"الموج الأسود" معرض بحريني يلتفت للمهمل ويعيده إلى المتن

الفنان التشكيلي زهير السعيد يتأمل جزيرة البحرين، ليتعاطى مع البحر بمفهومه الدلالي الكبير، ليصل من خلال مجموعة أسئلته الفنية لتشكيل أعمال تمثّل الدمار الشامل في البحر.
الثلاثاء 2019/03/12
كائنات بلاستيكية كاتمة للأنفاس

يشتغل الفنان البحريني زهير السعيد على مجموعة مسارات فنية تنطلق جميعها من رغبته المتجددة في تقديم مشروعه بصورة ثورية تدق أسئلتها العالية في ذاكرة المتلقي، فهو يستعير من الأرشيف اليومي مفرداته الفنية، ويقدّمها بعيدا عن حالاتها الكلاسيكية داخل اللوحة والبرواز، إنه -على الدوام- يجرّب ملامسة القضايا الواقعية بما يستنبطهُ من مواد خام، حيث أكثر الأشياء إهمالا وهامشية، هي الأصدق في التعبير عمّا نعيش ونشعر.

المنامة- في تجربة “الموج الأسود” التي انطلقت مؤخرا في جمعية البحرين للفنون التشكيلية بالمنامة، يخرج الفنان التشكيلي البحريني زهير السعيد بأدواته الفنية ناحية معالجة جمالية للبيئة المحيطة بالفنان، فهو يستشعر مقدار الدمار والقبح والفوضى التي خلفتها الآلة التقنية على بكارة الأرض وجمالها الطبيعي، حيث خلفت التكنولوجيا -بالإضافة إلى ثقافة الإنسان السلبية- تراكمات على الأرض وعلى البحر.

من هنا يتأمل السعيد جزيرة البحرين بامتدادها الجغرافي الصغير، ليتعاطى مع البحر بمفهومه الدلالي الكبير، ليصل من خلال مجموعة أسئلته الفنية لتشكيل أعمال تمثّل الدمار الشامل في البحر.

ويقول السعيد عن تجربة “الموج الأسود”، “ماذا لو جدّف البحر في الاتجاه المعاكس نحو اليابسة؟ أيّ أن الكائنات ستطلع من عمق المياه باتجاه أمكنتنا؟ ماذا سيُهدينا بحر ندفن فيه كل ما يفيض عن احتياجاتنا، ممّا نريد التخلّص منه، وممّا لا يصلح لاستخدام إضافي في الحياةِ؟

زهير السعيد: الموت الذي نبعثه باتجاه الحياة البحرية لن ينتهي، بل سيعود كائنا مشوها
زهير السعيد: الموت الذي نبعثه باتجاه الحياة البحرية لن ينتهي، بل سيعود كائنا مشوها

ماذا لو مُنحت روح لكل ما تخلصنا منه، فأيّ الكائنات التي ستجيء، وماذا ستحمل معها؟ كيف ستشكّلها البقايا؟ ماذا ستحمل من ملمس البلاستيك؟ أيّ لون ستختار كي تشرح كيف غرقت بداخلها الحياة، وكيف استبدلت مرأى الأزرق بالعتمة؟ ما يمكن أن تقوله تلك الكائنات الجديدة، من اللّامبالاة التي تُدير فيها الإنسانية ظهرها للبحر عبر ممارسات لا واعية تنفض كل يوم فيها 8 ملايين قطعة بلاستيكية إلى المحيطات والبحار”.

من ذلك كلّه، يُوجد السعيد إعادة خلق مغايرة، يستعير فيها من البحرِ ما يفيض من مخلّفاته ويعيد تصنيع أعواد البلاستيك بحس الفنّان كي يجعلنا نصغي لاختناق البحر، يقول “هذا الموتُ الذي نبعثه باتجاه الحياة البحرية لن ينتهي، بل سيعود كائنا مشوّها من عتمة، هي تلويحة (الموجُ الأسود) بالغرق الأخير”.

هذه الأسئلة في قاموس السعيد لا تفتش عن أجوبة، وإنما تنطلق بين يدي الفنان على شكل سرديات فنية يقاربها بقبح المنظر البحري في الشواطئ، ومآلات الجمال تحت سلطة الإنسان المخرّب.

وعن المعرض يحدثنا الفنان السعودي زمان جاسم قائلا “الموج الأسود، تجربة تترك بعض التساؤلات عمّا يخفيه بواطن العوالم من حولنا للتحوّل لـ(ماذا لو؟)، ليس البحر ولا موجه من يطرح هذا السؤال، بل الكثير من زوايا الحياة التي قد تكون مخفية على بعضنا، وهناك من أدركها كما في الموج الأسود على مستوى التجربة التشكيلة”.

ويضيف “هناك عنصر واحد في التجربة حوّل إلى منجز بصري على لوحة مشدودة وكتلة مجسمة أشبة بقنديل البحر، اقترب منا أكثر ليكون على شاطئ الصالة معلقا أو معروضا كتمثال بخامات البلاستيك التي نتعامل معها بشكل يومي، ولا ندرك تأثيرها السلبي على هذه الأرض.. بساطة العمل ونضوج الفكرة خلقت تفاعلا حيا للمشاهد، فهل نحن مدركون لخطورة الأمر”.
الجدير ذكره أن المشهد التشكيلي البحريني يشهد حركة فنية مستمرة على أيدي فنانين من جيل الشباب، أمثال زهير السعيد وأحمد عنان وعلي حسين ميرزا ومحسن المبارك والعديد من الفنانين الآخرين، استطاعوا أن يقلبوا المعادلة الفنية عبر مجموعة أعمال غير تقليدية، تقدّم المشهد البحريني بصورة مغايرة عن بقية تجارب الخليج العربي.

Thumbnail
16