المصور السعودي مفيد أبوشلوه: الحشرات عالم فني ثري

الفنان الفوتوغرافي السعودي يؤكد أن تصوير الماكرو له حصة كبيرة في المجال العلمي من خلال معرفة الكائن وسلوكه إن كان مؤذيا أو نافعا سواء للبيئة أو للإنسان.
الثلاثاء 2020/05/19
كسر الخوف الطفولي من الحشرات

الفوتوغرافيا فن يحتاج إلى الكثير من الجهد في تحقيق التوازن بين التطور التقني الهائل لآلات التصوير، وبين الموهبة في التقاط الزوايا والعناصر والانتباه للجماليات المخبأة، إنه فن بين العين البشرية وما تختزله من ثقافة وبين الآلة والقدرة على تسييرها. “ألعرب” كان لها هذا اللقاء مع المصور السعودي مفيد أبوشلوه الذي تميز بتصويره للحشرات.

توجه فني نادر وفريد ذلك الذي ذهبت إليه موهبة المصور السعودي مفيد أبوشلوه، حيث توجهت رؤيته الفنية عبر كاميراه إلى الحشرات الزراعية، يلتقطها ويشكل من سلوكياتها لوحات فنية شديدة الثراء لعالم نادر الظهور بهذا الوضوح والتجلي.

أبوشلوه الذي يبلغ من العمر 35 سنة تخرج في الكلية التقنية الإدارية، لكن موهبته دفعت به إلى أن يكون مصورا فوتوغرافيا محترفا وباحثا علميا في نطاق سلوك الحشرات، وليصبح متخصصا في تصوير الماكرو ـ مايكرو، ويحصل بفضل دأبه ومثابرته ورؤيته الجمالية على خمسة ألقاب عالمية من أبرزها اللقب الأول من ألقاب الجمعية الأميريكية للتصوير الفوتوغرافي.

تصوير دقيق

دخول أبوشلوه إلى عالم التصوير كان بسيطا جدا وبشكل عام بدأ في 2006 بكاميرا ديجتال محدودة الإمكانيات، وذلك لتوثيق رحلات السفر مع عائلته، بعد ذلك اقتنى كاميرا شبه احترافية في مطلع عام 2010 ليبدأ بتجربة جميع محاور التصوير والتي من ضمنها محور تصوير الستل لايف والبروتريه والسفر وحياة الناس، إلخ. ثم تخصص في تصوير الماكرو – مايكرو في نفس العام.

و”تصوير الماكرو” وفقا لرؤيته هو الذي “يعرّف بالتصوير الفوتوغرافي للأجسام الصغيرة جدًا من مسافة قريبة للغاية، حيث لا يقتصر تصوير الماكرو على الحشرات فقط، بل حتى الزهور والنباتات الصغيرة، الحلي، والقطرات، وغيرها.

جماليات عالم الحشرات الفنية غاية في الثراء، حيث تحفل هذه الكائنات بالكثير من الألوان والاختلافات في التكوينات

يقول أبوشلوه “تخصصت في تصوير الماكرو ـ مايكرو، واحترفت في هذا المجال بعد ثلاث سنوات من التجارب والتعليم الذاتي المستمر، وقد دفعني إلى هذا التخصص أولا كسر خوف الطفل الذي كان بداخلي منذ الطفولة من الحشرات والاقتراب منها، ثانيا: نقل رسالة مصورة ومفادها إتقان الدقة التي خلقها الله سبحانه وتعالى حيث عجزت العين البشرية عن رؤية هذا الجمال وهذه التفاصيل الدقيقة بالشكل الذي تنقله لنا عدسات الكاميرا، الشيء الآخر هو صعوبته حيث الكثير من مصوري الطبيعة والحياة البرية الذين صادفتهم خلال مسيرتي الفنية عرجوا عليه ولم يوفقوا فيه، والحمد لله خضعت لهذه المواجهة ووفقني الله وما زلت أهلل في بحر هذا الفن”.

ويوضح أبوشلوه المراحل التي يمر بها في التصوير حتى يتم الحصول على الصورة النهائية الصالحة للنشر “أولا مرحلة البحث عن الحشرات، وهذا يتم من خلال الأماكن التي تعيش وتتواجد فيها، وتلك الخطوة تعتمد على دراسة الحشرة والاطلاع المسبق على خصائصها قبل البدء، ثانيا مرحلة اختيار المكان والزمان للتصوير وفي بعض الأحيان يتطلب اصطياد الحشرة لتصويرها بتقنية: التركيز المتلاصق”.

ويتابع “هذا النوع من التصوير وهو أحد أقسام تصوير الماكرو، ما يعرف بالاكستريم ماكرو، أي الاقتراب من الهدف بشكل أكبر والتقاط أدق التفاصيل، حيث يحتاج المصور تصوير عدد معين من الصور لكي يقوم بدمجها لتصبح صورة واحدة ذات دقة عالية بعد مرحلة ما قبل الإخراج من البرامج المتخصصة.. ثالثا مرحلة الإخراج وهي إزالة الغبار والشوائب من العمل، ورابعا وأخيرا مرحلة الإلمام بما هو موجود بالجانب العلمي لهذه الكائنات أي معرفة ما هو الشيء الذي قمت بتصويره بشكل علمي قبل الإطلاق النهائي لنشر الصورة”.

