المغرب يطلق هيئة فسخ الديون لتسوية القروض المتعسرة

حاولت الحكومة المغربية إيجاد حلول لمواجهة الديون المتعثرة بالنسبة إلى المصارف عبر تفكيك العقبات القانونية والإجرائية لمعاجلة هذه الأزمة، وضبط مشروع هيئة تتولى تسوية القروض المتعسرة حيث تأتي الخطوة في ظل توقف نسبي لبعض الأنشطة الاقتصادية وانخفاض المعاملات بفعل جائحة كورونا.
الرباط - أطلق المغرب مشروع “هيئة فسخ الديون” لتسوية إشكاليات الدين المتعلقة بالمصارف، التي سجلت تراجعا في المعاملات مما أثر على أدائها العام، في ظل توقف عدد كبير من العملاء عن سداد أقساط القروض فضلا عن ضغوط تحمل الدولة والقطاع المصرفي للتكلفة الكاملة للفوائد العرضية الناتجة عن تأجيل سداد قروض السكن والاستهلاك خلال ذروة الأزمة الصحية.
وفي هذا الإطار قال عبداللطيف الجواهري محافظ بنك المغرب المركزي، إن مشروع “هيئة فسخ الديون”، المتعلق بالديون المتعثرة للمصارف المغربية على الطريق الصحيح، موضحا أن هذا المشروع معقد للغاية، نظرا للجوانب القانونية والمالية والمؤسساتية المرتبطة به.
وسجل الجواهري، في لقاء صحافي عقب الاجتماع الفصلي الأول لبنك المغرب لسنة 2021، أنه على المستوى القانوني “سيكون من الضروري مراجعة عدد من أحكام قانون الالتزامات والعقود، وكذلك القانون التجاري”، مشيرا إلى أن الشق المؤسساتي يشمل جميع التشريعات التي تخص تحويل الديون إلى هيئة ما، وكذلك وسائل وقواعد تحصيلها.
ولفت الخبير الاقتصادي رشيد الساري أن “المصارف المغربية وفي ظل الفراغ الذي تعيشه المنظومة التشريعية والجبائية تلجأ إلى مؤسسات خاصة أو توكل محامين للقيام بعملية استخلاص الديون لذلك، وإلى أن ترى هذه الهيئة النور يجب مراجعة قانون العقود والالتزامات من جهة ومنظومة الجبايات الخاصة بالنسبة للقروض التي تم إلغاؤها من طرف المصارف لعسر في استرجاعها”.
وأوضح الساري في تصريح لـ”العرب”، أن مشروع إنشاء هيئة فسخ الديون ليس وليد اللحظة بل تمت مناقشته والإعداد له منذ أكثر من ثلاث سنوات، وهو يرمي بالأساس لتوكيل المصارف لهيئة خاصة تتولى استخلاص ما بذمة عملائها الذين تعذر عليهم أداء المتأخرات لمدة تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر.
وحسب البنك المركزي المغربي، فإن الديون المتعثرة أصبحت تمثل 7.7 في المئة من مجموع القروض، أي ما يعادل 10 في المئة لدى الشركات، ونحو 8 في المئة لدى الأسر.
وبلغت نسبة الديون المتعثرة أكثر من 20 في المئة في كل من قطاع النسيج والسياحة ومواد البناء، بحسب محافظ بنك المغرب، مضيفا، “استدعت هذه الديون تخصيص مؤونات بلغت حوالي 57 مليار درهم، (6.3 مليار دولار)”.
أما على المستوى الضريبي، أوضح الجواهري أن الأمر يتعلق بالمخصصات، و”تقبل أنه لا ينبغي أخذ تلك التي تم تشكيلها في الاعتبار”، مشيرا في هذا السياق إلى أن البنك المركزي يتدارس هذه النقطة مع مديرية الضرائب.
وفي سياق تباطؤ النمو الاقتصادي، أشار بنك المغرب في تقريره السنوي، إلى أن القروض المتعثرة الأداء تنامت لتصل إلى 70 مليار درهم (7.7 مليار دولار)، لترتفع بذلك نسبة التخلف عن الأداء إلى 7.5 في المئة.
