المخرج لؤي فاضل.. اغتيال حلم سينمائي عراقي

فنان يبحث عن الحب في كل القصص التي يصورها.
السبت 2023/06/24
موهبة أثرت السينما العراقية

حين كان المخرج العراقي لؤي فاضل منشغلا بالبحث عن الحب والحياة في كل القصص السينمائية التي يشتغل عليها، كانت يد الغدر والموت تترصده، حتى رحل الأسبوع الماضي في حادثة غامضة تركت حسرة في صفوف زملائه ومحبيه، وهي حسرة على شاب، فنان سينمائي، رحل في عز شهرته وإنتاجه.

سريعا ودون سابق إنذار غادرنا المخرج السينمائي لؤي فاضل وهو لم يزل في عنفوان شبابه وعطائه السينمائي الذي كان مميزاً شكلاً ومضموناً، مترعاً بالجمال ومتخماً بالمهنية وبكم الجوائز التي حظيت بها أفلامه الوثائقية والروائية القصيرة.

أفلامه كانت مثيرة للدهشة ومسكونة بطعم الإبداع المغاير وكانت تجول في مناخات وموضوعات غير تقليدية ومن دون حوار في معظمها، لأنه كان يعبر عنها وعن أحداثها بلغة السينما التي تجوهرت في صور سينمائية معبرة توقف عندها المحكمون في مختلف المهرجانات السينمائية المحلية والعربية والدولية واحتاروا أمام جودتها والسر الإبداعي الكامن فيها.

لهذا كان يؤكد أن “هناك أفلاما كثيرة للغاية عن الحرب في العراق. أريد أن أحكي قصة مختلفة، وأعالج ثيمات إنسانية يشترك فيها الجمهور من شتى أرجاء العالم. خلال دراستي في أكاديمية نيويورك للسينما بأبوظبي سنحت لنا فرصة الحديث مع المخرج الهوليوودي جيمس كاميرون الذي أخرج علامات مثل ‘المبيد’ (1984) و’تيتانيك’ (1997) و’أفاتار’ (2009)”.

لؤي فاضل المبدع الذي رحل عن عمر ناهز واحدا وأربعين عاماً ينتمي إلى الجيل الجديد من السينمائيين
لؤي فاضل المبدع الذي رحل عن عمر ناهز واحدا وأربعين عاماً ينتمي إلى الجيل الجديد من السينمائيين

ويتابع “حينما قلنا له إننا من العراق، قال لو أتيح لي أن أخرج فيلماً عن العراق فسوف يكون موضوعه الحب. والحرب سوف تكون جزءاً من الخلفية. ومنذ ذلك الحين أحاول أن أخرج أفلاما عن ثيمات إنسانية فلا تكون الحرب القائمة إلا جزءاً في الخلفية. أريد أن أركز على الإيماءت البصرية واللغة اليسيرة على الإفهام في كل مكان. لذلك لا كلام في أفلام لي مثل ‘أحمر شفاه’ و’قطن'”.

ينتمي فاضل الطيب الدمث الخلوق الرقيق، الذي رحل عن عمر ناهز واحدا وأربعين عاما (مواليد 1982) إلى الجيل الجديد من السينمائيين العراقيين، ويحمل في جعبته أفلاماً متنوعة كلها قصيرة، أولها فيلمه “انظر لهم”، وفيلمه الثاني “باستيل”، وفاز بالجائزة الثانية في الخليج السينمائي 2010، وكذلك فعل فيلمه الثالث “إطار”، في الخليج السينمائي 2011، وهو الفيلم ذاته الذي حصل على الجائزة الأولى في مهرجان قناة السومرية العراقية للأفلام القصيرة، بينما كان فيلمه الرابع “اللاعب” في إطار مشروع تخرّج للكورس الأول في “نيويورك فيلم أكاديمي في أبوظبي”.

