المشاريع المعطلة في تونس: عجز مالي من السلطة أم عراقيل بيروقراطية

نائب بالبرلمان يطالب بإحداث خطة كاتب دولة للتخطيط.
الثلاثاء 2025/05/27
غالبية المشاريع تتعلق بالبنية التحتية

تونس - طرح استمرار تعطل المشاريع التنموية والاقتصادية في تونس تساؤلات لدى الأوساط الشعبية والسياسية بشأن طبيعة الأسباب التي تقف وراءها، وعما إذا كانت تلك الأسباب تكمن في العجز المالي وضعف إمكانات السلطة، أو في تعدد العراقيل البيروقراطية والإدارية في البلاد.

ويقرّ المتابعون بأن الكثير من المشاريع معطلة في البلاد، وهي متنوعة، لكن أكثرها يتعلق بمشاريع البنية التحتية مثل الطرق السريعة التي تربط بين الولايات (المحافظات)، فضلا عن المؤسسات الصحية.

ويؤكدون أن التعطيل في جانب منه مرتبط بالبيروقراطية وتعقيد الإجراءات الإدارية وسوء الرقابة والمتابعة وتدخل الفساد في الصفقات العمومية، إلى جانب عدم تقديم تسهيلات للمستثمرين خاصة في السنوات الأخيرة.

وطالب النائب بمجلس النواب التونسي نجيب العكرمي خلال جلسة عامة بضرورة إحداث خطة كاتب الدولة لدى وزير الاقتصاد والتخطيط، مرجعا ذلك إلى تنوع المهام الاقتصادية والاجتماعية التي تضطلع بها الوزراة.

وأشار النائب إلى وجود أكثر من 1300 مشروع عمومي معطل في كامل الجمهورية، قائلا إن إعادة برمجتها وتوفير الاعتمادات يكلفان الدولة ميزانية كبيرة.

المنذر ثابت: الآلة البيروقراطية معطلة للاستثمار والإنتاج في تونس
المنذر ثابت: الآلة البيروقراطية معطلة للاستثمار والإنتاج في تونس

وعقد مجلس نواب الشعب الاثنين جلسة عامة للنظر في مشروع قانون يتعلّق بالموافقة على اتفاقية القرض المبرمة بين تونس والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، للمساهمة في تمويل مشروع توسيع وإعادة تأهيل الطريق الوطنية رقم 20 بولاية قبلي.

وتقدر قيمة القرض بـ7 ملايين دينار كويتي، ما يعادل 70 مليون دينار تونسي (23.49 مليون دولار)، وهو ما يمثل 90 في المئة من كلفة مشروع الطريق، المقدرة بـ82 مليون دينار (27.52 مليون دولار)، (دون احتساب الأداءات).

ويخضع سداد القرض لنسبة فائدة قارة بـ3 في المئة سنويا، على أن يسدد على مدى 30 سنة، منها 4 سنوات إمهال.

ويشمل المشروع جميع الأشغال الخاصة بتوسيع وإعادة تأهيل الطريق رقم 20 بولاية (محافظة) قبلي، في جزئها الرابط بين الفوار ورجيم معتوق، على امتداد 73 كيلومترا بما في ذلك صيانة وتجديد منشآت تصريف مياه الأمطار وتركيز عناصر السلامة والإشارات المرورية العمودية والسطحية.

وتتعلق الخدمات الفنية للمشروع بتوفير الخدمات الفنية اللازمة لمساعدة وزارة التجهيز في الإشراف على تنفيذ المشروع، بالإضافة إلى إعداد أي دراسات تكميلية يتطلبها تنفيذ المشروع وإدخال أي تعديلات ضرورية على التصميم.

وسيتم إنجاز الأشغال الخاصة بالطريق على مدى قسطين، حددت آجالهما التعاقدية بـ19 شهرا لكل قسط، وسيتم الانطلاق في الأشغال خلال يونيو 2025 على أن تستكمل خلال الثلاثي الأول من سنة 2027.

