المسرح السوري ينفتح على المواهب الشابة في "حكايتنا"

مأمون الخطيب يقيم ورشة في الارتجال المسرحي تنتهي بعرض يسرد آلام وطن.
السبت 2021/03/06
شخصيات مأزومة تسعى إلى التحقّق بالحيلة والخديعة

لا ينفكّ محبّو فن المسرح في العالم يبتدعون طرقا جديدة تمكّنهم من متابعة شغفهم بأب الفنون ومُمارسته أيضا، فعدم دراسته أكاديميا لا يقف حائلا في سبيل التدرّب عليه والعمل فيه، فالكثير من المواهب المسرحية غير الأكاديمية قدّمت جهودا كبيرة في هذا المجال. ودعما لتلك المواهب نظّمت في دمشق مؤخرا ورشة مسرحية اختتمت بعرض مسرحي حمل عنوان “حكايتنا” قدّم على خشبة مسرح “الحمراء” الدمشقي العريق.

دمشق – “حكايتنا” عرض مسرحي كان نتاج ورشة مسرحية استمرت مدة ثلاثة أشهر نفذّتها مديرية المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة السورية بإشراف المسرحي السوري مأمون الخطيب، وبمشاركة ثلاثة عشر طالبا من الهواة، ليتم عرضه في ما بعد على خشبة مسرح “الحمراء” بدمشق.

وتنطلق أحداث المسرحية التي تتواصل عروضها حتى الثامن من مارس الجاري في بيت كبير بدمشق ورثته سيدة سورية عن أهلها، حيث تعيش فيه مع مجموعة من الشخوص تأرجحت بهم هزات الحياة وجعلتهم أشلاء، فصاروا جزءا من نسيجها اليومي.

تحاول السيدة التي صارت مهتمة بالروحانيات أن تصنع غدا آخر محفوفا بالأمل من خلال قراءتها للطالع والأبراج، ولكن كيف يتم لها ذلك وهي التي تشعر أنها مطاردة بالكآبة والوحشة وسط هذا البيت الكبير؟ كيف السبيل لتحقيق ذاتها وهي المحاصرة بمجموعة من الأشخاص الذين يحملون في دواخلهم الكثير من المآسي والمواجع؟

وبحكم سكنها معهم، يحتكّ بها أشخاص بسطاء لا يحملون إليها بريق الغد وسعادته، فتقرّر في لحظة جنون أن تبيع البيت وتهجر كل هذه الذكريات التعيسة لتعيش غدها المأمول، فيثور عليها من يستأجرون غرفا ومحلات فيه، وتحاصرها تلك الشخصيات المأزومة بقسوة.

مأمون الخطيب: مشوار الورشة انطلق من الصفر وصولا إلى مرحلة بناء الشخصية
مأمون الخطيب: مشوار الورشة انطلق من الصفر وصولا إلى مرحلة بناء الشخصية

مصائر متقاطعة

الألم كان السمة البارزة في بيت السيدة الكئيب انطلاقا من خادمتها الثرثارة التي تزوّجت ثم طلقت بعد عامين لأنها لا تستطيع الإنجاب، وصولا إلى الشابة التي أحبت صديقا لها لكن الأهل رفضوا زواجهما لأنهما من بيئتين مختلفتين فهربت معه واستقرّت في العاصمة، وبعد حملها بشهرين اختفى الزوج وترك جنينا وأما يواجهان المجهول، وعندما لم تجد نفعا من الشكوى تخلّصت من الجنين وصارت ممرضة تبيع الأدوية المهربة والتقارير الطبية.

وفي الجوار يعيش أبوالهدى تاجر العقارات الذي يكره والده لأنه كان قاسيا على زوجته التي كان يضربها ويسرق مالها. ولم يسعفها ذات ليلة بعد أن أبرحها ضربا فماتت، فسرق الولد مال أبيه الذي خبّأه وهرب به وبنى مقاما لها في المقبرة تشفيا بوالده. وغير بعيد عن البيت يظهر صاحب الفندق، زير النساء الذي لا يتوانى عن مطارحة أي أنثى انتقاما من زوجته التي هربت مع عشيقها قبل سنة من إتمام زواجهما، وكان صديق عمره، فحوّل فندقه الصغير إلى دار بغاء رخيص.

هكذا حمل العرض المسرحي “حكايتنا” عوالم شائكة عن مرحلة قاتمة يعيشها أهل البيت والحي، فيها الحب والكره والانتقام والتشفي والكذب والخديعة، حيث تتلاقى مصائرهم حينا وتتصادم في الغالب.

وعلى مدار زمنها الذي جاوز الساعة وربع الساعة قدّمت ثلاث عشرة شخصية توليفة إنسانية عميقة من تدفّق الألم الذي يمكن أن تسبّبه الحياة وتعقيداتها، لتنتهي محاولات المرأة بيع بيتها إلى الفشل، بعد أن عرفوا جميعا بأن البلدية ستقوم بهدمه في اليوم التالي، ليصفعوا جميعهم بصدمة رميهم إلى مخاطر التشرّد.

