المرأة المصرية تنتزع من طليقها حق اختيار النظام التعليمي لأبنائها

أسدل القضاء المصري الستار عن أكثر دعوى جسّدت بشكل درامي صراع العائلات على اختيار النظام المدرسي للأطفال، وانتصر للمرأة وحكم بأحقيتها في اختيار النظام التعليمي لأبنائها بعد الانفصال عن زوجها، لإنقاذ الأطفال من الصراع والتناحر بعد حصول كل طرف على أحكام متلاحقة بالأحقية في الحضانة والولاية التعليمية تغاير الأخرى.
الخميس 2016/03/24
الرعاية التعليمية ترتبط بمصلحة المحضون في البقاء عند أمه

أمام القاضي محمد عبدالوهاب، رئيس محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية، وقف الطفلان (محمد وإسراء) يبكيان ويترافعان عن نفسيهما، قائلين “سيدي القاضي.. نريد حلا لهذا الصراع الذي حرمنا العام الماضي من دخول الامتحانات.. نريد أن نعيش في حضن الأم بعيدا عن قسوة الأب”، وأمام دموعهما حكم القاضي للأم وألغى كل ما سبق من أحكام.

وللمرة الأولى في تاريخ القضاء المصري تقريبا، تهاجم المحكمة جمود فكر بعض الفقهاء والمجتهدين في الدين، وتطالب بالتصدي لظاهرة التقليد وشيوع إغلاق باب الاجتهاد الذي كان يتوقف عند حق الآباء في حضانة الأطفال تعليميا، ووصفت ذلك بأنه “جمود وركود”، حيث يقتصر النشاط الفقهي على اجترار التراث دون إضافة، أو شق طريق التجديد والتطوير ومواكبة روح العصر والتعبير عن بيئته ومشكلاته المختلفة تسايرا مع التطور الزمني.

رسائل عديدة أراد القضاء إيصالها، بأن الصغار لا ذنب لهم في أن يكونوا أداة بيد أحد يلعب بهم ويحقق من ورائهم المكاسب، أو يتخذ منهم هذا أو ذاك وسيلة لتحقيق مآرب لا صلة لها بمصلحة الصغير.

لذا فإن تحقيق مصلحة الصغير يقتضي أن تكون شؤونه التعليمية بيد من التصق بها في كل دقائق حياته اليومية، وهي حاضنته الأولى رعاية وتربية بعيدا عن هوى الأب، وأن انتزاع حق الرعاية التعليمية للصغار من الأم يعد مظلمة بحقهم وإخلالا لصفائهم النفسي وأمنهم واطمئنانهم واستقرارهم.

وكانت محكمة الأسرة ضلعا رئيسيا في هذا الصراع، بعدما أصدرت ثمانية أحكام متلاحقة عن الحضانة والولاية التعليمية بين الأب والأم والجدة للأب والجدة للأم، تجسد قمة الصراع والتناحر على الطفلين، ما اضطرهما للدفاع عن حقوقهما بنفسيهما أمام المحكمة، حيث اشتكيا من قسوة الأب عليهما، فردت محكمة القضاء الإداري، وهي أعلى جهة في محكمة الأسرة، بأنه لا توجد قوة على الأرض قادرة على فصل قلب الأمومة ووجدانها عن أطفالها وتعليمهم.

الحكم يقلل العنف والتمييز الواقعين على المرأة المصرية، بسبب حرصها على مستقبل أطفالها الدراسي

حيثيات الحكم التاريخي للمرأة المصرية، كشفت مجموعة من المفاهيم المستجدة في حياة الأسر المصرية، بقوة القانون، وأن الرعاية التعليمية ترتبط بمصلحة المحضون في البقاء عند أمه، لأنها أكثر رحمة وشفقة على الأولاد، في حين أن الآباء، عقب الطلاق، يختارون نظاما تعليميا أقل جودة لصغارهم نكاية في الأم أو رغبة في إشعارها بالذل والهوان، ما يعرض حياتهم التعليمية للخطر، بالإضافة إلى أن نمط التطور داخل حياة بعض الأسر كشف عن أن الأم الحاضنة تعد أكثر من الرجل سدادا وكفاية لتعليم الأطفال.

ومن هنا، يبرز دور القضاء المصري وحرصه على تحصين الأطفال من شطط الآباء وقسوتهم على الأمهات واشتعال التدخلات داخل العائلات، ما قد يصيبهم بأمراض نفسية وفقدان الثقة والتخلف الدراسي، وهي مأساة تضاهي مأساة الطلاق على مستوى الاستقرار الأسري.

