العراقي منتظر سعدون لـ"العرب": مخدة مسرحية تعالج القيود المكبلة للفرد

المسرح العراقي يثري مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي.
السبت 2022/11/19
المسرح فعل يشبه ممارسه

يحتفي مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي بالعراق، كضيف شرف، يطلع جمهور المسرح على الحراك المسرحي في بلاد الرافدين وتجارب مخرجين شبان استطاعوا أن ينجزوا مسرحا يشبههم انطلاقا من خصوصيات الحياة في العراق، ومتابعتهم لحركة المسرح عربيا وعالميا، بالإضافة إلى تعلمهم من التجارب السابقة وانفتاحهم عليها رغم محدودية الموارد. ومن هؤلاء المخرج منتظر سعدون الذي جمعنا به حوار مقتضب.

يحفل المشهد المسرحي العراقي كما العربي بدماء شابة تؤسس لخطوات إبداعية مغايرة لكنها لا تنفصل عن تاريخ الإبداعات العراقية الرصينة، شكلا ومضمونا، لعمالقة الإبداع المسرحي العراقي محليا وعربيا وعالميا.

هكذا كان موقف نقيب الفنانين العراقيين الدكتور جبار جودي في اقتناص المزيد من الطاقات والكفاءات الإبداعية والعمل على دعمها وتوفير الفرصة لها لتقدم رؤاها وتجاربها عربيا ودوليا، لاسيما مسرحيي المحافظات العراقية في كسر تام للحاجز المصطنع بين المركز متمثلاً بفناني العاصمة وبين فناني الهامش متمثلا بالمحافظات، حيث ستشارك مسرحية “مخدة” دراماتورج وإخراج وسينوغرافيا الفنان الشاب منتظر سعدون من محافظة الديوانية وسط العراق في عرضها العالمي الأول، ضمن مسابقة العروض الكبرى بمهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي في دورته السابعة.

وينعقد المهرجان برئاسة المخرج مازن الغرباوي، بين الخامس والعشرين والثلاثين من نوفمبر الحالي، في مدينة شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية تحت رعاية وزير الثقافة الدكتورة نيفين الكيلاني واللواء أركان حرب خالد فودة محافظ جنوب سيناء.

المسرح العراقي وخصوصا المسرح في المحافظات يفتقر إلى تقنيات بصرية، لذلك لجأت إلى الاقتصاد في أدوات العرض

وتأتي هذه المشاركة النوعية للعراق في إطار احتفاء المهرجان هذا العام بدولة العراق كضيف شرم المهرجان في دورته حيث ستقام فعاليات عدة، ومنها: عقد ندوة عن تاريخ المسرح العراقي ورموزه يتحدث بها حيدر منعثر، وصميم حسب الله، ويديرها الإعلامي عبدالعليم البناء، وتكريم الفنان مازن محمد مصطفى والفنانة زهرة بدن بدرع سميحة أيوب التقديري في حفلي الافتتاح والختام، وكذلك عقد حفلي توقيع لكتابين مهمين أحدهما للناقد والمخرج الدكتور حليم هاتف والكاتب والمخرج منير راضي، واختيار الفنانة آلاء حسين عضوا في لجنة تحكيم المسابقة الكبرى للمهرجان، وإطلاق جائزتين مهمتين باسم الفنان القدير سامي عبدالحميد والمخرج المسرحي الكبير صلاح القصب وغيرها.

والمخرج الشاب منتظر سعدون من مواليد الديوانية عام 1993عشق المسرح منذ نعومة أظافره، وصقل موهبته بالدراسة الأكاديمية في معهد الفنون الجميلة بالديوانية، ومن ثم في كلية الفنون الجميلة بجامعة بابل، وحاليا طالب دراسات عليا (ماجستير) في الكلية ذاتها، وعمل في النشاط المدرسي مشرفا مسرحيا.

ومن الأعمال التي شارك فيها سعدون مؤلفا ومخرجا، مسرحية “الأرملة السوداء” التي حصدت المركز الأول في مهرجان جامعات العراق الثاني المنعقد في البصرة، وأفضل إخراج وأفضل ممثل، وفي مهرجان كلية الفنون الجميلة أفضل عرض متكامل، وفي مهرجان المسرح الجامعي في القاهرة جائزة لجنة التحكيم وتنافست على أفضل سينوغرافيا، ومسرحية “المسلخ” وحصدت أفضل عمل ثان في مهرجان جامعات العراق الثالث في الكوت، وأفضل مخرج في مهرجان كلية الفنون الجميلة في جامعة بابل، ومسرحية “الاختيار” التي حصدت المركز الأول في مهرجان وزارة الشباب والرياضة، فضلا عن مشاركته ممثلا في العديد من المسرحيات ومنها: مسرحية “آدم سز” وحصد عنها أفضل ممثل واعد في مهرجان كلية الفنون الجميلة – بابل شاركت المسرحية في مهرجان شرم الشيخ الدولي الأول، إضافة الى مسرحيات “مارثون” العراق الأول، و”ما تبقى من الوقت”، و”بلا عنوان”، و”ساتر للإيجار”، و”ليلة ماطرة”، و”شواطئ الجنوح”، وغيرها.

وبغية تسليط الضوء على مسرحيته “مخدة” التي يلعب أدوارها الفنانون مصطفى الهلالي، نوفل خالد، علي نوري، حسن كريم، وإضاءة جعفر بشير، وتنفيذ الموسيقى حيدر حليم، كانت لنا جولة من الحوار مع المخرج الشاب سعدون توقفنا فيها عند محطات عدة.

