المرأة مفتولة العضلات جمال يناسب تطورات العصر

أصبح إقبال الكثير من السيدات على الاهتمام ببناء عضلات بارزة وقوية ظاهرة ملفتة في بعض المجتمعات العربية. كما أنها تقدم صورة مختلفة عن طبيعة المرأة، ما جعلها مرهونة بكونها رسالة اجتماعية متعددة الأوجه، مع تأثير وتيرة العصر السريعة ولعب إمكانات الرجل القوية دورا للتمييز في العمل والحصول على الكثير من الفرص.
أخذت الصورة النمطية لجسد المرأة أشكالا مختلفة ومتقلبة. واعتبر بعض الفلاسفة جسد المرأة انعكاسا للتطورات الحاصلة في المجتمع وبنيانه، باعتبار أنه مادة لتأريخ التغيرات وفهم ما يجذب الرجال وأحيانا سطوة النساء عليهم. ووصل الأمر إلى وصف الفيلسوف الفرنسي فرانسوا ماري آروويه لجسد المرأة بأنه صانع البهجة ومطلق الحروب.
عكس ظهور ثقافة جديدة حول جسد المرأة مفتولة العضلات والإقبال الكبير على صالات الألعاب الرياضة والألعاب القتالية الصعبة، حجم التغيرات المجتمعية، التي وصلت إلى ما يشبه الظاهرة، لاسيما مع ظهور فتيات يمارسن رياضة رفع الأثقال لبناء جسد قوي تبرز فيه انحناءات العضلات، وسط عالم كان مغلقا على الرجال.
كانت ممارسة السيدات العربيات للرياضة قاصرة على ألعاب معينة، تميل إلى الرقة والهدوء والتعبير عن المشاعر في الكثير من الأحيان، كالجمباز والسباحة والرقص الإيقاعي، وسرعان ما تحولت المسألة إلى مشاركة نسائية واسعة خرجت فيها المرأة لتزاحم الرجل في رياضات اتسمت بالقوة والعنف والكثير من الخشونة.
صوبت بعض السيدات تركيزهن على فكرة أن جمال الجسد يبدأ بخسارة الوزن، فأدى ذلك إلى ظهور العشرات من الأندية الصحية الخاصة بالسيدات ومزاحمة الرجال الباحثين عن كمال الأجسام لتساهم في فقدان الدهون الإضافية.
وقدم الاختلاط الواسع مع رياضة بناء العضلات الضخمة فهما دقيقا للتحول الظاهر مع رغبة الكثيرات منهن أن يشتركن مع الرجال في عالمهم وبناء أجساد مفتولة.
وقالت ميرفيت حمدي، وهي سيدة في بداية الثلاثينات، إنها تواظب على الذهاب إلى الصالات الرياضية المتخصصة في رفع الأوزان الثقيلة منذ أكثر من عامين، لأن الدراسات العلمية ودخول المرأة عالم القوة أثبتا أن المرأة قادرة على التعامل مع هذا النوع من الرياضات.
وأوضحت حمدي لـ”العرب” أن الرياضة عموما مجال مهم وواسع في الحياة، مثل مجالات أخرى كثيرة ظلت المرأة تناضل فيها من أجل البحث عن تكافؤ في الفرص والإمكانات.
وترى الشابة الثلاثينية أن تغير ثقافة المرأة من البحث عن الجسد اليافع والممشوق إلى ثقافة بناء العضلات والحصول على جسم قوي تعطي انطباعا أقرب إلى أن هناك مساواة بين الرجل والمرأة، وإن كان التمييز بين الجنسين يقوم على القوة، فالنساء أيضا لديهن القدرة على اكتساب الصلابة من صالات الألعاب.
تأقلم الجسد
يعتبر جسد المرأة وسيلة لتأريخ التغيرات الاجتماعية، حيث كشف متحف “يوركشاير” البريطاني، وهو مختص في دراسة علوم تطور الإنسان عبر الموضة والملابس والأطعمة، أن النساء عبر التاريخ يسعين غالبا إلى تأقلم أجسادهن مع المعايير السائدة في كل فترة.
بعد الثورة الفرنسية عام 1789، ساهم التحول السياسي نحو المزيد من الليبرالية في تغير ثقافة الجسد، حيث كان الجسد المترهل يمثل دليلا على الارستقراطية والثراء إلى نمط جديد يبحث عن الجسد الممشوق، كدليل على الانطلاق والحرية.
