الموت يغيّب عميد الرواية الخليجية إسماعيل فهد إسماعيل

الكويت - برحيل الروائي إسماعيل فهد إسماعيل يوم أمس الثلاثاء، عن عمر ناهز 78 عاما، فقد الأدب الكويتي والعربي إحدى العلامات الروائية البارزة، فهو يعد المؤسس الحقيقي لفن الرواية في الكويت، وقد عُرف بغزارة إنتاجه في مجال الرواية والقصة القصيرة والمسرح والدراسة النقدية، حيث صدرت له 27 رواية، كانت الأولى بعنوان “كانت السماء زرقاء” (1970)، والأخيرة بعنوان “السبيليات” (2015).
مشروع دائب
حصل إسماعيل على بكالوريوس أدب ونقد من المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت. وعمل في مجال التدريس وإدارة الوسائل التعليمية، وأدار شركة للإنتاج الفني. وقد حرص، منذ صباه، على قراءة القصص الشعبية والكتابات الوجودية، إلى جانب العديد من الروايات العربية والعالمية وتأثر بحكايات ألف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة، وكتاب الأغاني، وأعمال جبران خليل جبران، ومحمد عبدالحليم عبدالله، ومال إلى الشعر بداية، ثم تحول إلى كتابة القصة.
عاش في العراق مدة ربع قرن، وكانت أغلب رواياته عن الواقع العراقي، الذي عبر عنه بصدق؛ راسماً المشاعر الإنسانية، وواصفا شخصياته بشكل بالغ الدقة. وحين عاد إلى الكويت معلما عاملوه على أنه عراقي مع علمهم بأنه كويتي.
قال عن نفسه ذات مرة “أنا مشروع دائب وقلق كي أكون فعالا في زمني وبيئتي، وأنا أغص، وأبحلق في قاع مرآتي الموشورية، فأجد هذا المشروع مطوقاً بالصعاب، مهدوداً بالشكوك والوساوس. لا تكفيني فعالية الشاهد على الزور والدجل. أريد أيضا فعالية الذي يقاتل ماديا ويوميا ضد الزور والدجل، وهنا بدأ بحثي الدائب عن الكلمة- الفعل، كلمة عارية كثيفة تكشف الواقع وتغيره”.
روائي محب للإبداع، متصوف في صومعته، ولذلك كان أقرب أدباء الكويت إلى جيل الشباب مؤمنا فقط بالإبداع لا غير
تحولت الكتابة عنده إلى احتراف منذ أعوامها العشرة الأولى، وقال إن تأثره بالسينما من خلال إلغاء دور الراوي، وترك الحدث يعرض نفسه فلفت إليه اهتمام بعض النقاد الحداثيين، في حين نعته الكثيرون بالغموض، وعدم امتلاك ناصية التعبير بالشكل المطلوب.
كانت بدايته متواضعة، لكنها طموحة، وقد كشفت مجموعة القصصية الأولى “البقعة الداكنة” عن كونها محطة جعلته يفكر بضرورة استيفاء شروطه الثقافية والفنية، فأخذ يستبعد فكرة النشر وينكب على القراءة أكثر.
أما الانطلاقة الحقيقية لتجربته الإبداعية فقد تمثلت في روايته الأولى “كانت السماء زرقاء”، التي تُعد البداية الفنية الحقيقية له، فقد صدَّر صلاح عبدالصبور الرواية بمقدمة أشار فيها إلى أن هذه الرواية تعد من أهم الروايات التي صدرت في أدبنا العربي في ذلك الحين، وقال عنها: “هذه الرواية لن تمتع القارئ المتعجل، لكنها ستزعج القارئ المخلص الرصين إلى التفكير”.
بوفاة إسماعيل فهد إسماعيل تفقد الساحة الأدبية العربية واحدا من أهم كتابها، الذي نعاه جل الأدباء والمثقفين العرب.
في اتصال هاتفي أجرته “العرب” مع الشاعر الكويتي دخيل الخليفة، وهو أحد أصدقاء الراحل المقربين يقول “إنه غياب يصعب تعويضه إبداعيا وإنسانيا، رأيت إسماعيل فهد للمرة الأولى في العام 1989، لكنني صافحته في العام 1994، حينما أهديته ديواني الأول لتمتد صداقة بيننا عمرها 24 عاماً، كان خلالها قلب إسماعيل وطن المحبة الذي يلم غربة المثقف.
