر على التأثير.
العرب: لماذا تركز في معظم نصوصك على النص الفصيح، أو اللغة العربية الفصيحة؟
إسماعيل عبدالله: أنا متهم بالكتابة بالمحلية أكثر، أنا لدي 35 نصا، 7 نصوص منها فقط بالعربية الفصيحة، والباقي باللهجة المحلية الخليجية.
من حق الجمهور على المسرحيين أن يخاطبوه بلغته مع الاهتمام بضرورة أن نرتقي بهذه باللغة ونجعلها أكثر شاعرية
العرب: وكيف تنظر لهذه المقاربة؟
إسماعيل عبدالله: نحن لدينا مشكلة في التعامل مع اللغة العربية الفصحى، فنحن نشعر أنها أحيانا تشكل حاجزا ما بين ما تريد أن توصله إلى الناس وما بين المتلقي، على اعتبار أنها ليست أسلوب حديثك اليومي، وهذا الحاجز موجود بالأساس، فإذا لم تطوع هذه اللغة بشكل تستطيع أن توصل رسالتك من خلال المشاهد ويتلقاها بشكل جيد، فإنها ستصبح مشكلة، لكن هناك موضوعات تحتاج إلى أن تتعامل معها باللغة الفصيحة، وبالتالي أنت لا تختار، قضيتك هي من تحدد اللغة التي تتعامل معها.
العرب: ولكن حصلت إشكالات مع اللهجات المحلية قياسا إلى اللغة الفصيحة في عدم فهم قطاع واسع من الجمهور غير المعني أو العارف بهذه اللهجة، كيف تحل هذه الإشكالية؟
إسماعيل عبدالله: من حق الجمهور علينا أن نخاطبه بلغته، ولكن كيف علينا أن نرتقي بهذه باللغة، أن نبتعد عن لغة الشارع المحكية البسيطة، ونرتقي بهذه اللغة، أنا في قناعاتي أن المسرح ولد في أحضان الشعر، وأعتقد أن هذه الشاعرية والشعر إن استطعنا تطويقه في نصوص مسرحية من الممكن أن نشكل فارقا في التعاطي مع النص ولغة النص.
العرب: مصادر كتابتك في النص المسرحي، هل هي مصادر عامة، مصادر خاصة، مصادر محلية بحتة، على ماذا تركز؟
إسماعيل عبدالله: مصادر نسجتها خلال تجربة حياتية، وهناك مصادر أخرى، تعتمد على الأدب مثلا، أنا لدي الكثير من المسرحيات اتكأت على روايات عالمية، يعني “السلوقي” مثلا هي رواية لبولي كاكوف، “زوبك” لعزيز نيسين، وكذلك سمفونية “الموت والحياة” واتكأت على رواية “الجنرال”، فعندما يشدني عمل ما وأرى أنه من الممكن أن نسقطه على واقعنا، فبالعكس يكون متكأ مهما لي في صياغة عمل مسرحي، لكن بالتأكيد كل ما مررت به في حياتي شكل هذا الوعي، شكل مفرداتي، شكل كل هذه المكتسبات التي من خلالها يمكن أن أنسج عملا مسرحيا.
العرب: في ضوء هذا كله، هل ترى أن هنالك أزمة في النص المسرحي العربي أم لا توجد؟
هناك إشكالية ما بين من يفكر بصياغة سيناريو أو ما يسمى سيناريو العرض المسرحي لدى المخرج
إسماعيل عبدالله: أنا دائما أقول إن هناك أزمة مخرج، وليست أزمة مؤلف، أزمة بحث، هنالك العديد من المسابقات في التأليف تطلقها هيئات ومؤسسات عديدة، نحن في الهيئة العربية للمسرح نشرك في المسابقات أكثر من 400 نص للصغار والكبار، فهل يعقل في كل هذه النصوص لا توجد نصوص مهمة؟ وهناك مشاركات لكتاب مهمين، وبالتالي هي مشكلة مخرج، ومشكلة هذا الضياع الآن ما بين الاعتماد على النص أو اختيار المؤلف أو رفضه، هذه هي الإشكالية. حتى المخرجون الذين يذهبون اليوم إلى الحداثة حتى وإن اتكأوا على نص مهم تجدهم عبثوا به كثيرا وبالتالي فرغ هذا النص من كل محتواه ومضامينه وما يحمله من رسالة، لذلك أنا أعتقد أنه ليست هنالك أزمة نص، هناك أزمة رؤى، أزمة خيال وأزمة مخرج.
