المرشحون إلى البرلمان التونسي الجديد: وعود كبيرة وصلاحيات محدودة

ما ينقله التلفزيون التونسي من مداخلات للمرشحين إلى البرلمان تسيطر عليه الوعود الكبرى والمزايدات بدل الأفكار الواقعية التي ينتظرها الناس. السبب أن المرشحين يسيرون على خطى البرلمان السابق متناسين أن المعطيات تغيرت، فليس الأحزاب من ستحكم بل الرئيس الذي يعين الحكومة ويسطر برنامجها.
تونس - تدخل الحملة الانتخابية التي يخوضها المرشحون للانتخابات التشريعية في تونس أسبوعها الأخير، وسط ارتفاع سقف الوعود والانتظارات لكسب ودّ الناخبين، وهو ما يطرح تساؤلات في الأوساط السياسية بالبلاد حول قيمة تلك الوعود، خصوصا وأن المرشحين ليس لهم أحزاب ولا هم من حزب الرئيس قيس سعيد حتى إذا صعدوا إلى البرلمان كان تأثيرهم قويا.
ويجمع متابعون للشأن التونسي على أنه من الصعب أن يفي النواب بالوعود الكبيرة التي يطلقونها لفائدة الفئات الشعبية، لأن الرئيس هو من يحكم ولا أحد يقترح أو يأمر بتنفيذ برامج سواه، فضلا عن كون إنجاز تلك المشاريع هو من مشمولات الحكومة.
ويقول مراقبون إن المرشحين يأخذهم الحماس كثيرا فيرددون نفس ما كان يردده نواب البرلمانات السابقة من وعود كبيرة ومتعددة، محذرين من أن النتيجة قد تكون واحدا، وأن يظهر برلمان تسيطر عليه الشعارات والاستعراضات دون فهم لحدود تحرك النواب وصلاحياتهم.
وانطلقت الحملة الانتخابية في الخامس والعشرين من نوفمبر الماضي، ويبدأ الصمت الانتخابي في الرابع عشر من ديسمبر الجاري، قبل 3 أيام من الاقتراع.
والانتخابات البرلمانية المرتقبة (17 ديسمبر الجاري)، هي المحطّة الأخيرة من خارطة الطريق التي أعلن عنها الرئيس سعيد منذ 25 يوليو من العام الماضي، وبدأها بتنظيم استشارة إلكترونية شعبية حول الإصلاحات السياسية والدستورية.
وسيتألف البرلمان الجديد من 161 نائبا، بموجب الدستور الجديد الذي تم إقراره في استفتاء 25 يوليو الماضي، وشارك فيه نحو 3 ملايين تونسي.
وفي الوقت الذي تعتبر فيه قوى تونسية أن هذه الإجراءات “تكريس لحكم فردي مطلق”، ترى قوى أخرى أنه “تصحيح لمسار ثورة 2011”، التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي (1987 - 2011).
أما الرئيس سعيد، الذي بدأ في 2019 فترة رئاسية تستمر 5 سنوات، فقال إن إجراءاته “ضرورية وقانونية” لإنقاذ الدولة من “انهيار شامل”.
ولعلّ ما يزيد من صعوبة الإيفاء بتلك الوعود، هو أن الحكومة لن تخضع بعد انتخاب البرلمان الجديد سوى لإرادة الرئيس سعيّد، وهو ما يعني أن مهمة النواب تقتصر على المراقبة فقط دون التدخل في ضبط البرامج، وبالتالي لا أحد يقدر على تنفيذ أيّ وعد يطلقه الآن.
وتقول شخصيات سياسية إن صلاحيات البرلمان الجديد محدودة، فضلا عن كون المرشحين للانتخابات التشريعية يجهلون صلاحيات البرلمان المرتقب، ويقدمون وعودا من أجل الظفر بمقاعد نيابية، كما أن الدستور الجديد ضيّق صلاحيات البرلمان التشريعية والرقابية.
وأفاد المحلل السياسي مراد علاّلة أن “هؤلاء المرشحين يضعون أنفسهم في فخّ، وهم يدركون جيّدا أن صلاحيات البرلمان القادم محدودة والأولوية للسلطة التنفيذية، ومع ذلك يصرّون على رفع سقف الوعود، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فهم يعلمون أنه يوجد سيف مسلّط على رقابهم يتمثل في سحب الوكالة إذا لم يتم تنفيذ تلك الوعود”.