في الموسم الثالث لملتقى الثلاثاء الثقافي انتقلنا إلى مكتب إسماعيل فهد، واستضفنا خيرة المبدعين العرب، مستفيدين من علاقاته الواسعة. استمر أبا روحيا لنا، وللملتقى حتى الموسم الأخير في العام 2014.
في أغلب خلافاتنا كان قلب إسماعيل الخيمة التي نخرج منها متصالحين مبتسمين. قلبه (بيته) الذي كان مساء كل سبت يجمع الأدباء العرب والكويتيين لمناقشة الوضع الثقافي ونشاط ملتقى الثلاثاء”.
المتصوف صديق الشباب
من جانبه نعى الشاعر المصري نادي حافظ المقيم في الكويت الراحل بقوله “إسماعيل فهد إسماعيل ليس مجرد كاتب، فهو قبل هذا الامتياز المستحق، إنسان كبير، وكما استطاع في كتاباته الرائدة، أن يعبر عن آمالك وأشواقك وأحلامك وآلامك، كان في الواقع يملك قدرة نادرة على الاحتواء والعطاء والأبوة والمحبة والتسامح مع كل من يعرفهم. كان إنساناً كبيراً ورائعاً في الحياة، كما كان علماً في الرواية والإبداع.
من عاشر إسماعيل يعرف أنه بسيط، ودود، مثقف موسوعي، متقبل لكل المختلفين معه، محب للإبداع، متصوف في صومعته، لذلك كان أقرب أدباء الكويت إلى جيل الشباب، وأكثرهم تأثيراً في كتاباتهم، وقدوتهم في الزهد في مظاهر الحياة، والإخلاص للإبداع وحده باعتباره الأبقى”.
وعبّر الناقد والروائي السعودي عيد الناصر عن رحيل إسماعيل بالقول “حياة الراحل وإبداعاته تجربة تستحق الكثير من الدراسة والتأمل. قرأت أغلب كتاباته، ولكن الأهم من كل ذلك هو علاقاته الإنسانية في تعاطيه مع من هم حوله. التقيته مرة واحدة في إحدى أمسيات مهرجان ‘الدوخلة’ شرق السعودية، ولمست التواضع الجم للرجل وشفافيته، وسمعت الكثير عن اهتمامه بجيل الشباب من كتاب القصة والرواية، ودعمه لهم معنوياً، بالإضافة إلى تقديم الرأي والنصح. هذه صفات رجل كريم وخلوق جداً، رجل لم تحوله شهرته كقاص وروائي إلى طاووس، كما يفعل بعض المحسوبين على الوسط الثقافي”.
وفي مداخلة مع الشاعر العماني طالب المعمري، قال “يشكّل رحيل الأستاذ الروائي إسماعيل فهد إسماعيل صدمة لنا، في هذه اللحظة المفصلية، من تاريخ المنطقة. فلترقد بسلام أيها المبدع المجدد، ولروحك الوفيّة الراحة والاطمئنان. لتكن كلماتك في عمقها ومدلولاتها انبعاث العنقاء من الرماد. ها أنت ترحل، لكن ‘البقعة الداكنة’ تظللها ‘سماؤك الزرقاء’. صمت لهذا الرحيل. صمت لروحك في لحظة الوداع”.
وفي حديثها مع “العرب” أكّدت الروائية السعودية زهراء الغانم وجهة نظر صلاح عبدالصبور في تجربة إسماعيل الروائية، وقالت “إسماعيل فهد إسماعيل فنان وروائي مبدع، ولد في العراق في البصرة، واستقر في الكويت، تنوعت مؤلفاته بين تأليف القصص والرواية والدراسات، إلا أن جل مؤلفاته انصبت على جانب الرواية، وحين قدم روايته الأولى ‘كانت السماء زرقاء’ في عام 1970 أثارت الدهشة في الأوساط الأدبية العربية، وذلك لعدم وجود تقاليد روائية ثابتة، في حين جاءت روايته حديثة ومعاصرة لزمنها ومتكاملة البناء الفني، في الوقت ذاته كان الاهتمام في دول الخليج وتحديدا في فترة السبعينات منصبا على جماليات الشعر، وبعيدا كل البعد عن فن الرواية، لذا فقد عد بحق مؤسسا للفن الروائي الكويتي”.