المصريون يخشون من وقوع المحظور: خصخصة التعليم

تكليف مستثمر بحقيبة التعليم يضاعف الشكوك حيال نوايا الحكومة.
السبت 2024/07/06
الأنظار شاخصة إلى الوزير الجديد محمد عبداللطيف

تنظر شريحة واسعة من المصريين بعين الريبة إلى تكليف شخصية استثمارية بمنصب وزير التربية والتعليم، ويخشى كثيرون من أن يكون الاختيار مقدمة لخصخصة القطاع، خصوصا وأن الحكومة السابقة كانت طرحت فكرة إعادة النظر في مجانية التعليم.

القاهرة - عمقت الحكومة المصرية مخاوف البسطاء من خصخصة التعليم عقب تكليف وزير له خلفية استثمارية لإدارة المنظومة التعليمية، وتضاعفت هواجس المواطنين من أن يكون ذلك مقدمة لزيادة الاعتماد على القطاع الخاص في قطاع التعليم.

واستقبلت شريحة من المصريين اختيار محمد عبداللطيف وزيرا للتربية والتعليم في الحكومة الجديدة التي أعلن عنها الأربعاء، بحالة من الترقب، حيث كان يعمل مديرا لمجموعة مدارس خاصة تتجاوز مصروفاتها المئة ألف جنيه في العام، وهو رقم ضخم مقارنة بظروف معيشية صعبة لمن يتعلم أبناؤهم في مدارس حكومية.

وحاول الوزير الجديد تهدئة الرأي العام من خلال التعهد بالقضاء على الكثافات الطلابية في المدارس الحكومية، وتلبية مطالب أولياء الأمور والحوار معهم، ودعا رئيس الحكومة مصطفى مدبولي في مؤتمر صحفي عقده، الخميس، المواطنين بمنح عبداللطيف فرصة العمل قبل تقييمه.

واستثمر معارضون اختيار وزير للتعليم من خلفية استثمارية لحشد الرأي العام ضد الحكومة الجديدة، بذريعة أنه جاء من بيئة تعليمية تركز على الطبقة الميسورة ما يتناقض مع أوضاع الأغلبية السكانية التي بالكاد تجد لأولادها مقاعد ملائمة في مدارس حكومية.

وائل كامل: أي مغامرة للخصخصة ستكون لها تداعيات سياسية واجتماعية
وائل كامل: أي مغامرة للخصخصة ستكون لها تداعيات سياسية واجتماعية

ويمثل التعليم عند شريحة كبيرة من المصريين خطا أحمر لا يفضل أن تقترب منه الحكومة بالخصخصة أو التخلي عن مسؤولياتها، لأن التفكير في مراجعة أولويات الإنفاق عليه يعني تحميل البسطاء ومتوسطي الدخل أعباء مالية ضخمة.

وما عمّق مخاوف الشارع من الاستعانة بوزير استثماري في التعليم أن الحكومة طرحت من قبل فكرة إعادة النظر في مجانية التعليم بحجة أنها ليست موجودة عمليا، في حين تخصص الدولة أرقاما ضخمة ولا تجني ثمارها، بينما تنفق الكثير من الأسر مبالغ ضخمة سنويا على الدروس الخصوصية.

وربط مراقبون بين الخطة التي مررتها الحكومة بمساعدة مجلس النواب مؤخرا لقطاع الصحة وتأجير مستشفيات للمستثمرين، وبين وجود وزير تعليم من خلفية استثمارية، ما جعل فئة تسوّق لتكرار الخطة نفسها مع التعليم، ويقوم الوزير الجديد بتمريرها.

وظهر رفض واسع لاسم وزير التعليم الجديد على شبكات التواصل الاجتماعي، وتم الطعن في خبراته والتشكيك في قدراته على إدارة المنظومة، بدافع أنه يفتقر للخلفية الأكاديمية التي تؤهله للمهمة، وبلغ الأمر حد النبش وراء الدكتوراه التي حصل عليها، واسم الجامعة والتخصص لتثبيت فكرة أنه “مستثمر تعليمي”.

ولم يتعرض وزير في الحكومة الجديدة للسخرية والتشكيك، بقدر ما نال وزير التعليم الجديد، في ظل مخاوف متصاعدة من جدوى الاستعانة به، وما يتم التخطيط له من خصخصة متدرجة، ما جعل البعض يترحمون على مجانية التعليم المنصوص عليها في الدستور.

ويبدو الرفض الواسع لوزير التعليم موجها للحكومة، ويحمل بين طياته تحذيرات من المواطنين بأنهم لن يقبلوا بتنفيذ الخصخصة، وعليها أن تكون حذرة إذا اقتربت من المجانية، وهي رسائل تتعامل معها الحكومة بجدية قبل أن تدخل في صدام مع الشارع.