وأوضح علالة في تصريح لـ”العرب”، “في الحالتين، سيدفعون ثمن هذا السلوك الشعبوي، وفي نفس الوقت جهلهم بالقانون الانتخابي، وهم يعلمون جيدا أن من وصل قبلهم لأروقة البرلمان اعتمد نفس الطريقة”.
واستطرد قائلا “هيئة الانتخابات تسجل نفس الجرائم الانتخابية التي ترتكب سابقا، والناس أصبحوا يتعاملون مع الشأن العام بمنطق الغنيمة”.
ويتسابق المرشحون في كل الدوائر الانتخابية لتقديم وعود تضمن لهم الحصول على أصوات انتخابية إضافية، تتعلق أساسا بالمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتحسين الخدمات العمومية، فضلا عن حلحلة عدد من الملفات الهامة التي عجزت الحكومات المتعاقبة عن فتحها.
وأكد ناجي جلول رئيس الائتلاف الوطني التونسي أنه “منذ 10 سنوات ونحن نقدم الوعود ولم يتم تطبيقها، واليوم الدولة في حالة إفلاس غير معلن، والمرشحون يقدمون وعودا لكن الرئيس هو من يحكم”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “هؤلاء لهم أهداف مادية بالأساس بتقديم الترشحات للنيابة في البرلمان، ولا يعرفون الدستور الجديد ولم يطّلعوا عليه، واليوم يوجد فشل جماعي على جميع المستويات”.
في المقابل، يؤكد متابعون للشأن السياسي في البلاد، أن المحطة الانتخابية الجديدة ستفرز برلمانا خاليا لأول مرة من المال السياسي الفاسد ونواب تتعلق بهم شبهات فساد، كما سيسعى المرشحون إلى خلق خطط تنموية جديدة تقوم على المساواة والعدالة الاجتماعية.
وتساءل المحلل السياسي باسل الترجمان “ما قيمة الوعود التي قدمتها الأحزاب البرلمانية السابقة من 2011 حتى 25 يوليو 2021؟”، وأضاف “هؤلاء مرشحون محليون، وهذه التجربة تقام لأول مرة في تاريخ البلاد، كما أن هذا التغيير سيمكننا من معرفة المرشحين، وسنشاهد انتخابات دون مال سياسي”.
وأضاف لـ”العرب”، “هم سيسعون لخلق نموذج جديد يقوم على مبدأ المساواة والعدالة بين الجهات في تونس، وستكون هناك مشاريع تراعي المصلحة الوطنية، خلافا لما قدمته الأحزاب سابقا”.
ويبلغ عدد المرشحين للانتخابات التشريعية، 1058 مرشحا (936 رجلاً و122 امرأةً). وتبثّ القناة التلفزيونية الرسمية في تونس، منذ تاريخ 25 نوفمبر الماضي وحتى 15 ديسمبر الجاري، مداخلات مباشرة تتيح فيها للمرشحين فرصة التعبير عن برامجهم الانتخابية وتقديم وعودهم للجهات.
وأكّد رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر الخميس أن الهيئة أشرفت على عملية نقل المواد الانتخابية من بطاقات اقتراع ومحاضر الاقتراع والفرز والصناديق والحبر الانتخابي التي سيتم توزيعها على مخازن الهيئات الفرعية للانتخابات.
وأشار رئيس هيئة الانتخابات “ستوزّع المواد الانتخابية على أكثر من 4500 هيئة فرعية التي سيتم توزيعها على مراكز الاقتراع التابعة لها والبالغ عددها 11500 وسيتم توزيعها على مراكز الاقتراع في المساء الذي يسبق يوم التصويت أي مساء يوم 16 ديسمبر القادم تحت إشراف وحدات الأمن والجيش الوطنيين”.
ودعا بوعسكر عموم التونسيين إلى المشاركة في الانتخابات مشدّدا على أن الهيئة شارفت على الانتهاء من واجبها المتعلّق بالعمل اللوجيستي للعملية الانتخابية قائلا “لم يبق سوى أن يتوجّه التونسيون للقيام بواجبهم الانتخابي”.
في المقابل، دعت خمسة أحزاب، هي حزب العمال والحزب الجمهوري والتيار الديمقراطي وحزب التكتل وحزب القطب، التونسيين إلى مقاطعة ما وصفته “بالانتخابات المهزلة”.
وأوضحت في بيان مشترك أن “أولى مقدمات إنقاذ البلاد من هذه المنظومة الشعبوية هي نزع الشرعية عن مؤسسات نظامها ومقاطعة مهزلتها الانتخابيّة”.