ويندرج المشروع ضمن إستراتيجية وزارة التجهيز والإسكان في مجال الجسور والطرقات في أفق سنة 2035،، والتي من بين أهدافها بلوغ طول جملي للطرقات المهيأة 20 ألف كلم مقابل حوالي 12 ألف كلم حاليا.

وتعتبر الإشكاليات الإجرائية أهم عائق لتقدم إنجاز المشاريع، وتعود إلى ضعف التنسيق بين الأطراف المتداخلة في إنجاز المشروع سواء على المستوى الجهوي أو المركزي أو إلى بطء في اتخاذ الإجراءات اللازمة من قبل المصالح الإدارية المعنية أو نقص في المتابعة من قبل الإدارة والتنسيق بين المتدخلين العموميين.

وأفاد المحلل السياسي المنذر ثابت بأن “هناك أصنافا متعددة من المشاريع المعطلة، وهي تواجه عدة إشكاليات من بينها انتزاع المصلحة العامة، وهو ما يتيح للمؤسسة المعنية التظلّم أمام قضاء وبالتالي ما يعني إمكانية إطالة مدة الإجراءات.”

تعطيل إنجاز المشاريع الاستثمارية الكبرى يؤثر سلبا على واقع البلاد، ما دفع بعض المستثمرين إلى تحويل استثماراتهم نحو بلدان أقل قيودا

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “هناك مسألة مكاتب الدراسات، وهنالك إجراءات معقدة لتفادي تضارب المصالح”، لافتا إلى أنه “في تقدير كلفة المشاريع هنالك مشاريع تخصص لها اعتمادات تسقط بمرور الزمن، وهنالك كلفة تتغير في علاقة بالسوق العالمية.”

وأشار ثابت إلى أن “الرأي القائل بضرورة إيجاد هيكل للمراقبة والإنجاز، رأي وجيه.”

ولم يخف المحلل السياسي “وجود بطء بيروقراطي وأن الآلة البيروقراطية معطلة للاستثمار والإنتاج، وهي في حاجة إلى إعادة الهيكلة.”

واستطرد قائلا “نحتاج إلى نظام حمية للجهاز البيروقراطي في تونس وعقلنة التصرّف وترشيده.”

وتعود الصعوبات المالية إلى الإعلان عن برامج ومشاريع دون توفير التمويلات اللازمة لإنجازها، وعدم وجود التمويلات والاعتمادات اللازمة نتيجة تجاوز التكلفة المرسمة بالموازنة أو تأخر في فتح الاعتمادات، أما بقية الإشكاليات فتتوزع بين فنية أو اجتماعية وتعود الإشكاليات الاجتماعية خاصة إلى استحواذ بعض المواطنين على الأراضي المخصصة لإنجاز المشاريع أو معارضتهم لإنجاز المشروع لأسباب مختلفة.

ويؤثر تعطيل إنجاز هذه المشاريع الاستثمارية الكبرى سلبا على واقع البلاد، ما دفع بعض المستثمرين إلى تحويل استثماراتهم نحو بلدان أقل قيودا.

وهناك المشاريع ذات الطابع الإستراتيجي في تونس، وهي “المشاريع المنجزة من قبل الهياكل العمومية أو لفائدتها بتمويل منها أو عن طريق ميزانية الدولة أو هبات أو قروض خارجية أو داخلية أو تمويل مشترك، وتشمل جميع المجالات وخاصة منها مشاريع البنية التحتية والنقل والطاقة والمناجم والصحة والرياضة والثقافة والفلاحة والموارد المائية وتكنولوجيات الاتصال”، وفق ما جاء في نص الأمر.

أما المشاريع العمومية الكبرى المعطّلة، فهي “المشاريع التي تشهد صعوبات على مستوى البرمجة والإعداد أو الحوكمة أو تحرير الحوزة العقارية أو الإسناد أو التنفيذ أو فجوة في التمويل بسبب ارتفاع تكلفة المشروع بشكل يؤثر مباشرة على تنفيذ الأولويات الوطنية ومتطلبات النمو الاقتصادي والاجتماعي والتكنولوجي.”

4