المصريون يشككون في قانون تشديد العقوبة على ختان الإناث

يرى نشطاء في مجال حقوق المرأة أن تشديد العقوبة على ختان البنات في مصر ليس كافيا للقضاء على الظاهرة المتجذرة في المجتمع. وقال النشطاء إنه إذا لم تأخذ الحكومة الأمر على محمل الجد فلن يتغير شيء مهما عززت من القانون وشددت من العقوبات.
القاهرة - شددت مصر العقوبات على ختان الإناث حيث فرضت أحكامًا بالسجن تصل إلى 20 عامًا في محاولة لإنهاء هذه الممارسة القديمة.
وللمرة الثانية يتخذ البرلمان المصري إجراءات صارمة ضد ختان الإناث، والتي تتضمن عادة إزالة الأعضاء التناسلية الخارجية للفتاة – لكن الناشطات يشككن بشأن إنفاذ القانون في دولة يعتبر فيها الختان متجذرا ومنتشرا.
وخلال جلسته العامة الأحد الماضي، وافق مجلس النواب المصري بأغلبية ثلثي أعضائه على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، في ما يخص تغليظ عقوبة ختان الإناث، بعقوبات تصل إلى السجن المشدد.
وكان المجلس قد وافق على مشروع القانون في مجموعه في جلسته العامة الأحد الموافق 28 مارس الماضي وتم إرساله إلى قسم التشريع بمجلس الدولة لمراجعته.
ويهدف مشروع القانون لمواجهة ظاهرة ختان الإناث، وهي من أبشع الظواهر الاجتماعية، مؤكدا أن جريمة الختان تمثل انتهاكا لحرمة الجسد
الذي لا يجوز المساس به في غير دائرة الحق، وهو ما يؤثر سلبا على المقومات الأساسية والأخلاقية التي يقوم بها المجتمع، لافتة إلى أنه يأتي متوافقا مع أحكام الدستور.
وتشمل التعديلات التي تمت الموافقة عليها زيادة الحد الأقصى للعقوبة من سبع سنوات وحظر الممرضات المتورطات في ختان الإناث لمدة تصل إلى خمس سنوات.

انتصار السعيد: تشديد العقوبات وحده لن يؤثر على العقول
وقال بيان حكومي إنه بموجب التغييرات، سيتم التوصية بالسجن لمدة تتراوح بين 5 و20 عاما، اعتمادا على من أجرى الجراحة وما إذا كانت تسببت في ضرر دائم أو وفاة.
وسيواجه كل من طلب ختان الإناث – عادة ما يكون من أفراد الأسرة المقربين – عقوبة السجن أيضا، وفقا للتعديلات، التي يجب أن يوافق عليها رئيس الدولة.
وقال بريندان وين الشريك المؤسس لمجموعة “ذا فايف فاونديشن”، لمؤسسة “تومسون رويترز فاونديشن” “هذه أخبار سارة كوْن مصر عززت قانونها بشأن ختان الإناث مرة أخرى. ومع ذلك، ما لم تأخذ الحكومة الأمر على محمل الجد هذه المرة، فلن يتغير شيء”.
وقال وين عبر البريد الإلكتروني من المقر الرئيسي لمجموعته في نيويورك “لا يزال العاملون بالمجال الطبي يمارسون ختان الإناث في العيادات المصرية – وحتى أنهم يعرضون خدماتهم علنًا”.
وحظرت 28 دولة في أفريقيا، حيث تتوطن هذه الممارسة، ختان الإناث، على الرغم من ضعف إنفاذ القانون بشكل عام.
وصنّفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) مصر رابعَ دولة على مستوى العالم وثالث دولة على مستوى الدول العربية في انتشار ختان الإناث أو جريمة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، وترجع “يونيسف” هذه العادة إلى الموروثات الاجتماعية التي تربط ما بين ختان الإناث والطهارة والاستعداد للزواج.
وخضعت حوالي 200 مليون امرأة تتراوح أعمارهنّ ما بين 15 و49 عامًا لختان الإناث، وهن ينتمين إلى ثلاث دول، هي مصر وإثيوبيا وإندونيسيا. ويحلّ الصومال في المركز الأول عالميا وعربيا لجهة نسبة انتشار هذه العادة، تليه غينيا عالميا، وجيبوتي عربيا.
