المحافظات الداخلية في تونس تنتظر الإنصاف: فهل يحققه سعيد

مستشفى الملك سلمان مشروع ريادي يراهن عليه الرئيس التونسي.
السبت 2023/03/25
على أمل أن يكون تدشين مستشفى الملك سلمان التالي

لا تزال المحافظات الداخلية في تونس تنتظر إنصافها بعد عقود طويلة من التهميش والإهمال، والذي يتجلى في ضعف وتردي الخدمات فضلا عن البنى التحتية المتدهورة، ويأمل أهالي هذه المحافظات في أن يقطع الرئيس قيس سعيد مع الوعود الموسمية والتسويف، ويعتبرون أن إنشاء مستشفى الملك سلمان بن عبدالعزيز في القيروان أحد الاختبارات التي سيستشرف منها مدى حرص الرئيس سعيد على تحقيق العدالة الاجتماعية وخلق توازن بين المحافظات.

تونس - يترقّب أهالي محافظات القيروان وسليانة والقصرين وقفصة وسيدي بوزيد انطلاق أشغال مستشفى الملك سلمان بن عبدالعزيز الجامعي الذي بقي عالقا أسوة بالعديد من المشاريع الأخرى، رغم كثرة التصريحات والوعود التي قدمها المسؤولون طيلة السنوات التي أعقبت سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.

وعانت المحافظات الداخلية في تونس من حالة من التهميش طيلة العقود الماضية، سواء على مستوى الخدمات والبنية التحتية الضعيفة، أو في علاقة بإحداث مشاريع كبرى، ما دفع أبناء تلك المناطق إلى النزوح إلى المدن الساحلية وتونس العاصمة.

وقد شكلت انتفاضة 2011 بادرة أمل لتغيير هذا الواقع وخلق حالة من التوازن بين المحافظات والمناطق التونسية، لكن هذا الأمل سرعان ما تبدد، حيث أن الوعود التي كانت تطلقها النخبة الحاكمة الجديدة التي قادتها حينها حركة النهضة الإسلامية ليست سوى وعود موسمية تتبخر بمجرد انتهاء الاستحقاقات الانتخابية.

ويحرص الرئيس التونسي قيس سعيد منذ خطّه لمسار الخامس والعشرين من يوليو 2021 على إعادة ثقة المحافظات الداخلية بالدولة مجددا، متعهدا بالمضي قدما في تنفيذ سلسلة من المشاريع لعل في مقدمتها مستشفى الملك سلمان.

سهيل العلويني: مشروع الملك سلمان مهم للقيروان وللمحافظات المجاورة
سهيل العلويني: مشروع الملك سلمان مهم للقيروان وللمحافظات المجاورة

وكان سعيد اختار مدينة القيروان لإحياء ذكرى استقلال البلاد عن الاحتلال الفرنسي، وليؤكد من أرضها على إصراره على المضي قدما في مسار ما يسميها “معركة التحرير الوطني”، والتي يقصد من خلالها اجتثاث الفساد، وتحقيق العدالة الاجتماعية، واستعادة سيادة القرار.

ويرى متابعون أن اختيار القيروان ينطوي على رمزية كبيرة لكون جامع عقبة ابن نافع الواقع في قلب المدينة احتضن اجتماعا في يونيو 1882 تم الاتفاق فيه على مقاومة الاحتلال بقوة السلاح، على إثر إقرار الحماية الفرنسية التي اعتبرها الاجتماع استعمارا واحتلالا استيطانيا للأراضي التونسية.

وأعلن سعيد خلال الزيارة التي جرت في العشرين من مارس الجاري عن البدء قريبا في أشغال مستشفى الملك سلمان، محمّلا المسؤولية لكل من يعمل على تعطيل هذا المشروع الذي يؤمل في أن ينهض بالوضع الصحي لاسيما في المحافظات الداخلية للبلاد.

وتضم المحافظات المعنية بالمشروع الصحي الريادي والواقعة في الوسط الغربي للبلاد أكثر من مليون ونصف مليون ساكن. وكان جرى وضع حجر الأساس للمشروع خلال شهر مارس 2019 من قبل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.

وقال الرئيس سعيد “من سيعطل مشروع مستشفى الملك سلمان في القيروان سيتحمل مسؤوليته”، لافتا إلى أن المملكة العربية السعودية كانت قد رصدت ميزانية هامة لهذا المشروع واستكملت الدراسات بشأنه منذ 2017.

وكان من المفترض أن ينطلق المشروع بتاريخ 21 يوليو 2022 لتتواصل الأشغال على امتداد ثلاث سنوات، وفق ما أعلنته وحدة التصرف حسب الأهداف لمتابعة المشاريع الممولة بهبات وقروض خارجية بوزارة الصحة.

