المرأة المفتية.. هل تخفف مشاكل الأسرة المصرية؟

تأنيث الفتاوى يؤسس لمواجهة العنف الأسري.
الثلاثاء 2023/03/14
تمكين المرأة فقهيا يخدم الأسرة بدرجة أولى

يؤيد خبراء الأسرة عمل المرأة كمفتية ويرون أن القرار من شأنه أن يغير قناعات الأسر التي تتعامل مع النساء بدونية أو عدم اكتراث، حيث تم تبرير غياب التمكين الفقهي للنساء بكونهن ناقصات عقل ودين. ويشير الخبراء إلى أن تأنيث الفتوى واللجوء إلى سيدة واعية من شأنهما تحجيم الفتاوى التي تخرج عن رجال دين، وتحمل تحريضا أسريا مباشرا ضد النساء.

القاهرة - تتفق غالبية آراء المختصين في الشؤون الأسرية بالمجتمعات الشرقية على أن وقف فوضى الفتاوى المرتبطة بالعلاقات العائلية يظل السبيل الأمثل لحياة خالية من المنغصات والتشدد الفكري والعنف النفسي والمعنوي وخفض نسب الطلاق، لاسيما في المناطق التي تدمن الفتوى وتجعلها أساسا لتسيير علاقاتها بالآخرين.

وأدركت دار الإفتاء المصرية خطورة التماهي الاجتماعي مع الفتاوى التي تصدر بشكل غير منضبط وترتبط بالعلاقات الأسرية، فقررت أن تعتمد على العنصر النسائي في الفتوى وتقرر لأول مرة في تاريخها تعيين باحثة شرعية (زينب محمد) في منصب عضو أمانة لجنة الفتوى لتركز على الفتاوى النسوية بعد أن أثارت فتاوى الرجل جدلا كبيرا في الفترة الماضية، وحملها البعض مسؤولية ارتفاع نسب الطلاق في مصر.

عبير سليمان: المؤسسة الدينية مطالبة بالمزيد من  التمكين الفقهي للمرأة
عبير سليمان: المؤسسة الدينية مطالبة بالمزيد من  التمكين الفقهي للمرأة

وجاءت الخطوة مكملة لما أقرته وزارة الأوقاف المصرية من قبل بشأن إطلاق أول أربعة مجالس للإفتاء في مجال المرأة لتكون مختصة بالفتاوى والتفسيرات المرتبطة بالعلاقات الأسرية وشؤون السيدات، الأمر الذي وصفه المجلس القومي للمرأة في حينه بأنه “تمكين نسوي يؤسس لمواجهة العنف الأسري”.

وتتهم الفتاوى الشاذة بأنها القاعدة التي يبنى عليها العنف الأسري ضد النساء في أي بيئة تقدس الرأي الديني في تسيير حياتها، فالسيدات في هذه البيئة يواجهن استسهالا في نشر ثقافة التحريم حول كل ما يرتبط بالمرأة على مستوى الجسد والسلوك والتصرفات وعلاقاتها بالآخرين.

وذاقت الكثير من النساء مرارة إصدار الأحكام المسبقة عليهن من جانب أصحاب العقليات الشاذة من رجال الدين، ما استدعى توسيع قاعدة الاعتماد على الفتوى المؤنثة، على الأقل عندما تفتي امرأة، فهي تفهم وتدرك وتعي متطلبات واحتياجات وظروف النساء مثلها وتكون رحيمة وعقلانية في أحكامها.

وبعكس الرجل المفتي، خاصة لو كان سلفيا متشددا، فهو يصدر أحكاما عدوانية يتلقفها الزوج والأب والأخ ويطبقها كل منهم بلا وعي أو إعمال للعقل والمنطق، فعندما يسمع أو يقرأ فتوى تحدد كيف تلبس المرأة وإلا أصبحت متبرجة وعارا على أهلها، سيضطر إلى تطبيق النص الديني بشكل أعمى، وهكذا في قضايا أقل أهمية.

وهناك شريحة كبيرة من النساء في الأسر العربية أكثر تمردا على الالتزام بقدسية الفتاوى الذكورية التي تحدد الإطار الجسدي لهن وتتحكم في حياتهن، لكن الأغلبية يعشن أسيرات لتشدد عائلاتهن، وأي رأي يصدر ولو كان من متشدد يكون مقدسا.

ويرى مؤيدون لعمل المرأة مفتية أن القرار سوف يغير من قناعات الأسر التي تتعامل مع النساء بدونية أو عدم اكتراث، حيث تم تبرير غياب التمكين الفقهي للنساء بزعم أن السيدات ناقصات عقل ودين، وهو ميراث انتقل بالتبعية جيلا وراء جيل، وصارت المرأة في نظر الكثير من العائلات تابعة وبحاجة إلى وصاية.

ومن شأن تأنيث الفتوى واللجوء إلى سيدة واعية تحجيم الفتاوى التي تخرج عن رجال دين، وأغلبها يحمل تحريضا أسريا مباشرا ضد النساء، لأن أصحابها لديهم وجهة نظر محددة تجاه المرأة، وهي أنها خاضعة ومخلوق وُجد من أجل متعة الرجل، ولا يحق لها التحرك بحرية والتصرف والاستقلالية بعيدا عن الوصي.

