صالح الفالح لـ"العرب": رهاننا تحويل الشارع إلى فضاء للتعبيرات الحرة

"المسرح والمجتمع" مهرجان يعود بالفنون إلى مسرحها الأول: الشارع.
الاثنين 2025/06/30
التحام الفن بالمجتمع

على غرار دوراته الثلاث السابقة، يواصل مهرجان "المسرح والمجتمع" التونسي تقديم مثال حي على أهمية تشابك الفنون والحوارات الثقافية مع بيئتها ومع الشارع والمواطنين، وهو رهان صعب اختاره منظمو الحدث، ليطوروه في كل دورة، ويواصلوا العمل على الرهان المجتمعي للفعل المسرحي والفني والثقافي عموما.

اختتمت مساء الأحد 29 يونيو الجاري فعاليات الدورة الرابعة من مهرجان “المسرح والمجتمع” الذي ينظمه مركز الفنون الدرامية والركحية بسليانة (شمال غرب تونس).

قدمت هذه الدورة عددا من أهم العروض المسرحية والأدائية التونسية، منها ما كان داخل القاعات ومنها ما عرض في الساحات العامة، إضافة إلى العروض الموسيقية والفنية في الفضاءات المفتوحة، بينما بقي رهان المهرجان الأساسي الورشات المسرحية والفنية في مختلف الفنون، إضافة إلى الجلسات الحوارية التي خصصت هذا العام لنقاش موضوع “الخصوصية الثقافية في التجارب الفنية في تونس.”

عروض وورشات

صالح الفالح: نهدف إلى خلق حراك ثقافي وعلاقات أخرى بين مختلف الفنون
صالح الفالح: نهدف إلى خلق حراك ثقافي وعلاقات أخرى بين مختلف الفنون

عديدة هي العروض التي واكبها جمهور محافظة سليانة بداية بالعرض الفني “lettres sonore” للثنائي إيناس الشعباني ودنيا الحطاب الذي افتتح المهرجان في الـ23 من يونيو، وعرض موسيقى للثنائي نورهان ورؤوف الهداوي، وعرض خولة الطاوس الغنائي.

أما العروض المسرحية فقد قدمت عددا من أبرز الإنتاجات التونسية، نذكر منها بداية مسرحية “عطيل وبعد” للمخرج حمادي الوهايبي، ومسرحيات “آخر مرة” لوفاء الطبوبي، و“تحت الضغط” لريان القيرواني و”لعفرتة” ليوسف مارس، وعرض الرقص المسرحي “نفس” لأمل العويني.

ويؤكد المهرجان رهانه على الورشات الفنية التي باتت تقليدا سنويا، إذ قدم ورشة “الكتابة العرائسية من التصور إلى التنفيذ” تأطير الفنان العرائسي وليد الوسيعي، كما نظم تربص “Le MIME” تأطير الفنان خالد بوزيد، وتربص “voix et corps” (صوت وجسد) تأطير الفنانة رانيا الجديدي.

حول المهرجان تحدث الممثل التونسي مهذب الرميلي أحد أبطال مسرحية “عطيل وبعد” قائلا، “هذه الدورة الرابعة وأنا سعيد جدا بتواجدي فيها. ليست المرة الأولى التي أشارك في هذا المهرجان الذي يتطور من دورة إلى أخرى، رغم بعض الثغرات، فهو في النهاية عمل إنساني وليس من السهل تأسيس مهرجان بهذا الحجم والعمق على مستوى الطرح والإشكاليات التي يتناولها في علاقة بالواقع الثقافي في تونس.”

وأضاف الرميلي، “هناك مصداقية كبيرة في التعامل مع القضايا التي يطرحها المهرجان. قدمنا مسرحية ‘عطيل وبعد‘ إخراج حمادي الوهايبي وإنتاج المركز الثقافي الدولي بالحمامات.”

وعدد الممثل مشاركات العرض الناجحة بداية من افتتاح مهرجان الحمامات الدولي في دورته الفارطة واختتام أيام قرطاج المسرحية علاوة على مشاركته المميزة في مهرجان بغداد الدولي للمسرح، ونيله جائزة أفضل نص لكاتبه بوكثير دومة وأفضل ممثل له.