- ما الفكرة التي تنطوي عليها مسرحية “مخدة”؟

“مخدة” هي متواليات زمكانية لأحلام تداخلت مع القلق عبر مراحل حياة إنسان يسكن رأسه الاغتراب منذ الطفولة وحتى عندما تقدم به العمر، وما بين الظل والضوء ترقص مرايا الروح التي لا تستكين وهي تبحث عن خلاصها بعيدا عن قرين الألم الذي لا ينفك يلازمها ويملي عليها خارطة هذا القيد الذي عاش معه الفرد العراقي في سباق مستمر مع الوجع. و”مخدة” هي مجموعة كوابيس تناولت صرخة مخلوق فرانكشتايني قادم من عالم غريب، يدخل في مختبر غير تقليدي يتم خلقه من جديد عن طريق راقص يمثل العالم المثالي، فيصطدم في الأخير ليرى ذلك العالم الغريب الذي أتى منه أفضل بكثير من هذه الفوضى التي شحن من أجلها.

المسرحية تناقش شعور الأفراد بالاغتراب
المسرحية تناقش شعور الأفراد بالاغتراب

- وما المعالجة الإخراجية التي اعتمدتها لنص من توليفك؟ وهل عملت على صياغة العرض باعتبارك مخرجا ودراماتورج للعرض؟

مسرحية “مخدة” ليست تأليفا وإنما هي توليف، لكن حدث خطأ في طريقة إعلان العرض من قبل إدارة مهرجان شرم الشيخ المسرحي، لم أعتمد في هذا العرض أسلوباً معيناً في آلية فرضية العرض وإنما اشتغلت على مرحلة القراءة المفتوحة للعرض كون الإخراج الحديث لم يؤسس إلى خطاب خاص عند كل مخرج، بل ترك المتلقي ليصبح دراماتورج العرض، ويترك الخيار له في كيفية رؤيته لهذا العرض وعلى أي منطقة وأي أسلوب. هذا ما تميزت به عروض مسرح ما بعد الدراما التي بدأت تأخذ حيزا واسعا في عروض المسرح الشبابي، كونها عروض تكسر مفهوم اللغة وتعمل على بث أداءات جسدية تعطي قيمة كلية للعرض، وتعمل على المتغيرات المشهدية في خطاب العرض يتم تركيبها بطريقة بصرية تتشكل وفق منهج معين يعمل عليه المخرج، لذلك لجأت إلى التوليف وليس التأليف كون المونتاج السمعي والبصري داخل فضاء العمل كان حاضرا في كل مشاهد العرض.

- ما الجديد الذي ستقدمه في هذا العرض وبماذا يتميز عن عروضك السابقة؟

لم تختلف هذه التجربة عن العروض التي أنتجتها في السابق كونها كلها دخلت في مضمار التجربة الحديثة، التي حاولت الوصول إليها عن طريق بث مقترحات وفرضيات تتماشى مع المتغيرات التكنولوجية الخطيرة التي أسقطت كل المفاهيم الأخرى، ومواكبة المتغيرات الأيديولوجية التي يعيشها الفرد العراقي من الأنظمة (السياسية، الدينية، الاجتماعية)، التي عصفت بذاكرة شاب عراقي واكب هذه التحولات بطريقة مباشرة.

المسرحية تواكب المتغيرات الأيديولوجية التي يعيشها الفرد العراقي من الأنظمة التي عصفت بذاكرة شاب عراقي واكب هذه التحولات
المسرحية تواكب المتغيرات الأيديولوجية التي يعيشها الفرد العراقي من الأنظمة التي عصفت بذاكرة شاب عراقي واكب هذه التحولات

- وماذا عن خياراتك على صعيد الممثلين وعناصر العرض الأخرى التي تسهم في تكامل صورة العرض؟

اعتمدت في مسرحية “مخدة” على مجموعة شبابية واعدة جدا من طلبة معهد الفنون الجميلة في الديوانية وكلية الفنون الجميلة في بابل، كون هذه الفئة مازالت في بدايتها فيكون طرح منهجك وأسلوبك في الإخراج يسير بشكل أسرع مع الفئة التي ارتقت خشبة المسرح، وخصوصا أن الممثل العراقي لم يتخلص من الكليشيهات في التمثيل، وهذا ما أرفضه بملء الفم، كون المسرح العراقي وخصوصا المسرح في المحافظات يفتقر الى تقنيات بصرية، لذلك لجأت إلى الاقتصاد في أدوات العرض البصرية الأخرى واعتمدت على تشكيل فضاءات متحركة من قبل الممثلين أنفسهم.

- وما الذي تتوقعه لمسرحية “مخدة” في عرضها العالمي الأول ممثلة للمسرح العراقي، ضمن مسابقة العروض الكبرى بشرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي؟

أن تمثل العراق هذا وحده يكفي بأن نفتخر أنا وكادر العرض بهذا المنجز، نحن سنطرح تجربتنا أمام الوفود الأجنبية والعربية الحاضرة، وسنترك الخيار لهم وسننصت لكل ما يريدون قوله، لكني أتمنى وبكل ثقة أن نقدم شيئا مختلفا يحسن تمثيل المسرح العراقي.

- كيف تنظر لدعم نقابة الفنانين العراقيين لمسرحيتك؟

عودتنا النقابة في المدة الأخيرة على هذا الدعم المتواصل لجميع فئات المسرحيين وخصوصا مسرح المحافظات الذي نفتقده بشكل كبير، ولكن الدكتور جبار الجودي ومن معه كسروا هذا الحاجز وجعلوا الكفة متساوية بين المركز والمحافظات لدعم الأعمال المسرحية، لذلك أشكره باسمي وباسم كادر العمل.

14