العرب: هنالك توجه إلى المخرج المؤلف، أو المؤلف المخرج، هل أنت على قناعة بذلك، وهل ستلجأ إلى خوض هذه التجربة في يوم ما؟
إسماعيل عبدالله: هناك إشكالية ما بين من يفكر بصياغة سيناريو أو ما يسمى سيناريو العرض المسرحي لدى المخرج، وهذه الأعمال هي التي نتحدث عنها الآن والتي سببت إشكالية، وهذه الحواجز ما بينها وبين المتلقي، وهناك مؤلف يعتمد المخرج على نصه، نص أدبي، ولكن هناك إشكالية، فكثير من هذه التجارب ينتصر فيها المؤلف على المخرج، فتجد الكلمة حاضرة أكثر من الرؤيا، قلة ممن تعاملوا ككتاب ومخرجين استطاعوا أن يشكلوا عملا مسرحيا مختلفا ومبهرا، الأغلبية وقعوا في هذا المطب أن ينتصر فيه المؤلف على المخرج وبالتالي ما كتبه وما نراه ترجمة لما كتب. لا توجد هناك رؤية أخرى تستطيع أن تؤول هذا النص وتذهب به بعيدا.
العرب: إذا أنت لست مع المؤلف المخرج، أو المخرج المؤلف؟
إسماعيل عبدالله: أبدا.
العرب: أين تضع تجربتك أمام تجارب الكتاب المسرحيين العرب والإماراتيين؟
إسماعيل عبدالله: ما زلت أحاول وأتلمس طريقي، أنا تلميذ لكل الكتاب العرب، أنهل من مدارسهم، معارفهم، تبهرني نصوصهم، لذا فأنا أتمنى أن تشكل نصوصي فارقا يوما ما.
العرب: من مجموع نصوصك التي تجاوزت الثلاثين، أي منها تعتز به أكثر ولماذا؟
إسماعيل عبدالله: أعتز بها كلها، وذلك لأنه في التجارب الأولى ومهما كان فيها من النواقص، فإنها تعلمك كيف تتجاوز هذه الأخطاء والسلبيات؟ وبالتالي فكل هذه التجارب أعتز بها، لأنه لا يوجد دافع آخر غير حبي لهذا الموضوع، حبي لمن أتوجه له بالكتابة يدفعني إلى الكتابة.
الإبداع والإدارة

العرب: تكاد تكون أنت الأبرز من بين المسرحيين العرب ممن استلم مهام إستراتيجية قيادية مهمة من أجل أن تكون بوصلة المسرح العربي في مسار أمين، كيف تجمع بين كل هذه المهام الإدارية الإبداعية وبين مهامك ككاتب مهم، وأن توازن بين هذه المهام؟
إسماعيل عبدالله: أنا أدعي أن لدي القدرة على إدارة الوقت، وبالتالي بالإمكان أن تجمع بين الحالة الإبداعية وممارستها وبين العمل الإداري، ولأنه ليس بعيدا عنك، أي غير مفصول عن العمل الإداري، وبالنهاية أعمل للمسرح، وبالتالي تستطيع أن تدير وقتك بشكل تحصل فيه على زمن خاص بك للكتابة ولمواصلة مشروعك، وليس سرا، ففي البدايات أوقفت مشروعي الشخصي أمام هذا المشروع العظيم الذي تشرفت وكلفت بإدارته، ولكن بعد أن استقرت الأمور وبدأت تتضح معالم هذا المشروع عاودت مرة أخرى العمل على مشروعي الخاص.
كما قلت، فقد كنت قد أوقفت هذا المشروع لمدة حتى نستطيع على الأقل أن نعبر بهذا المشروع كل المطبات التي أمامنا، أتصور الآن أن مشروع الهيئة العربية للمسرح بعد أن استطاع أن يقف على رجله أصبح عندي وقت للكتابة.