وطرأت، في القرن العشرين، العديد من التغيرات على صورة جسد المرأة في بعض الدول العربية، حيث ساهم خروج المرأة في احتجاجات في بدايات القرن 20 في بلدان مثل مصر ولبنان وسوريا للمطالبة باستقلال بلدانهن عن الاستعمار، في ولوج جسد المرأة إلى أنماط أخرى اهتمت فيها بالشكل الجمالي للوجه وممارسة الرياضة للحفاظ على اللياقة لتعبر عن المرحلة الجديدة.
يبدو أن الرجل قيمة أساسية في مسألة تغير رؤية السيدات لأجسادهن، ليصبح الجسد في كثير من الأحيان رسالة تحد أو احتجاج للمطالبة بالمساواة أو قضية جذب وتعاطف.
وقالت خلود عاصم، وهي مدربة كمال أجسام في صالة رياضية خاصة، “من حق المرأة أن تبحث عن الرياضة المناسبة للتعبير عن نفسها، والجسد القوي مفتول العضلات لم يعد كما يروج البعض يأخذ من أنوثة المرأة، لكنه يفرض عليها جمالا، لكن من نوع آخر”.
وأوضحت عاصم لـ”العرب”، أنها عبر عملها الطويل في مجال كمال الأجسام واحتكاكها بالكثير من السيدات الراغبات في تقوية أجسادهن وجدت أن الأمر ليس اقتحاما أو احتلالا لعالم خاص بالذكور، لكنه رغبة في تحقيق قدر من القبول والاحترام والتأكيد على أن سطوة الرجل لا يمكن أن تبعث من قوته البدنية.
ولفتت عاصم إلى أنها تعرضت لمضايقات كثيرة بعد أن ظهرت العضلات على جسدها، وبات البعض يشبهها بالرجال ويطلق عليها ألقابا ذكورية للسخرية منها.
وأشارت إلى أن زيادة عدد السيدات المقبلات على ألعاب القوة غيّر الكثير من الثقافة وجعل وجود سيدة تجاور رجل في صالة الجيم أمرا اعتياديا، بل وصل الأمر إلى تشجيع الكثير من الرجال لهؤلاء الباحثات عن أجساد قوية وعضلات بارزة.
رغبة في المنافسة
تمثل التنافسية مربط الفرس في مسألة ولوج المرأة عالم القوة. ومع ظهور سجالات حول الكثير من الوظائف القاصرة على الرجال بدافع احتياجها لعمل بدني قوي وشاق، كان على المرأة كسر نمطية قوة الرجل على حسابها باكتساب قوة أكبر تجعلها مؤهلة للعمل في كافة المجالات.
وأكدت علياء المحمدي، مهندسة متخصصة في كهرباء السيارات، أن العمل في مجالات الصناعة يحتاج إلى جهد مضاعف لتحمل الحرارة أو الوقوف لساعات طويلة بالمصنع أو المشاركة أحيانا في أعمال رفع بعض القطع الثقيلة، وبالتالي ينظر إلى العمل بأنه غير مناسب للمرأة لأنها كائن ضعيف.
وأوضحت المحمدي لـ”العرب”، أنها منذ الوهلة الأولى كانت على يقين أن إثبات العكس هو الحل الوحيد من أجل النجاح في عملها والترقي، وأصبحت تواظب على رياضة “كروس فيت” وهي رياضة تجمع ما بين رفع الأثقال وحركات المرونة والجمباز، لتقوية جسدها.
ولفتت إلى أنها تعرضت لتحذيرات جمّة بأن ذلك سيؤثر على شكل جسدها ويفقدها الكثير من أنوثتها بسبب الهرمونات الذكورية المتعلقة بتلك الرياضات، لكن في النهاية لم تهتم، وهي الآن قادرة على منافسة الرجال في التحمل، لأن معايير الجمال تغيرت عن السابق.
وقال حسام بهجت، أستاذ متخصص بالتجميل والجلدية بجامعة طنطا في شمال القاهرة، إن تكوين الأنثى يختلف تماما عن تكوين الرجل، من ناحية القوة والهيكل العظمي ونسبة الهرمونات داخل الجسم، واستخدام الأجهزة والأثقال الحرة للمرأة داخل صالات الجيم لا يؤثر مطلقا على أنوثتها، بل يزيد من مستوى لياقتها ورشاقتها وأنوثتها.
وأضاف بهجت لـ”العرب” “ما نراه للاعبات لديهن عضلات ضخمة تشبه عضلات الرجال، سببه الخلل الهرموني وارتفاع في نسبة هرمون التستوسيرون الذكوري، أو أنهن يتناولن هرمونات ذكورية مصنعة بهدف المشاركة في عدد من الرياضات التي تحتاج إلى قوة زائدة عن إمكانياتهن كرفع الأثقال أو كمال الأجسام”.