أحلام وطموحات

شخصيات مأزومة تسعى إلى التحقّق بالحيلة والخديعة
صراع الحب والكره

قبل ما يقارب الثلاثين عاما قدّم المسرح السوري من خلال مجموعة من الشباب المسرحي عرضا ارتجاليا حمل عنوان “النوه”، وحقّق بأسلوبه الساخر الجديد حينها هزة عنيفة لدى الجمهور السوري، ليكتشف من خلالها ما اصطلح على تسميته بالمسرح المرتجل الذي يمكن من خلاله تحقيق الكثير من الإبداع المسرحي الخلاّق، وهي التجربة التي لم تتكرّر كثيرا، ليقتصر الأمر لاحقا على بعض المحاولات الخجولة كانت آخرها منذ بضعة سنوات مع المسرحي الراحل محمد قارصلي عبر مسرحيته “ألبوم”.

وبعد مرور ما يزيد عن ربع قرن عن التجربة الأولى أتت مبادرة مديرية المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة السورية لتعيد للمسرح المرتجل بريقه بعرض “حكايتنا” عبر الورشة التي أشرف عليها المسرحي السوري مأمون الخطيب، وشارك فيها كل من القاسم أحمد وبراء السمكري وحازم قريني وحسين محمود وخالد حمزة وريمي جباعي وزين العيسى وعدنان عربيني ومحمد جمال مشناتي ومحمد نورس بهلوان وهالة البدين وندى رعد ويوسف عبدي.

وعن الورشة وأهدافها قال الخطيب “تحفل سوريا بالكثير من المواهب الفنية في فن المسرح، لكن الفرص قد لا تكون إلى جانبهم لكي يدرسوه ومن ثم يمارسون العمل فيه. ويتقدّم سنويا إلى المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق المئات من الأشخاص، لكن لا يبرز منهم في النهاية إلاّ قلة قليلة، الأمر الذي دفع العديد من الجهات إلى إيجاد حلول بديلة، فعملت بعض المنظمات الأهلية أو القطاعات المهنية على تأسيس مسارح مختلفة تحتضن هذه المواهب المسرحية”.

في انتظار أحلام لن تتحقّق
في انتظار أحلام لن تتحقّق

ويضيف الخطيب “كانت المبادرة من مديرية المسارح والموسيقى لفتح فرصة العمل المسرحي للعديد من الموهوبين الذين لم يجدوا فرصا في تعلم فن المسرح أكاديميا، فنظمت هذه الورشة التي استمرت مدة ثلاثة أشهر، تلقى فيها المشاركون والمشاركات دروسا وتطبيقات في فنون وعلوم المسرح حسب منهاج ستاسلافسكي”.

ويسترسل موضّحا “اعتمدنا في الورشة دروسا في الليونة والإلقاء المسرحي، وهي تجربة ضرورية كوننا نتعامل مع هواة يتطلعون للوصول إلى درجة الاحتراف في العمل المسرحي.. الورشة كانت تهدف إلى تعليم المشاركين كيف يتعاملون مع الشخصية المسرحية من درجة الصفر حتى امتلاك القدرة على بناء الشخصية المتكاملة (الكاراكتر)”.

ويكشف المخرج المسرحي لـ”العرب” أن الورشة انطلقت بما يفوق العشرين مشاركا، ثم أخذ عددهم في التناقص ليصل في مرحلة أولى إلى ستة عشر، ليستقرّ في النهاية على ثلاثة عشر.

ويضيف “قدّم كل منهم مجموعة من الأفكار التي يراها مناسبة من خلال نص مرتجل يحضره للعرض، ثم يتدرّب عليه من خلال الورشة وفريق العمل مع زملائه وحسب مخطّط منظم. وقد استعنا بخبرات الدراماتورج يزن السكري الذي قام بعدها بتوليفة للنص كي يصير كتلة واحدة، ويغدو صالحا لأن يقدّم من خلال عرض مسرحي متكامل”.

وعن فكرة النص ومدى مواكبته للراهن السوري، يقول “على خشبة مسرح الحمراء عرضت كلاسيكيات المسرح العالمي ومن خلالها قدّمت شخصيات وحكايات كثيرة روت ما يجري في الشرق والغرب، لذلك ارتأينا أن نعالج في المسرحية قضايا مستلهمة من حياتنا المعاصرة والظروف الخاصة بالمرحلة. فيومنا صار مليئا بالأحداث والتفاصيل الصغيرة التي تتوالد فيها العشرات من الحكايات، وحريّ بنا تقديمها إلى جانب كل أشكال المسرح العالمي، وأن نلتفت لتقديم ما هو حار ومؤلم ولصيق بنا في حياتنا بأدق تفاصيلها”.

وعن حالة الشغف التي رافقت المشاركين في العمل، يقول الخطيب “اتسم الجميع بالجدية في التعامل مع كل ما يطلب منهم، قدّمنا لهم خلال ثلاثة أشهر منهاج الصفين الأول والثاني المعتمد في المعهد العالي للفنون المسرحية بشكل مكثف، وقد استطاعوا التعامل معه بكل إخلاص. كانت المرحلة الأولى صعبة على الجميع، لكنهم مع مرور الوقت دخلوا في تفاصيل اللعبة”.

سكان البيت في مواجهة قرار الهدم
سكان البيت في مواجهة قرار الهدم

 

15