المحافظات المعنية بالمشروع الصحي الريادي والواقعة في الوسط الغربي للبلاد تضم أكثر من مليون ونصف مليون ساكن

وتقدّر كلفة المشروع بـ85 مليون دولار أميركي بتمويل من الصندوق السعودي. ويمسح المستشفى 14 هكتارا بالطريق الحزامية بجنوب مدينة القيروان، بطاقة استيعاب تبلغ 500 سرير وقابلة للتوسعة إلى 770 سريرا.

وأكّد خبراء في الصحة على الدور الحيوي والهام الذي سيلعبه المستشفى الجديد بالقيروان وبقية المحافظات المجاورة لها، فضلا عن تخفيف الضغوطات عن المواطنين الذين يتنقلون نحو العاصمة وولايات الساحل التونسي للعلاج.

وقال سهيل العلويني مستشار منظمة الصحة العالمية في تونس “هو مشروع مهم جدا للقيروان التي تحدها سبع محافظات في وسط البلاد، والمستشفيات الموجودة قديمة نوعا ما، وهو مستشفى جامعي يضم 500 سرير في كل الأقسام”.

وثمّن العلويني في تصريح لـ”العرب”، “وجود مستشفى جامعي في محافظة داخلية، في وقت تتركز فيه أغلب المؤسسات الاستشفائية الجامعية على الشريط الساحلي”. وأشار إلى وجود “تعطيلات إدارية للمشروع”، داعيا إلى “ضرورة الإسراع بتنفيذ هذا المستشفى الجامعي الذي سيحسّن مستوى الخدمات الصحية في الوسط”.

وتعاني محافظات الوسط الغربي من ضعف الخدمات الصحية ونقص في عدد الأطباء والتجهيزات، وأظهرت جائحة كوفيد – 19 مدى هشاشة الوضع الصحي بالقيروان.

وأكدت جليلة بن خليل المتحدثة باسم اللجنة العلمية لمجابهة انتشار فايروس كورونا في تونس في تصريح لـ”العرب” أن “مثل هذه المشاريع يمكن أن تحسن مستوى الخدمات الصحية في القيروان وتقلّص الضغط على بقية المستشفيات بالجهة”.

محافظات الوسط الغربي تعاني من ضعف الخدمات الصحية ونقص في عدد الأطباء والتجهيزات

وفي وقت سابق شدّد وزير الصحة علي مرابط على ضرورة التسريع في خطّة إنجاز هذا المشروع بمراجعة بعض الإجراءات التقنية والإدارية وتدارك بعض العراقيل للتنفيذ في أفضل الآجال.

وأكد عمارة الجملي رئيس قسم الصحة الوقائية بالإدارة الجهوية للصحة بالقيروان في سبتمبر الماضي أنّ هذا المستشفى هو مشروع وطني سينفع محافظة القيروان وسيكون له أثر إيجابي على الولايات المجاورة.

ورجّح أن سبب التأخير الأساسي هو سبع موجات من جائحة كورونا عطلّت العالم، نافيا أن يكون هناك تراجع عن إنجاز المشروع.

وتابع “مشروع بهذا الحجم يتطلب دراسات ولقاءات وتنقل فريق التصميم لتحديد متطلبات المشروع وعدد الأقسام وعدد الأسرة منذ 2017، لكن للأسف سنتان من جائحة كورونا سبّبتا التأخير، تونس ليس لها أيّ دخل، الجانب التونسي فقط يتولى المراقبة وحث الطرف السعودي على الإنجاز، البطء والتأخير من الجانب السعودي”.

ويأتي المشروع في إطار تعزيز التعاون في المجال الصحي بين المملكة العربية السعودية والجمهورية التونسية وهو هبة من الصندوق السعودي للتنمية.

ويندرج مشروع مستشفى الملك سلمان في إطار مذكرة تفاهم ممضاة بين تونس والسعودية في أكتوبر 2017، تخصص بمقتضاه السعودية هبة قدرها 85 مليون دولار للمساهمة في تمويل مشروع بناء وتجهيز مستشفى الملك سلمان بن عبدالعزيز الجامعي بالقيروان.

وتمت المصادقة خلال أبريل 2021 على المرحلة الأولى من المشروع والمتمثلة في “الفكرة المعمارية والبرنامج الفراغي وميزانية المشروع” في انتظار المصادقة على المراحل الأربع الأخرى رغم إتمام المرحلتين الثانية والثالثة المتمثلتين في التصميم الابتدائي وتطوير التصميم وأما المرحلة الرابعة فتتمثل في تجهيز المخططات التنفيذية وقد انطلقت منذ 19 أكتوبر 2021.

4