وبلغت نسبة ارتفاع القروض البنكية المقدمة للقطاع غير المالي حوالي 4.8 في المئة، بفعل تسارع القروض الممنوحة للمقاولات إلى 5.6 في المئة، وتباطؤ تلك المقدمة إلى الأسر إلى 3.6 في المئة.
ويعتقد الساري أنه بالنسبة إلى توقيت الإعلان على هذه الهيئة فإنه لا علاقة له بالفترة الحرجة التي تمر منها مجموعة من الشركات لأن إنشاء الهيئة يتطلب مجموعة من الشروط لكن الهدف هو الاستعداد لمرحلة ما بعد كورونا.
وأضاف الساري أن هذا المشروع سيجنب المصارف المغربية تكبد خسائر كبيرة كما سيجعل من الشركات وطالبي القروض يفكرون جيدا قبل اللجوء إلى طلب القروض.
وأوضح المسؤول البنكي الجواهري، أن “عملية تحصيل الديون المصرفية، تواجه مجموعة من الصعوبات، خاصة أن الإجراءات القضائية لا تسهل حلّ مشكلة الديون المتعثرة”.
ويرى خبراء المالية، أن الوضع هش بالفعل للعديد من الشركات المغربية، ومع ذلك، فإن التوقعات للنصف الأول من العام متشائمة، ومن المتوقع حدوث موجة كبيرة من حالات إفلاس الشركات، مما قد يتسبب في صعوبات خطيرة للمصارف التي دعمتها.
ولهذا يؤكد الساري لـ”العرب”، أن مشروع هيئة فسخ الديون لا يجب أن يقوم على مبدأ سداد القروض المتعسرة الأداء بل يجب أن يكون شريكا حقيقيا لمجموعة من الشركات التي تعيش أزمات مالية، وكذلك لا يجب أن يقتصر على محور محافظة الدار البيضاء-طنجة بل أن يشمل جميع الجهات خاصة في المناطق الزراعية حيث تتواجد وحدات صناعية تشغل الآلاف من العمال.
وتحملت الدولة والقطاع المصرفي التكلفة الكاملة للفوائد العرضية الناتجة عن تأجيل سداد قروض السكن والاستهلاك للفترة الممتدة بين مارس ويونيو 2020.
وقال خبراء في الاقتصاد إنه منذ مارس الماضي، لم يعتمد أي نص تنظيمي أو تشريعي يعدل لبعض الوقت، الفصل الخامس من القانون التجاري من أجل السماح بمرونة اقتصادية مفيدة في نظام قانون صعوبات الشركات.
وتتخوف المصارف من إمكانية استمرار اتساع دائرة القروض المعسرة، نظرا للظرفية التي يمر بها النسيج الاقتصادي الوطني بسبب كورونا، وانعكاس ذلك على الوضعية الاجتماعية والمالية للمستخدمين والعاملين في القطاع الخاص.
ويعتبر الخبير الاقتصادي الساري، أنه لا يكفي أن يعتمد البنك المركزي الهيئة من أجل استخلاص الديون أو فسخها من طرف طالبي القروض خاصة الشركات التي تعيش ضائقة مالية بسبب أزمة ما كما هو الحال مع كورونا.
وشدد الساري، على ضرورة البحث عن حلول بديلة كالدخول بصفة شريك بحصة الديون ومواكبة الشركات التي تعاني من مشاكل في التسيير، وربما كذلك يمكن أن يدخل على الخط صندوق محمد السادس للاستثمار ليكون أحد المساهمين في تجنب إفلاس الشركات التي تعيش أزمة سيولة.
وفي هذا السياق أكد محافظ بنك المغرب أنه طلب من الأمانة العامة للحكومة تنسيق كل هذه الجوانب مع القطاعات الوزارية المعنية، بهدف إيجاد حلول لهذه الإشكاليات في أفضل الظروف وفي أسرع وقت ممكن.