وترفض الحكومة استدعاء مصطلح الخصخصة في قطاع التعليم، خشية ردة الفعل العنيفة، وتتحرك في هذا الملف بخطوات محسوبة من خلال سياسة توزيع الأدوار بينها وبين القطاع الخاص، فهي مسؤولة عن شريحة، ويتولى مستثمرون أخرى.

وتقوم الخطة المتوقع تطبيقها بقطاع التعليم على أن ترفع الحكومة يدها تدريجيا من على المدارس الرسمية بمصروفات، والتي تستهدف متوسطي الدخل، بحيث تُسند المهمة إداريا للقطاع الخاص بدلا من أن توجه الدولة أموالا باهظة لمدارس تلك الفئة، ولا تجني عائدا، كما لا تجرؤ على المغالاة في المصروفات الدراسية.

وتسعى الحكومة للتركيز على مدارس البسطاء والكادحين، على أن يتولى القطاع الخاص باقي الشرائح، ما يفسر بطء بناء مدارس لمتوسطي الدخل، ومنح أراضٍ للمستثمرين لإنشائها بطريقتهم، على أن يتولوا تحديد المصروفات تحت رقابة حكومية، بحيث تكون الدولة معنية بالطبقة الفقيرة.

وتعتقد دوائر سياسية أن الحكومة ليست بالسذاجة التي تجعلها تغامر بخصخصة قطاع خدمي له حصانة دستورية وشعبية مثل التعليم، وتخطط لتكون راعية فقط للفئات التي تستحق الدعم، وهي صيغة مقبولة، لكن أزمتها تكمن في إصرار الحكومة على عدم إشراك المواطنين في خططها المستقبلية.

وقال وائل كامل عضو هيئة التدريس بجامعة حلوان في جنوب القاهرة إن المصريين يصعب أن يتقبلوا خصخصة التعليم مهما كانت المبررات، وهذا ملف يجب غلقه، وإبلاغ الرأي العام بذلك صراحة، لأن الصمت على ما يثار من خلفيات للوزير الجديد، يحتاج إلى تفنيده قبل اتساع رقعة الغضب.

وأضاف كامل في تصريح لـ”العرب” أن الصمت يخلق حالة سخط متصاعدة من شرائح مختلفة لديها توافق على رفض كل تحرك خاص يتعلق بملف التعليم لأن هذا القطاع برمته خط أحمر للأغلبية السكانية ومن السهل أن يخلق فجوة مع الشارع يصعب ترميمها.

هل يصبح التعليم عبئ جديد على المصريين
هل يصبح التعليم عبئ جديد على المصريين

وتكمن أزمة بعض المؤسسات الرسمية أنها لا تتحدث مع الناس أو تتحاور حول الرؤى والأهداف المنتظر تطبيقها، وهي ثغرة ينفذ منها معارضون بتحريض الرأي العام عبر الترويج لخطط قد تكون بعيدة عن ذهن الحكومة، لكن تضرها.

ويتعمد معارضون اختيار قطاعات حساسة يعتبرها الناس مملوكة للشعب، ويثيرون حولها أزمات على سبيل الخصخصة، ما يزيد الاحتقان دون ردة فعل سريعة من الحكومة لتوضيح الصورة كاملة، ما يترك انطباعات سلبية يصعب محوها بسهولة.

ويستثمر معارضون الظروف المعيشية بالغة الصعوبة التي يعيشها المصريون بلا أفق قريب للحل، وبدت الحكومة في نظر البعض متهمة بفعل أي تصرف، المهم ألا تتحمل النفقات في القطاعات الخدمية نيابة عن المواطنين.

ورفعت الحكومة الموازنة الجديدة لوزارة التعليم بنسبة وصلت إلى 30 في المئة عن السنة الماضية، ما ينفي فرضية الخصخصة، باستدعاء وزير من خلفية استثمارية، أو غير ذلك، لكن المشكلة في صمت الحكومة والرضوخ لمحاولات إنهاكها سياسيا.

وما يجعل النبش في ملف التعليم هدفا سهلا لتيارات معارضة أنه أكثر الملفات إثارة للمنغصات السياسية، حيث يضم 26 مليون طالب، ومليون معلم، أي قرابة 25 في المئة من عدد السكان، ومع كل إخفاق في التعليم يتم توجيه اللوم الشعبي للسلطة.

وأكد وائل كامل لـ”العرب” أن الحكومة مهما فعلت من إنجازات تنموية لن تجد صدى إيجابيا في ظل الارتباك في إدارة المنظومة التعليمية، ما يعني أن أي مغامرة كبيرة للخصخصة ستكون لها تداعيات سياسية واجتماعية.

ويفرض الجدل السياسي حول مستقبل قطاع التعليم أن تتحرك الحكومة لتوضيح الحقائق، لأن الصمت المبالغ فيه يمنح خصومها فرصة ثمينة لتأليب الرأي العام، حتى لو كانت هناك نوايا حسنة لتحسين الخدمة للبسطاء المستحقين، وهم الظهير السياسي الأقوى للنظام المصري وقت التحديات الصعبة.

2