المسلسلات الإذاعية تجذب الجمهور المصري بمشاهير الكوميديا

يلجأ بعض نجوم التمثيل في مصر إلى المسلسلات الإذاعية التي تمنحهم شريحة جديدة من الجمهور، ولهذا التوجه أسبابه العديدة والمختلفة، ولكنه يؤكد أن سحر السماع مازالت له مكانته رغم هيمنة الصورة وتخمة المواد المرئية في العالم الرقمي.
القاهرة - شهد موسم الدراما الرمضانية في مصر لجوء البعض من نجوم الفن إلى المسلسلات الإذاعية، وحققوا نجاحا واضحا فيها، منحهم شريحة جديدة من الجمهور أقبلت على متابعتهم على موجات الراديو التي تبث عليها، وأتاح لهم هذا المجال إبراز مواهبهم، وحققت الإذاعات التي تعرض هذه النوعية من الدراما الكوميدية انتشارا واسعا ونجحت في جذب الجمهور بطريقة مبتكرة.
تعج القنوات الفضائية والمنصات المصرية بالعديد من الأعمال الدرامية، لكن هناك نوعية من المسلسلات اختار أبطالها من نجوم الكوميديا المشاركة فيها وبثها عبر الإذاعة، ما يعكس وجود أعمال في الراديو جاذبة لمشاركة شريحة من الفنانين والفنانات، بعد أن نجح في تطوير محتواه وأصبح له جمهور ينتظر أعماله في رمضان.
يكتشف المتابع لجمهور الإذاعات المصرية إلى أي درجة باتت هذه الفئة متجاوبة إلى حد بعيد مع فكرة تقديم مادة ممتعة ومقنعة، ومستعدة لتكون مستمعة لفترة طويلة لما يبث، ولا تكتفي بمشاهدة الاستعراضات والأعمال على التلفزيون، خاصة أن الكثير من الأعمال الإذاعية تبدو قريبة من نبض المجتمع وتطوراته الحياتية.
وتوسعت الإذاعات المصرية في الأعمال الكوميدية خلال موسم رمضان الحالي، والتي تستهوي الجمهور كثيرا، وبدت الكثير من المسلسلات المقدمة تناسب شرائح مختلفة في المجتمع وتقترب من المشكلات الحياتية للناس، بطريقة تحمل قدرا من الواقعية، لكن في إطار كوميدي لجذب أكبر عدد من المستمعين.
اعتمدت المسلسلات الإذاعية هذا العام بشكل أكبر على نجوم الصف الأول الذين يمتلكون قواعد جماهيرية واسعة على أمل استقطاب فئات تربطها بالراديو علاقة قوية، ما يترتب عليه نجاح الكثير من هذه الأعمال وتحقيق الهدف منها، لكونها تستند على عناصر التشويق والكوميديا والواقعية في آن واحد.
استقطاب الجمهور والنجوم
من بين نجوم الإذاعة هذا العام الفنان المخضرم يحيي الفخراني الذي يشارك بمسلسل "أحلام شهرزاد" وينافسه النجم الكوميدي أحمد حلمي في “مطلوب عريس” بمشاركة الفنانة هنا الزاهد، بينما يخوض نجم الكوميديا أكرم حسني غمار المنافسة بمسلسل “صلاح التلميذ” مع الفنانة شيري عادل وإبرام سمير ومصطفى غريب.
ويشارك الثنائي حسن الرداد وزوجته إيمي سمير غانم بمسلسل "رأس رجاء وصالح”، مع نجم الكوميديا بيومي فؤاد الذي يقدم أيضا مسلسلا كوميديا مع الفنانة الشابة رنا رئيس بعنوان "كارت أحمر"، بينما تنافس النجمة نيللي كريم بمسلسل أقرب إلى الكوميديا يحمل اسم "اعترافات خوخة" مع الفنان محمد فراج.
وغالبا لا يتحصل الفنان الذي يشارك في بطولة مسلسل إذاعي على أجر مرتفع، عكس النجوم الذين يظهرون في الدراما التلفزيونية، لكن يصعب فصل الانحياز إلى الراديو لدى شريحة ليست بالقليلة من الفنانين عن استمرار سحر الإذاعة وقدرتها على الوصول إلى أكبر شريحة من الجمهور ونجاحها في جذب فئات جديدة، عبر تقديم أعمال مؤثرة وغير تقليدية وتستحق المتابعة، وذلك في إطار كوميدي ممتع.
وتتزايد مشاركة نجوم الصف الأول في المسلسلات الإذاعية كل عام في موسم رمضان، لكن المختلف هذا العام هو اتساع دائرة الأعمال الكوميدية التي تتناول بعض القضايا الجماهيرية بطريقة ساخرة، وهذا يقترب إلى حد كبير مع طبيعة المجتمع المصري الذي يميل إلى مناقشة همومه وشواغله بطريقة تحمل قدرا من الفكاهة.
يرى البعض من النقاد أن جزءا كبيرا من نجاح المسلسل الإذاعي يرتبط في المقام الأول بملامسته للمخزون الثقافي والفكري عند الشريحة التي يخاطبها، فإذا كان المجتمع يميل إلى الفكاهة والسخرية فتقديم الأعمال الكوميدية سلاح يضمن النجاح، وهذه إشكالية فشلت بعض الأعمال التلفزيونية في تداركها وتقدم دراما نمطية.