وتشير البيانات إلى أنّه لا يتوافر أيّ عدد دقيق لضحايا تلك العمليات فيها، لأنّها تجري غالبًا في إطار طبي غير شرعي، بالإضافة إلى خوف الأهل من الإبلاغ عن وفاة ما أو إصابة بسبب مثل تلك العمليات.
وتعهد قادة العالم بإنهاء ممارسة ختان الإناث بحلول عام 2030، لكن هذه الممارسة لا تزال شائعة كما كانت قبل 30 عامًا في الصومال ومالي وغامبيا وغينيا بيساو وتشاد والسنغال.
وفي مصر، أطلقت الحكومة وجماعات المجتمع المدني حملات توعية وزيارات ميدانية وعملت كذلك على تشديد العقوبات.
لكن واين قال إن الجناة نادرا ما يخضعون للمساءلة – لاسيما في المناطق الريفية، حيث يكون ختان الإناث أكثر رسوخًا. وقال “نحتاج إلى رؤية قضايا ضد أطباء صدرت بحقهم أحكام طويلة وشطبوا من مجال العمل لارتكابهم هذا العمل العنيف المروع. ما لم يحدث هذا، لا يهم حقًا إذا صدر أي قانون جديد”.
وخضع ما يقرب من 90 في المئة من النساء والفتيات المصريات اللائي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عاما للختان، وفقًا لاستطلاع أجرته الأمم المتحدة عام 2016، في طقس يمارسه على نطاق واسع المسلمون والمسيحيون.
وأكدت انتصار السعيد الناشطة في مجال حقوق المرأة ومديرة مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون أن تشديد العقوبات وحده لن يؤثر على العقول.
وقالت السعيد لمؤسسة تومسون رويترز “إنها خطوة جيدة، لكننا ما زلنا نكافح من أجل مكافحة مفهوم متجذر في المجتمع، وحتى أن بعض الأطباء والقضاة يعتبرون أن ختان الإناث ليس جريمة”.
وتكافح مصر للقضاء على ختان الإناث منذ عام 2008، عندما أصدر البرلمان لأول مرة قانونًا لتجريم ممارسته، يقول الباحثون في مصر إنها تعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد.
وفي مصر، لا تتوقّف المنظمات الحقوقية عن شجب هذه العادة والمطالبة بتغليظ العقوبات في حقّ مرتكبيها، غير أنّ أصواتها تتعالى في أعقاب حوادث وفاة ذات صلة، مثل حادثة مقتل الطفلة ندى ذات الـ14 سنة، العام الفارط.
وبعدما قضت ندى على خلفية خضوعها لعملية ختان، عبّرت “قوة العمل المناهضة لختان الإناث” في مصر عن غضبها وحزنها إزاء ما حدث، مشيرة في بيان أنّه ثمّة “عدد كبير من الفتيات قد فقدنَ حياتهنّ، ليس نتيجة لهذه الممارسة الجراحية غير الطبية فقط، ولكن بسبب تواطؤ المجتمع غير المبرر مع هذه الجريمة أيضا، بالإضافة إلى كل الفتيات اللواتي لم تُفقدهنّ تلك الممارسة حياتهنّ، ولكن عِشنَ بعواقب هذا الاعتداء على سلامتهنّ واستقلالهنّ الجسديَّين، سواء أكانت مضاعفات صحية بدنية أم عواقب نفسية وجنسية تستمر معهنّ طوال حياتهنّ”.
وشدّدت “قوة العمل المناهضة لختان الإناث” على ضرورة محاسبة الأطباء الذين يقومون بتلك الجريمة وضمان عدم هروبهم من تنفيذ العقوبة حين صدورها، لافتة إلى أنّ مكافحة الختان في مصر تقتضي “ملاحقة الأطباء الممارسين لتلك الجريمة ووضع المسؤولية على كلّ جهات الدولة المنوط بها تفتيش المنشآت والعيادات الطبية ونقابة الأطباء لملاحقة كلّ الأطباء الممارسين لختان الإناث وتطبيق القانون عليهم، بالإضافة إلى توسيع المسؤولية القانونية لتشمل المنشآت الطبية والقائمين على إدارتها”.
كما طالبت بتطبيق “مواد تجريم الختان في قانون العقوبات على أيّ طبيب يثبت تورطه في تلك الجريمة بشكل ناجز”.