العرب: هنالك واقع نلمسه أن الشيخ سلطان القاسمي حاكم الشارقة يكاد يكون المسؤول العربي الوحيد الذي يهتم اهتماما خاصا بالمسرح، ما هي مؤشرات الشيخ سلطان في توجهه المسرحي؟
إسماعيل عبدالله: الشيخ سلطان عاشق للمسرح لأنه مسرحي، ويقولها دائما حتى في لقاءاته، بأن هذا المسرح الذي حاول المستعمر في يوم من الأيام أن يغلق كل الأبواب في وجه هذه التجربة في بداياتها بالإمارات، وهي تجربة له هو شخصيا، قال هرب منهم وسكن قلبي، وبالتالي هو عاشق لهذا المسرح، من غير أجندة ومن غير أي شيء يحاول أن يقدم كل ما من شأنه أن يجعل هذا المسرح قادرا على التنفس، لا يزايد ولكنه بالفعل حريص على هذا الموضوع، والدليل أنه في كلمته التي كلف بكتابتها وإلقائها في اليوم العالمي للمسرح عام 2007 اختتم كلمته بشعار مهم جدا: “نحن كبشر زائلون ويبقى المسرح ما بقيت الحياة”، وفور نزوله من على المنصة وجه بتأسيس الهيئة العربية للمسرح، وها أنذا أقدم ما يمكن أن يجعل هذا المسرح قادرا على التنفس وأن يبقى.
النص العراقي نص رزن متميز ومتماسك، هو مدرسة تتعلم منها كيف تلامس الوجع الذي في داخلك
العرب: ونحن الآن نجوس ونتجول في فضاءات المسرح العراقي عن قرب، ما الذي أثار انتباهك في المسرح العراقي؟ ومن هم الذين أثروا في إسماعيل عبدالله؟
إسماعيل عبدالله: أنا تتلمذت على يد كل الأساتذة ابتداء من المرحوم إبراهيم جلال إلى قاسم محمد إلى عوني كرومي إلى جواد الأسدي إلى كل من جاء إلى الإمارات وعمل معنا، كنا قريبين ومطلعين على تجاربهم المسرحية، كل المسرحيين العرب نهلوا من مدرسة المسرح العراقي، وما يبهر الآن هو ظهور جيل جديد حمل الراية بأمانة ومضى بها قدما وحلق بها لآفاق بعيدة بظهور أسماء مهمة ومؤثرة على مستوى الكتابة وعلى مستوى الإخراج والتمثيل، والأسماء عديدة في المسرح العراقي، والحركة النقدية غير عادية، والتجارب المسرحية متطورة حديثة ومتجددة، وهذا يشعرنا بالفخر والأمان والطمأنينة، لذلك فتجارب المسرح العراقي متميزة ومتفردة.
العرب: من خلال هذه الأسماء ومن خلال كل هذه التجارب المسرحية العراقية، ما الذي تتوقف عنده؟
إسماعيل عبدالله: النص العراقي نص رزن متميز ومتماسك، هو مدرسة تتعلم منها كيف تلامس الوجع الذي في داخلك، وكيف تنقله إلى المسرح، بهذه الشاعرية غير العادية، والمتفردة في كتابة النصوص، بهذه اللغة الراقية جدا التي تكتب بها هذه النصوص، بهذه الرشاقة، بهذا البناء الدرامي المتماسك، أنا تبهرني تجربة النص المسرحي العراقي.
العرب: ما جديد الكاتب إسماعيل عبدالله؟
إسماعيل عبدالله: عندي تجربة حديثة قدمتها مع الأستاذ محمد العامري بمسرحية “زقنبوت”، التي فازت بجائزة أفضل عرض في المهرجان الخليجي، وأيضا فاز فيها الأخ محمد العامري بجائزة الإخراج، وفزت أنا بجائزة النص، هذه هي التجربة الأخيرة التي قدمناها والتي سوف تعرض في أيام الشارقة المسرحي.