من الصعب القضاء على النظرة الدونية للمرأة داخل الأسرة بلا تمكين فقهي للنساء ليكن وحدهن من يتعاملن مع الاستفسارات الخاصة وطبيعة التعامل مع السيدات

وقالت عبير سليمان الباحثة المتخصصة في قضايا المرأة بالقاهرة إن النساء اللاتي يعشن في مجتمع يقدس الرؤى الدينية دفعن فواتير باهظة للفتاوى الذكورية التي اختزلت المرأة في المتعة، ورؤى أخرى اختزلت عفة المرأة في تغطية جسدها، ولا يمكن وقف تحرش الفتاوى بالأنثى دون التمكين الفقهي للسيدات.

وأضافت لـ”العرب” أن وضعية المرأة داخل الأسرة والمجتمع سوف تتحسن عندما تكون الفتاوى الخاصة بالأمور النسوية صادرة عن عالمة دينية، فالمرأة وحدها من تشعر بمعاناة النساء واحتياجاتهن وما يتوافق مع حياتهن، وهو ما يمكنهن من أن يعشن بصورة أكثر إنسانية.

وظلت مشكلة الكثير من السيدات أن رجال الفتوى يصدرون أحكاما دينية في قضايا شديدة الخصوصية للمرأة، بغض النظر عن فهمهم لطبيعة واحتياجات ومعاناة النساء، فتراهم يتحدثون عن أشياء لا تدركها سوى السيدات، وأغلبها يخضع لوجهات نظر أصحابها، وعلى أساسها يصدر الحكم بالإباحة أو التحريم.

ولأن هؤلاء المفتين من الرجال لديهم توجهات مبدئية مناهضة للمرأة، تأتي فتاواهم محاطة بلغة التحريم القطعي، وهو رأي ضيق تتعامل معه الأسر بقدسية، ويزداد العنف الجسدي والنفسي بحق المرأة كلما ارتفعت معدلات الأمية، وهي مشكلة أزلية في الكثير من المجتمعات الشرقية.

وثمة فتاوى صدرت عن تحريم عمليات التجميل أو تكبير حجم الصدر لإرضاء الزوج، لكن عندما تخرج عن امرأة مفتية فلن تكون محاطة بالتحريم، لأنها تعي وتفهم قيمة هذه الجراحات للسيدات وتدرك أهمية وصول المرأة إلى قمة جمالها لإرضاء شريكها.

مؤيدو عمل المرأة مفتية يرون أن القرار سوف يغير من قناعات الأسر التي تتعامل مع النساء بدونية أو عدم اكتراث

وعندما تخرج مثل هذه الفتاوى عن رجل فقد يُفتي عن غير فهم أو وعي لقيمة ما يتحدث عنه، ويستند على وجهة نظره لتدخل المرأة في تجميل نفسها، وهي آراء إذا تعاملت معها الأسر بقدسية تقود إلى عنف متعمد ضد المرأة، باعتبارها خالفت تعاليم الدين. معروف أن المعيار الأهم في تحليل الفتوى ذات الأبعاد الأسرية بشكل عقلاني وتحديد مدى قبولها من عدمه يرتبط بمستوى تعليم وثقافة وتحضر الأهالي، لكن هناك مجتمعات تصل فيها معدلات الجهل إلى مستويات قياسية، حتى صارت أجساد النساء عرضة للانتهاك أمام الفتاوى الشاذة.

ويصعب فصل التوجه نحو تأنيث الفتوى في مصر عن معدلات الفتاوى التي تخص العلاقات الأسرية، إذ تمثل نحو 63 في المئة من الأسئلة والاستفسارات التي تصل إلى المؤسسة الدينية، وهو ما رأت دار الإفتاء أنه بحاجة إلى رؤى عقلانية تحصن القوام العائلي وتجعله أكثر تماسكا وبعيدا عن التفكيك.

وأوضحت سليمان لـ”العرب” أن المؤسسة الدينية مطالبة بمزيد من التمكين الفقهي للمرأة إذا كانت ترغب في الاستقرار الأسري، ووقف حالة الانفلات التي قد تتأسس على رؤى دينية ذكورية ضيقة، طالما أن معظم الأسر تتعامل مع الفتاوى بطريقة القبول بالإجبار مهما كانت هوية صاحبها.

ومن الصعب القضاء على النظرة الدونية للمرأة داخل الأسرة بلا تمكين فقهي للنساء ليكن وحدهن من يتعاملن مع الاستفسارات الخاصة وطبيعة التعامل مع السيدات، وجلب حقوقهن، لكن العبرة في تقبل تلك الرؤى عندما تكون صادرة عن مفتية، وليس رجل دين، وهذا بحاجة إلى تغيير ثقافي وفكري.

العبرة في مدى تقبل الأهالي لفتاوى عالمة دين أن يتم التوسع في تمكين المرأة فقهيا، لأن إقناع الأسر بالتعامل مع النساء بتحضر لن يتحقق بعيدا عن المناصفة في الفتوى بين الجنسين، فحرمانها من أن تصبح فقيهة يعني أنها بحاجة إلى تقويم مستمر وسوف تبقى في نظر عائلتها كأنها ناقصة عقل ودين.

15