وأشار إلى أن الشعور بالقوة مسألة يبحث عنها الإنسان، سواء كان رجلا أم امرأة، والوصول إليها فيه الكثير من الشغف الفطري، بالتالي لا يجب لوم الباحثات عن المزيد من القوة، فالأمر لا يخل بالميزان البيولوجي، ويقدم المرأة بصورة عصرية تناسب المرحلة التي نعيش فيها.
ويلعب تطور أشكال الرياضة دورا فعالا في تغير ثقافة رعاية الجسد لدى السيدات، ومع تغير فلسفة المجهود البدني من التركيز على الحركة المفرطة مثل الجري وقفز الحواجز أو ألعاب القتال التقليدية مثل الملاكمة إلى رياضات تجمع عدة أشكال من الرياضة معا مثل المصارعة التايلاندية والكروس فيت والملاكمة الحرة، حصلت المرأة على مجال أوسع لممارسة الرياضة.
وفتحت تلك الرياضات للسيدات فرصة لإثبات الذات واكتشاف جوانب خفية من تطور الإمكانات الجسدية لهن، عبر التدرب على حركات كالقفز العالي واللكمات وسرعة الارتداد وتأدية حركات سريعة مع حمل مكثف، لتبرز لدى المرأة قناعة بأنها ناجحة وفعالة ولديها قدرات كامنة.
تغيرات كبيرة
يرى البعض أن مسألة تربية عضلات قوية وبارزة لدى المرأة مرهونة بالرغبة في لفت الانتباه والشعور أنها مميزة وجذابة. وتعزز هذا الارتباط مع تغير نظرة الرجل نفسه مع الزمن نحو مفاتن المرأة والمعايير الخاصة بجمالها.
ويصعب وضع قائمة موحدة لما يفتن الرجل في جسد المرأة مع تغير الأذواق حسب البيئة والثقافة والجغرافيا والمستوى التعليمي. ويفرض تغير المجتمع الحالي نحو تقديس القوة والهيمنة والسرعة والقدرة على التأقلم والتكيف مع مصاعب وسرعة العصر، شكلا خاصا على المرأة التي باتت مطالبة أن تكسر “تابوهات” أو محرمات سيدة المنزل لتمارس أعمالا شاقة وتصبح متعددة المهام. ويناسب ظهور السيدات بمظهر القوة والاستقلالية ما يحتاجه الكثير من الرجال ويثير اهتمامهم.
ويبقى معيار الجمال الأنثوي مرهونا بالثقافة والفكر والتحولات الاجتماعية، وهي مسألة تكشف عنها الكثير من الدراسات.
وكانت المجتمعات العربية حتى منتصف القرن العشرين تربط جمال المرأة بجسدها الكبير ومفاتنها الضخمة. لكن الصورة تغيرت مع الانفتاح على العالم وتأكد أن الجسد النحيل الممشوق من أهم معايير المرأة الجميلة والجذابة.
وفي هذا الصدد، شبّه خبير التجميل أحمد شوكت أنماط جمال المرأة بصيحات الملابس تماما؛ فمثلما تتغير الموضة من السروال الواسع إلى الضيق، تصبح معايير جمال الوجه والجسد متغيرة وبسرعة كبيرة.
وكشف شوكت لـ”العرب”، أن النظرة للمرأة مفتولة العضلات كانت تدور في فلك أنها تشبه الرجل وتفقد بريقها، وهي محل شك، لكن التطور الذي شهده عالم الرياضة والتغير النوعي في أشكال الرياضة الحديثة والتطور الحاصل في السلوك العام في المجتمعات العربية نحو الاهتمام بالرياضة والحركة. كلها من العوامل التي غيرت مفهوم الجمال عند الرجل والمرأة.
وأضاف “لا تذهب المرأة إلى صالة الألعاب لبناء عضلات وتقوية جسدها فقط، لكنها تجذب الانتباه وتصنع جسما قويا وممشوقا يجذب الرجل ويجعلها تشعر أنها أكثر جمالا”.
ولا تزال صور النساء وهن مفتولات العضلات قضية أكثر رحابة من مجرد تشويه لمظهر الأنثى الاعتيادي والتقليدي، وأقرب إلى الاحتجاج الاجتماعي، وآلية لرصد ما يفرضه العالم من سرعة لا تلتفت كثيرا للأمور التقليدية، الأمر الذي يؤكد أن الفترة المقبلة قد تشهد المزيد من التغيرات بشأن مقاييس الجمال عند المرأة.