المجتمع يغذي الخلافات بين الزوجين دون اللجوء إلى حلها

فشل الحياة الزوجية قد يعود دائما إلى عدة عوامل منها فارق السن بين الزوجين والمستوى العلمي والثقافي، وكذلك افتقاد الحياة الاجتماعية الحميمة التي تجعل الزوجين في رباط لا يتمزق أبدا.
الأحد 2018/05/27
صراع نفسي

من واقع تجربتها الزوجية الحديثة تقول راندا وجدي، التي كانت تعمل محاسبة في أحد البنوك، “يبدو أن تحقيق السعادة الزوجية، واكتساب رضا الزوج لا لهما علاقة بالعمل أو التفرغ للمنزل، فأنا لا أعمل حاليا ومتفرغة لرعاية أبنائي، وزوجي مشغول دائما عن المنزل والأولاد، وفي الوقت نفسه مشاعري نحوه جياشة، ولكنها تضيع أمام غيابه المستمر عني! ويبدو أنني أخطأت لعدم استمراري في العمل، فزوجي دائما بعيد، ولا أستطيع خلق حوار معه لأنه متشدد في آرائه ولا يقبل النقاش!”.

وتشكو فتاة مقبلة على الزواج من أن النساء نقطة ضعف خطيبها، وهي تحبه ولا تستطيع السيطرة على هذا العيب فيه، لأنه أيضا “سي السيد” يفعل كل شيء لأنه رجل، بينما ليس من حقها لفت نظره إلى خطئه، وإلا ثار ودب بينهما خصام، ولا يصفح عنها إلا بعد الاعتذار عن غلطتها الكبرى وندم ووعد بأنها ستغمض عينيها، فهي تحبه!

وكان بخل الزوج المتهم الأول لدى زوجة شابة صدمت في زوجها، حيث اكتشفت أنه بخيل إلى درجة لا تستطيع وصفها، وتشعر بالاختناق من شدة بخله.

وهناك نموذج آخر لزوجين جمع الحب بينهما، وبعد الزواج أصبح الزوج بالنسبة لزوجته الابن والحبيب والصديق، ولكنه لا يطيق أن تحدث غيره رجلا كان أو امرأة، وكلما علم بحديث دار بينها وبين أحد ما أخذ يعدد عيوب هذا الشخص، ويؤكد لها أن الجميع دون المستوى، وأنهم لن يفيدوها في شيء، ورويدا رويدا أصبحت الزوجة وحيدة في البيت، ودون أن تشعر وجدت نفسها تحد من صداقاتها حتى أصبحت بلا أصدقاء، بينما الزوج غائب عن المنزل باستمرار!

ولكن الزوج ليس المتهم الدائم في مشكلات الزواج العصرية، فهذا زوج يعتبر نفسه ضحية أم زوجته “حماته” التي يرى أنها ستتسبب في عودة ابنتها إلى حضنها من جديد، فهي كثيرة التدخل في حياتهما، ودائمة النصائح التي تأتي بنتائج عكسية، ولا تبقي على استقرار البيت، ومن ناحية أخرى فالابنة لا تقوى على إحراج أمها أو مواجهتها، وتضطر إلى الامتثال لنصائحها.

الذهاب إلى المأذون مرة ثانية قد يتسبب فيه أهل الزوجين، لذا فبمجرد الخروج من عباءة الأسرة يجب على الزوجين تحمل المسؤولية دون الرجوع إلى أحد

وحول الأسباب التي قد تجعل المتزوجين حديثا يزورون المأذون للمرة الثانية، تقول الدكتورة سامية الساعاتي أستاذة علم الاجتماع موضحة “رغم أن الزوج الشرقي لم يعد يمانع في عمل الزوجة الآن وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية التي يمر بها العالم، إلا أنه دائما يشعرها أن العمل يجعلها مقصرة في حق البيت والأولاد، مما يجعل الزوجة تشعر بعدم الرضا وتنمو بداخلها عقدة الذنب والتقصير نحو الآخرين، وتصبح هدفا دائما للوم؛ وهذا يجعلها تعيش في صراع نفسي بلا مبرر، وقد تذهب إلى المأذون حلا للمشكلة”.