وفي هذا الخصوص اعترف متابعون لهذه المسألة بأن إنقاذ الأطفال من بؤس آبائهم دونت عنوانا عريضا بأنه لن يكون غير قلب الأم ركنا للاحتماء والاحتواء، وبعد النطق بالحكم ارتمى الطفلان إسراء ومحمد في أحضان الأم (زغلولة زكي أبوشنب) في موقف مؤثر، كاد أن يبكي القضاة على المنصة. فقد تأكد القضاة من أن انتزاع ولاية شؤونهما التعليمية من الأم، وهي أشفق عليهما وأوثق اتصالا بهما وأكثر معرفة بما يلزمهما وأوفر صبرا عليهما، يعتبر تعديا صارخا على حقوقهما في ظل هذه الظروف الدقيقة التي يمران بها، كما أنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تعهد هذه الحضانة إلى أب يأكل من نفقاتهما.

وبما أن الشؤون التعليمية من الحقوق اللصيقة بالأطفال وتعتبر حاضنتهم الأساسية، فلا يجوز انتزاعها منهم بالترويع دون إعمال للعقل، كما أن إغفال الفروق الجوهرية لذكورتهم وأنوثتهم، أذكى شطط الآباء فزادوا من قسوتهم على الأمهات وأسهم ذلك أيضا في إشعال التدخل العائلي في خصوصيات الأسرة ومشاكلها، مما سبب إصابة الأطفال بأمراض نفسية وفقدان الثقة والتخلف الدراسي، وهو أكبر مأساة.

مي محمود، ناشطة حقوقية في مجال المرأة، ومؤسسة جمعية “معا لأسرة مستقرة”، وصفت الحكم بـ”التاريخي”، وأنه يمثل انتصارا جديدا للمرأة المصرية، ويؤكد أنها الأكثر قدرة على استقرار المستقبل لأبنائها، الذين كانوا عرضة لصراع أبدي بين عائلات الأب والأم. وأضافت لـ”العرب” “كان ينتج عن هذا الصراع خروج أجيال من أطفال الشوارع والأميين والخارجين على القانون والمعادين للمجتمع بأسره، خاصة أن هؤلاء الأطفال كانوا يعيشون في بيئة يسيطر عليها الصراع والقسوة”.

مصلحة المحضون أن يبقى عند أمه لأنها أكثر رحمة وشفقة وعطفا وحنانا ورعاية له، خاصة البنات اللاتي يحتجن لتعلم أمور النساء

والحاصل الآن، أن الدولة كفلت حماية الأمومة والطفولة ورعاية الأطفال عبر تهيئة الظروف المناسبة لتنشئتهم بصورة صحيحة من كل النواحي، في إطار من الحرية والكرامة الإنسانية.

وأشارت إلى أن مصلحة المحضون أن يبقى عند أمه لأنها أكثر رحمة وشفقة وعطفا وحنانا ورعاية له، خاصة البنات اللاتي يحتجن لتعلم أمور النساء ولا يفصحن بأمورهن الخاصة إلا لأمهاتهن ولكثرة ما يتعرضن له من اعتداء وتعنيف من قبل زوجات الآباء.

وبالتالي، فإن وضع حد لتناحر بعض الأسر المصرية عند حدوث اختلاف بين الزوجين، سوف يؤدي بشكل قاطع إلى ضمان مستقبل الأبناء بعد انفصال الزوجين، ويخرجهم من دائرة الانتقام التي تسعى العائلات إلى حشر جميع الأطراف صلبها.

وقالت سعاد أنور، أستاذ علم اجتماع الأسرة، بجامعة الزقازيق (شمال القاهرة)، إن تلاعب بعض العائلات بالأطفال بعد انفصال الزوجين، أمر واقع في مصر وزاد عن حده في الفترة الأخيرة، وبعض الآباء يتخذ من الاحتفاظ بالأطفال ذريعة للانتقام من الأم لتقديم تنازلات عديدة، مثل منزل الزوجية وحقوقها المادية المعروفة في مصر بـ’المؤخر’، وهو مبلغ مالي يدفعه الزوج بعد الانفصال. وأضافت لـ”العرب”، أن القضاء انتصر للمرأة بالتطرق إلى هذه الكارثة، لأن أحد عوامل التنكيل بالزوجة سحب الملفات الدراسية للأطفال، إما لنقلهم إلى مدارس تقع خارج نطاق المحافظة المقيدين دراسيا بها لتكون بعيدة عن أعين الأم لتعجيزها، وإما لإلحاقهم بمدارس أقل مستوى في تقديم خدمة التعليم، أو لتغيير مسار النظام التعليمي بأكمله بنظام تعليمي آخر أقل جودة، ما يؤثر على نفسية الطفل ويعرض حياته التعليمية لخطر الرسوب والتشتت والضياع.

وأكدت أن الحكم يقلل العنف والتمييز الواقعين على المرأة المصرية، بسبب حرصها على مستقبل أطفالها الدراسي، وطالبت بضرورة أن يقوم البرلمان، بعد هذه الخطوة، بالتحرك نحو تعديل قانون الأحوال الشخصية ووضعه على أولويات الأجندة التشريعية لضمان التوازن الأسري وتقليل العنف بين الأزواج بعد الطلاق، حتى لا تكون المرأة عرضة للزوج وعائلته.

21