عالم ثري

حول إفادته العملية في ضوء تجربة التصوير، يقول أبوشلوه “تصوير الماكرو له حصة كبيرة في المجال العلمي، حيث كانت بدايتي واطلاعي فيه قبل تخصصي بالمجال الفني في التصوير، وهو أيضا يعتبر من أحد عوامل التحدي في تصوير الماكرو: معرفة الكائن الذي تقوم بتصويره ومعرفة سلوكه إن كان مؤذيا أو نافعا سواء للبيئة أو للإنسان”.

ويضيف الفنان “إن العديد من المصورين أو حتى من الجمهور المتلقي لهذه الأعمال يقومون بطرح سؤال مفاده: ما هو اسم هذه الحشرة؟ إذن المجال الفني في تصوير الماكرو منسجم بشكل كبير مع المجال العلمي إلى درجة أن بعض أنواع الحشرات على سبيل المثال: نوع من أنواع النحل من رتب معينة لفصائل معينة، وهذه تحمل عددا كبيرا من الأنواع.. وقد تندرج في قائمة هذه الأنواع تحت بند: الأصناف المهددة بالانقراض، وبناء على هذا الإشعار قد تقوم جمعيات أو منظمات مختصة بحماية هذه الأنواع ودراسة سلوك البيئة المحيطة بهذا الكائن وطبيعة تكاثره، إلخ. كما أنني صادفت عددا آخر من مصوري الماكرو يقدمون أعمالهم دون معرفة ما هو اسم الشيء الذي قاموا بتصويره”.

ويشير إلى أن الفائدة تتلخص وتعود في ضوء ذلك كالتالي: ماذا لو تم تعريف ما صوّر بشكل علمي، سيجلب فائدة تجعل المصور والمتلقي يرتبط بشكل متميز بين مفهوم المادة المقدمة للجمهور، ثم ماذا لو تم تصوير أحد أصناف الحشرات غير المكتشف في القواميس العلمية، لاسيما في بيئتنا العربية، بالطبع سيدر هذا فائدة علمية كبيرة، وبالفعل والحمد لله قمت بإنشاء مشاريع مشتركة مع أحد الفرق البحثية في هذا الشأن في كندا، كما عرضت هذه المشاريع في مؤسسات خيرية ومدارس بل وحتى بعض الجامعات داخل الأقسام المتخصص في علوم الحشرات.

المصور يحتاج إلى التقاط عدد معين من الصور لكي يقوم بدمجها لتصبح صورة واحدة ذات دقة عالية
المصور يحتاج إلى التقاط عدد معين من الصور لكي يقوم بدمجها لتصبح صورة واحدة ذات دقة عالية

ويلفت أبوشلوه إلى أهم المواقع التي صور فيها وحجم الثراء الذي وجده في هذه المواقع يقول “بدأت في محيط بيئتي القريبة من منزلي، فمنطقة الخويلدية التي أقطن بها عبارة عن قرية محاطة بواحة من البساتين، وغنية جدا بالحياة الفطرية وبها تنوع كثيف من العوالم الصغيرة وبعضها غير مكتشف، وذلك يعود لقلة التخصص في المحيط العربي في هذا الشأن، أيضا من أهم المواقع التي شملتها رحلاتي الغابات النمساوية كالكالبن والمناطق الريفية المحيطة بها”.

ويؤكد أن جماليات هذا العالم الفنية غاية في الثراء، فانظر إلى ما تحفل به من ألوان واختلافات في التكوينات في الوجه وموضع العينين وقرون الاستشعار وبنية الجسم، تجد أنك في مواجهة تجليات إبداعية يمكن قراءتها والتعرف على طبيعة العالم الذي تتحرك فيه هذه الحشرات، ومن هذه الحشرات التي صورتها: الآفة الزراعية سوسة النخيل الحمراء، الخنفساء النمرية، أنثى خنفساء جالوتوس أورينتالس، خنفساء الآيل ديكانوسيفالوس، خنفساء الأيل كويلوساستكويديس، سوسة يوفولوس، خنفساء أودونتو لابيسسترياتا”.

ويختم مفيد أبوشلوه بإبراز أهم إنجازات مسيرته يقول “حصلت على المركز الأول في جائزة 35 المقامة في روسيا التي تميزت بتجاوز عدد المتنافسين فيها 112 ألف مصور من 172 دولة حول العالم، بواقع 391 ألف صورة، ومشروعي الفائز مؤلف من 8 أعمال فوتوغرافية بعنوان “وحوش صغيرة”، وهذا أقرب إنجاز إلى قلبي وأسعدني بشكل لا يوصف حيث إن محتوى المشروع الفائز هو نفس تخصصي لعالم الخنافس”.

ويضيف “كما حصلت أيضا على أكثر من 147 جائزة دولية في عدة مجالات من أقسام التصوير والحصة الأكبر هي لتصوير الماكرو. كما حصلت أيضا على 5 ألقاب دولية لعدد من الاتحادات الدولية للتصوير الفوتوغرافي، أيضا حصلت أعمالي على 10 ملايين مشاهدة في الموقع العالمي الشهير “يوبيك” وتم تكريمي آنذاك على أنني من أفضل الفوتوغرافيين في قسم تصوير الماكرو على مستوى العالم. وآخر ما حصلت عليه هو ثاني لقب من ألقاب الجمعية الأميركية للتصوير الفوتوغرافي (PPSA)، حيث تطلب الحصول على هذا اللقب عددا معينا من المشاركات بالأعمال الفوتوغرافية في عدد من المسابقات العالمية بمختلف الدول، وبعدد مختلف أيضا من الأعمال الفوتوغرافية، ويتلخص ذلك في قبول 96 عملا مختلفا من بينها 288 عملا مكررا يتم قبوله في إطار المسابقات العالمية”.

15