وأشارت الساعاتي إلى وجود أسباب أخرى مثل زواج الأطفال المنتشر خاصة في الريف حيث تتفق بعض العائلات على تزويج الأبناء منذ صغرهم، والعروسان الصغيران لا يعرفان شيئا عن معنى الزواج فتواجه العروس- الطفلة- مشكلات نفسية كبيرة وأخرى صحية وسرعان ما يشعر الطرفان أنه ليس بينهما أي انسجام أو توافق.

كما أن الزوجة في مصر تربى على أنها أم للرجل إلى جانب كونها زوجة فعليها أن تحبه وتحتويه وتستوعبه وتفهم تفكيره جيدا، بينما يربى الابن على كبح جماح مشاعره سواء تجاه زوجته أو عموما، فإذا بكى وهو طفل قالوا له “عيب.. أنت رجل ولست بنتا” فيتعلم كيف يكبح أحاسيسه المرهفة، ويصبح غير قادر على التعبير عن حبه لزوجته ولو بكلمات بسيطة، ويصبح الحب في نظره مجرد توفير الماديات أو توفير متطلبات الحياة.

وتؤكد الساعاتي أنها مشفقة على المرأة العربية لأنها شديدة الرومانسية في مراحل عمرها المختلفة، فهي بتكوينها الفسيولوجي أكثر تفهما للتعبيرات الرومانسية التي تصدر عن الرجل، هذا إذا صدرت.

لماذا تفشل العلاقة الزوجية
لماذا تفشل العلاقة الزوجية

وتضيف أن الذهاب إلى المأذون مرة ثانية قد يتسبب فيه دون قصد أهل الزوجين، لذا فبمجرد الخروج من عباءة الأسرة يجب على الزوجين الاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية دون الرجوع إلى أحد، لأنه إذا حدث العكس ففي ذلك بداية زعزعة العلاقة بين الزوجين، والمشكلة أن من الشباب من يتخيل أن زوجته ستكون صورة طبق الأصل من أمه، وأنه سيكون الفتى المدلل، لكنه يفاجأ بأنه أمام فتاة جميلة مرحة، لكنها لا تعتمد على نفسها في إدارة بيتها.

ومن جانبه يرى الدكتور ممتاز عبدالوهاب أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة أن الزواج مودة ورحمة وعلاقة مشاركة في كل شيء؛ الحب، المسؤولية، العلاقات الاجتماعية.. هو رباط إنساني يجب فهم معانيه جيدا حتى يتفادى الزوجان الوقوع في المشاكل، والحقيقة أن المجتمع الصغير إذا صادف زوجين مختلفين يغذي الخلافات بينهما دون اللجوء إلى حلها بالقدر الكافي، فالزوجة تحتمل غياب الزوج عنها، وتقدر عمله وسعيه من أجل أسرته، بينما إذا خرجت المرأة للعمل تعرضت لحرب باردة في المنزل لأسباب ليست جوهرية.

وأضاف “من خلال حالات كثيرة زارتني وجدت أن أسباب الخلافات بسيطة لكنها متنوعة، ومنها أن الزوج لا يقدر المعاناة والصراعات التي تتعرض لها الزوجة في عملها فيتولد لديها شعور بالظلم، وأنها غير سعيدة في حياتها وأن الزوج يحاول قهرها بشكل أو بآخر”.

وأشار إلى أن البعض يعاني الوسواس القهري الذي يصل إلى حد الوقوع في مشاكل زوجية وأسرية تؤدي إلى انهيار العلاقة الزوجية، فبعض الأزواج يعانون الزوجة النمطية أي التي تحب النظام أكثر من اللازم، وتحرص على ترتيب كل شيء بشكل شبه مرضي، فهناك طقوس معينة عند الأكل، والنوم والحمام، وإذا حدث ما يؤثر على نظامها تتوتر وتختلق المشاكل لأبسط الأسباب.

21