المجالس المحلية في تونس: نموذج لحل مشاكل التنمية الجهوية أم مجرد هياكل شكلية

تونس- مع اقتراب موعد إجراء الدور الثاني من انتخابات المجالس المحلية، التي ستفضي إلى تركيز مجالس تشرف على المناطق وتعنى بتلبية مطالب المواطنين، يتصاعد منسوب التساؤلات في الأوساط المحلية بشأن حلحلة تلك المجالس لمشاكل التنمية الجهوية في مختلف جهات البلاد، أم أنها ستكون مجرد هياكل شكلية ومحدودة الصلاحيات.
ولأول مرّة تجري تونس انتخابات محلية (مجالس الأقاليم والجهات) بنظامها الانتخابي الجديد، ما قد يمهّد لإرساء تقاليد جديدة، تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل منطقة أو جهة وتعمل على تحسين مستوى الخدمات والبنية التحتية فيها.
ولئن كان الاستحقاق فرصة لبناء ديمقراطية تشاركية، يكون فيها المواطن صاحب قوة اقتراح وتغيير، إلاّ أن الشكوك مازالت تحوم حول الإضافة التي سيقدمها النموذج الجديد تنمويا واجتماعيا، خصوصا بعد محطات انتخابية عديدة وسنوات من الانتظار تمّ فيها تغليب المصالح السياسية على حساب التنمية الجهوية.
ويزيد سقف الوعود العالي الذي قدمه المرشحون أثناء حملاتهم الانتخابية، من صعوبة الرهان بشأن الإيفاء بتلك التعهدات أمام ناخبيهم، ويطرح أيضا استفهامات حول استمدادهم لتلك الثقة في تنفيذ الوعود التي تبدو لدى الكثير من المتابعين صعبة التحقيق، نظرا لكون مطالب التشغيل والاستثمار وتحسين المنوال التنموي، برامج تحددها الحكومة وفقا لإستراتيجيات وتتجاوز المجال المحلي الضيّق.
وقال المتحدث باسم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات محمد التليلي المنصري إن “من المتوقع إجراء الدور الثاني من انتخابات المجالس المحلية في الرابع من فبراير المقبل وفي 780 دائرة انتخابية، وذلك إثر انقضاء كافة آجال الطعون والإعلان عن مآلاتها من قبل المحكمة الإدارية”.
وأضاف في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية في تونس أن “تاريخ الرابع من فبراير من شأنه إعطاء المرشحين حيزا زمنيا جيدا لخوض حملتهم الانتخابية التي من المنتظر أن تكون ما بين الحادي والعشرين من يناير والثاني من فبراير”، لافتا إلى أن “هذا الموعد يأتي في عطلة مدرسية ويعد موعدا مناسبا لكل هذه الاعتبارات”.
وتابع المنصري أن “4 ملايين و192 ألف ناخب مسجل معني بالاقتراع في 2039 مركز اقتراع للتصويت لألف و560 مرشحا بمختلف الدوائر الانتخابية”.
ومن شأن النموذج الانتخابي الجديد أن يضع بيد المواطن صناعة القرار في جهته ويتكفّل بتحديد الحاجيات التنموية بعد أن كانت الدولة تلعب ذلك الدور في السابق، لكنه أيضا حسب المراقبين يتطلب وقتا طويلا من الانتظار حتى يعطي نتائج.
وأفاد الكاتب والمحلل السياسي باسل الترجمان بأنه “علينا أن ننتظر تشكيل وبدء عمل هذه المجالس، ونحن أمام مرحلة جديدة، وهي ستتشكل من أجل تحسين مستوى التنمية في الجهات”.
وأضاف لـ”العرب” أن “على امتداد 65 سنة منذ استقلال البلاد، لم يهتم أحد بتحسين منطقة ما، وعلينا أن نعطي هذه التجربة الوقت الكافي لتغيير الواقع”، لافتا إلى أن “المسؤوليات التي سيتحملها هؤلاء أمام ناخبيهم ستكون محرارا لتقييم عملهم”.
وأعلنت هيئة الانتخابات في الرابع والعشرين من ديسمبر الماضي أنّ نسبة المشاركة في الدور الأول من انتخابات المجالس المحلية بلغت 11.66 في المئة من مجموع الناخبين، بعد انتهاء عملية التصويت وإغلاق مراكز الاقتراع.
وتعد هذه الانتخابات آخر حلقة في سلسلة تشكيل مؤسسات الحكم وفقا لإجراءات قيس سعيد “الاستثنائية”، بعد الاستفتاء على دستور جديد في الخامس والعشرين من يوليو 2022، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في ديسمبر 2022.
ومن المنتظر أن يتم تركيز المجلس الوطني للجهات والأقاليم قبل شهر أبريل المقبل، وفقا لهيئة الانتخابات، ويرتبط ذلك بمدة البتّ في النزاعات المتعلّقة بالنتائج الخاصة بالدّورين الأول والثاني من الانتخابات.
وقال المحلل السياسي المنذر ثابت “لا أعتقد أن تحلّ هذه المجالس مشاكل التنمية الجهوية باعتبار أنها مشاكل تشترط وجود برنامج وطني شامل يفسح المجال لبناء ديناميكات تنموية مختلفة”.
ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن “المجالس المحلية يمكن أن تحلّ مشاكل البلديات وتضفي حركية على المستوى القاعدي، باعتبار أن النائب سينشّط المنطقة والإقليم الذي ينتمي إليه، وبالنظر إلى الجمود القائم يمكن أن تعيد نوعا من الحيوية في صلة بالمشاريع والاستثمار”.
وأردف ثابت “الموضوع سياسي بالأساس”، متسائلا “هل ستأخذ قراراتها بعين الاعتبار وصولا إلى المجلس الوطني للجهات، ويبدو أنها ستكون بصلاحيات محدودة، لأن الرأي العام يتجه نحو قبلة وحيدة وهي قرطاج، وما زاد عن ذلك محسوم”.
وأشار إلى أن “من الواضح أنه يوجد تركيز على المشاكل الماكرواقتصادية، وإذا ما حلّت الإشكاليات على المستوى الوطني، فستحلّ بالضرورة في الجهات”.
وبحسب المرسوم المتعلق بتنظيم انتخابات المجالس المحلية وتركيبة المجالس الجهوية ومجالس الأقاليم، تعتبر كل عمادة (أصغر تقسيم إداري) دائرة انتخابية، تنتخب ممثلا واحدا عنها، ويتم انتخاب المجلس الجهوي (للولاية) بالقرعة بين أعضاء المجلس المحلي.
أما مجلس الإقليم فيتم الترشح له من الأعضاء المنتخبين في المجالس الجهوية، وكل مجلس جهوي ينتخب ممثلا واحدا له بمجلس الإقليم.
كما ينتخب كل مجلس جهوي 3 أعضاء لتمثيل جهتهم في المجلس الوطني للجهات والأقاليم (الغرفة الثانية للبرلمان).
وينتخب أعضاء مجلس كل إقليم نائبا واحدا لتمثيلهم في المجلس الوطني للجهات والأقاليم.