أما فيلمه الخامس “ريكورد” في مشروع تخرّج للكورس الثاني في “نيويورك فيلم أكاديمي في أبوظبي” أيضاً، وشارك في الخليج السينمائي 2012، ومن ثم “فريم” و”أحمر شفاه”، والأخير حصل على الجائزة الذهبية في مهرجان جنيف للفيلم الشرقي في دورته التاسعة ضمن فئة الفيلم الروائي القصير ونافس في المسابقة الرسمية التي ضمت أفلاماً مهمة وإنتاجاً مشتركاً للعديد من دول الشرق الأوسط، وهذه الجائزة كانت مهمة جدا بالنسبة إليه لأنها كانت أول جائزة عالمية يحصل عليها.

كذلك حصد فيلمه “قطن” جائزة أفضل مخرج في مهرجان الخليج السينمائي 2013، وشارك في أكثر من 50 مهرجاناً عربياً ودولياً، وفاز بأكثر من 10 جوائز سينمائية من بينها الجائزة الكبرى من مهرجان ابن جرير في المغرب لسينما الواقع والقيم الكونية، وهو خاص بالأفلام القصيرة في الوطن العربي.

قالت له المسؤولة عن المهرجان آنذاك “إن هذا الفيلم صفق له الجمهور مرتين حتى أنه جنن لجنة التحكيم”.

كذلك أخرج فيلم “العرضحالجي” الذي شارك في العديد من المهرجانات ومنها عرضه في الجناح العراقي في مهرجان بينالي فينيسا في إيطاليا 2018، وفي المتحف العالمي في الفلبين سنة 2019 لمدة سنة تقريبا، وفيلمه القصير الأخير “حجل” من إنتاج دائرة السينما والمسرح الذي حصد هو الآخر جوائز عدة.

أيادي الغدر تطال المخرج لؤي فاضل
أيادي الغدر تطال المخرج لؤي فاضل

وللراحل المبدع فاضل أعمال مهمة في التلفزيون منها إخراجه لبرنامج “جيل الطيبين” وإخراج خمس حلقات من مسلسل “بنج عام” لقناة “يو تي في”، وقبله عمل مساعد مخرج “راكور” في مسلسل “قصص جابر” الذي تناول قصصاً مقتبسة من قصص واقعية لأبطال استشهدوا ضمن عمليات عسكرية ضد الإرهاب والتنظيمات الإرهابية، كما شارك مُمثّلاً في مسلسل “الدولة العميقة” الذي تولى فيه مهمة مساعد المخرج.

عطاءاته ومسيرته الإبداعية لم تأت من فراغ، فقد نال فاضل دبلوماً من أكاديمية نيويورك للسينما في أبوظبي، وحصل على شهادة “أي أف أي” من أكاديمية نيويورك للسينما في لوس أنجلس، وعقب ذلك اختار استكمال دراسته لنيل شهادة الماجستير في كلية الفنون الجميلة في جامعة بغداد التي كانت مؤشرا على مواصلة مشواره السينمائي وحلمه الإبداعي عن طريق صقلها بالدراسة الأكاديمية الجامعية العالية.

وشاء القدر أن يتم اغتيال هذا “الحلم السينمائي” الأصيل، ليصبح فاضل في رحيله الغامض والمفجع حديث الجميع هو وأفلامه التي كان يقدم فيها، كما كان يؤكد في كل أحاديثه “ما كان يجول في قلبي، لا يهمني عدم وجود صناعة سينما في العراق الآن وإن كنت أتمناها في المستقبل!”. ووفاءً لهذا المبدع السينمائي الأصيل على كل المعنيين العمل الجاد من أجل تحقيق أمنياته الذهبية “ما أتمناه أن يتم احترام منجزاتنا ويجب أن تكون بالمستوى اللائق. كما أتمنى من كل الشباب أن يصنعوا أفلامهم بما يمسهم من الداخل، لا أن يتسرعوا وأن تكون خطواتهم محسوبة”.

13