وتعتقد الأصوات المؤيدة لهذا الطرح أن أكبر ميزة تمتلكها المسلسلات الإذاعية المقدمة في موسم رمضان الحالي هي ارتباطها بالتطور والحداثة في النص والسيناريو والفكرة ذاتها، كما أنها تعتمد بشكل أكبر على الحبكة والمؤثرات التي تخاطب عقل المستمع، لأن جمهور الإذاعة بطبعه يتخيل أكثر مما يشاهد، لذلك تركز هذه الأعمال بشكل أوسع على المضمون الجيد البعيد عن التقليد لتعويض إبهار الصورة.
وثمة شريحة ليست بالقليلة في المجتمع لم تعد تبهرها الصورة الجيدة فقط، حيث تبحث عن المضمون والحبكة وعمق القصة والتناول الفكاهي الجذاب والموسيقى المناسبة، لذلك استهوت بعض المسلسلات الإذاعية فئة من نجوم الصف الأول، بعد أن نجحت في تلبية رغبات الفنانين والجمهور معا، ومن الطبيعي أن يُكتب لها النجاح طالما حققت هذه المعادلة الصعبة.
تبرر فئة معتبرة من الجمهور المصري الإقبال على متابعة المسلسلات الإذاعية بأن التركيبة النفسية لهواة الدراما الرمضانية تغيرت ولم تعد مثل الماضي، وباتت هناك حالة من التشبع من الدراما التلفزيونية التي تتجاوز كل سنة الثلاثين عملا، كما أن الكثير منها أصبح غارقا في مناقشة قضايا جدلية ومثيرة وغير مرغوب فيها، مثل البلطجة والخيانة والانتقام والثأر، ناهيك عن كثافة السيارات في الشوارع المصرية، والتي انتبه لها صناع دراما الراديو في الوصول إلى شريحة كبيرة من قائديها.
تقول الناقدة الفنية ماجدة موريس لـ”العرب” إن “المسلسل الإذاعي يضيف إلى رصيد الفنان ولا يسحب منه، والممثل الذي يفضل المشاركة في أعمال درامية في الراديو يعطي انطباعا للجمهور بأنه موهوب، لكنه أيضا يستفيد من اقتحام منطقة خالية تقريبا من المنافسة مع شريحة من النجوم كما يحدث في التلفزيون المليء بأعمال مختلفة”.
وتضيف أن الأعمال الإذاعية تكشف الموهبة الحقيقية للفنان، لأن تأدية الدور في المسلسل الذي يبث عبر الراديو ولا يشاهده الناس بالعين ليس سهلا، على اعتبار أن التمثيل هنا يكون بالصوت لا بلغة الجسد، وبالتالي فالنجم بحاجة إلى جهد مضاعف وإمكانيات خاصة وموهبة كبيرة كي يجذب الناس وهم يستمتعون بالمسلسل.
المواهب الحقيقية
يفسر البعض من النقاد قبول بعض النجوم في الإذاعة وغيابهم عن الدراما التلفزيونية بأنهم يختارون أدوارهم بعناية شديدة، بعيدا عن اختزال الأمر في المشاركة وحب الظهور وتكرار الحضور لا أكثر.
هذه الشريحة تبدو قليلة في الوسط الفني بمصر، لأن النجم الذي يرفض الظهور التلفزيوني مقابل تفضيل الإذاعة يرغب في تحقيق نجاحات معنوية مرضية له، وإثبات القدرات والموهبة وأنه موجود على الساحة الفنية ولم يندثر.
◙ الدراما الإذاعية نجحت في جذب فئات جديدة من الجماهير عبر تقديم أعمال مؤثرة وغير تقليدية وتستحق المتابعة
بغض النظر عن مبررات كل فنان/ فنانة نحو الميل إلى الدراما الإذاعية بأنماطها المختلفة، فإنه يصعب فصل التوسع في مسلسلات الراديو عن حالة نمو الإنتاج الإذاعي الحاصلة في مصر مؤخرا، والسعي نحو ترضية الجمهور بشتى السبل من خلال التنوع والتشويق والاعتماد على أجيال شابة من المؤلفين والمخرجين وكتاب السيناريو والحوار، القادرين على مواجهة تعقيدات الكتابة الكوميدية ومناقشة القضايا بطريقة عميقة.
وتوضح موريس لـ"العرب" أن نجاح المسلسل الإذاعي يتطلب الموهبة الفنية مع الكتابة الخفيفة والسريعة التي تتناسب مع روح العصر والشباب، وبالتالي فنجومية الفنان وحدها تحتاج إلى عوامل مساعدة لنجاح العمل، وهذا يعتمد على المؤلف بشكل أساسي، ولذلك لا يتفوق النجم في العمل الإذاعي بإمكانياته فقط بعيدا عن القصة والسيناريو والجمع بين أسلوب المسرح والحكي القصصي والمؤثرات الصوتية.
وأثبتت النجاحات التي حققتها الدراما الإذاعية في مصر في مواسم رمضان خلال السنوات الماضية ذكاء الجمهور، وأنه يستطيع التمييز بين المحتوى المقدم ليختار ما يناسبه بعيدا عن زيادة الأعمال المطروحة، لأن العبرة في الدراما التجديد المحسوب، وهو ما عملت عليه الكثير من الإذاعات، باعتبار أن هذا الأمر يظل النافذة الوحيدة التي تعزز جماهيرية الراديو وسط المنافسة الشرسة مع القنوات والمنصات.