وواكب العروض جمهور من مختلف الشرائح مثل المهرجان بالنسبة إليهم حدثا استثنائيا خاصة في الفعاليات التي قدمت في الفضاءات المفتوحة، كما كان الإقبال على الورشات والتربصات دليلا على اهتمام الأجيال الجديدة بالمسرح الذي يراهن المهرجان على تقريبه منهم.

الفن والمواطنة

مهذب الرميلي: ليس من السهل تأسيس مهرجان بهذا الحجم والعمق في الطرح
مهذب الرميلي: ليس من السهل تأسيس مهرجان بهذا الحجم والعمق في الطرح

في حديثه لـ”العرب” يقول مدير مركز الفنون الدرامية والركحية بسليانة المخرج المسرحي صالح الفالح، “هذه السنة ركزنا على ثلاثة عناصر أساسية ألا وهي المختبرات أي التدريب، وخاصة منه الموجه للناشئة وحتى للكهول من هواة المسرح، وهذا تدعيم لبرامج مختبرات ننظمها على طول السنة، والغاية أولا خلق حراك ثقافي حقيقي وخلق مشاريع فنانين في المستقبل وأيضا التفكير في الجماليات الجديدة من خلال فعل التجريب والبحث.”

ويضيف، “ثانيا حاولنا التركيز بالأساس على الحوارات الثقافية وخاصة من خلال الثيمة المطروحة ‘الخصوصية الثقافية في التجارب الفنية في تونس‘ وهي ستكون مشروع عمل على امتداد السنة مع مؤسسات جامعية في الفنون المسرحية والفنون التشكيلية وغيرها، لإنتاج جملة من الدراسات أو الكتب ونشرها أو محامل مرئية كأفلام، والغاية من ذلك خلق تشابك بين جملة من الاختصاصات بين الفنانين والباحثين، وهذا مهم أن نخلق حراكا ثقافيا وعلاقات أخرى بين مختلف الفنون والاختصاصات في الجهة أو خارجها لخلق مباحث حقيقية جديدة.”

ويبيّن الفالح أنه تم أيضا التركيز بالأساس على العروض الموسيقية أن تكون موسيقى بديلة، موسيقى تعتني بقضايا الإنسان على المستوى المحلي أو ما يقع في العالم باعتبار أننا نرى أن الموسيقى علاوة على الجانب الطربي الترفيهي يمكن لها أن تكون ملتزمة بقضايا المجتمع. بينما يشدد على أن الجانب الرئيسي للمهرجان هو العروض المسرحية، وقد تم انتقاء المسرحيات المرتبطة بقضايا المجتمع وأيضا الخصوصيات الجهوية.

المهرجان يقدم أهم العروض المسرحية والأدائية والفنية التونسية في فضاءات مفتوحة ويراهن على خلق حراك ثقافي حقيقي

ويواصل المخرج المسرحي ومدير المركز، “حلمنا وطموحنا في هذا الحدث أن المشاريع التي نقدمها تكون مرتبطة بالمهرجان، أي أن تكون لنا موارد مالية للمهرجان من خلال الشراكات أو وزارة الثقافة أو بعض الجمعيات لننتج أعمالا خاصة بالمهرجان، أعمالا مسرحية بالأساس أو حتى أعمالا تتداخل فيها فنون أخرى مع المسرح.”

ويشدد على أن هذه الأعمال التي يطمح المهرجان لإنتاجها ستكون وفق ثيمات معينة، وتكون تجريبية تقوم على التجديد وتطرح مقاربات أخرى تتجاوز العروض الجاهزة التقليدية، ويكون لها نفس مختلف مرتبط بالمكان وبيئته. مضيفا، “يمكن أن تكون مشاريع لمسرحيات أو عروض فنية تفاعلية.”

ويتابع صالح الفالح، “الطموح الآخر هو تطوير المهرجان أكثر، بالعودة إلى الفكرة الأساسية التي انطلق منها، أن الشارع ليس فقط فضاء لنقدم فيه العروض الموسيقية أو المسرحية أو عروض السيرك فقط، وإنما هو فضاء لتنظيم لقاءات مع المثقفين والمختصين في بعض العلوم الإنسانية، للقيام بحوارات حقيقية مع المواطنين في الشارع والاستماع لهم، لخلق مواطن مسؤول، مواطن يعبر، مواطن حر، له الوعي بمشاكله وقضاياه يحاول تفكيكها وتحليلها وفهم أسبابها، فيصبح بذلك الشارع فرصة للتعبيرات الحرة.”

13