المثقفون السعوديون في مرحلة انتظار لتفعيل المبادرات الثقافية

في محاولة لكشف طبيعة التحولات الثقافية والوطنية في المملكة العربية السعودية تواصل “العرب” استشراف المرحلة، وذلك من خلال مجموعة حوارات تجريها مع نخبة من الأدباء والمثقفين السعوديين، نناقش خلالها آراءهم وتصوراتهم للمرحلة القائمة. وهنا نتوقف مع الأديب والقاص السعودي محمد المنصور الشقحاء في حوار تناولنا فيه بعض القضايا الثقافية والاجتماعية المتنوعة في المشهد السعودي.
ينحدر الأديب السعودي محمد الشقحاء (مواليد الرياض 1947) من بيئة شعبية، تنقّل فيها بين البيت والمدرسة ثم العمل الحكومي، وكانت مدينة الطائف التي ترعرع فيها تمتلك خليطاً من مناطق المملكة والوطن العربي والعالم باعتبارها مصيفاً وبوابةً شرقية للحرم المكي، هذه المكونات التاريخية والجغرافية تلبّسته عندما جاءها وهو في الثامنة من العمر مع أمه وزوجها. ثم غادرها عائداً إلى الرياض باحثاً عن وظيفة، لكنه ما لبث أن عاد إلى الطائف المسكونة بحكاياته وقصصه وهواجسه، حيث الوجوه البائسة والفقيرة، والعيش المحدود والقانع بما أعطته الحياة.
يقول الشقحاء عن أثر بيئته عليه “هذا الخليط من الناس والشوارع الترابية وبيوت الطين وبيوت الطوب والخشب والسقوف الترابية وصناديق الأفارقة، هذا التلون البائس خلق نماذج قصصي، مثل: قصة الهندية، وقصة نورة في مجموعتي الأولى، ومنها تشكّلت نصوص مجموعة ‘مواطن‘ بعد انتقالي إلى سن الشيخوخة ومرحلة ما بعد التقاعد من الوظيفة الحكومية، فإنسان الطائف راضٍ بحالته ولا يصرخ”.
تقلبات كثيرة
بعد أربعة عقود من الكتابة والاشتغال في الأدب يرى الشقحاء أن المشهد الثقافي اليوم عبارة عن جزر متفرقة، والتواصل بين سكانها مزروع بالشك وعدم التقدير، وقد يصل إلى الشنق وتبني الاغتيال. يقول “كنّا مقلدين أدبياً، وناقلين فنياً، بكل محطاته، نحترم المعلمين الذين جاؤوا من مصر ومن الشام ومن العراق، فكنا ننصت حتى نتعلم القراءة والكتابة لنقتل البيئة الأمية التي نحن نبتها. ثم تشكلنا كمثقفين بتخصصات لم نصل إلى جوهرها وإن اكتملت مراحل التعليم، ودخلنا الحداثة المرتبطة ببناء الشخصية، ونسينا الهوية التي وجدناها في كل من جاء لمشاركتنا البناء في كل المجالات”.
ويضيف “أتحدث كأديب عرف محمد حسن عواد وحمزة شحاتة وأحمد السباعي وإبراهيم الناصر ومحمد العلي بعدما عرف إحسان عبدالقدوس ووفيق العلايلي وسليمان العيسى وبدر شاكر السياب والمنفلوطي والعقاد. وأخيراً وجدت محمد حسن فقي مع جريدة المدينة في خطواتي الأولى، وعرفت حمزة شحاتة مع جريدة عكاظ، ومحمد العلي مع جريدة اليوم، وحمد الجاسر مع جريدة الرياض، وعبدالله بن خميس مع جريدة الجزيرة”.
ويتابع “النادي الأدبي في الطائف جاء كجزيرة مثمرة تغرد في سمائها كل الأصوات، فكان التواصل قائما بين سكان المملكة عبر زيارات متبادلة ولقاء سنوي لرؤساء والممثلين لتطوير الأداء وإيصال إنتاج كل منطقة لباقي المناطق. لكن المشهد الثقافي الأدبي اليوم غائم والسماء ملبدة، ورياحه ساكنة”.
وحول رأيه في حرية الرأي والتعبير لاسيما بعد التحولات الوطنية الأخيرة يشير الشقحاء إلى أن المملكة لديها سلطة رابعة كانت أفراداً، ثم تحولت إلى مؤسسات صحافية، لكنها لم ترتق إلى مستوى وهدف نظام المؤسسات الصحافية، ولم تحترم نبض وحاجة المواطن أو الشارع. فهي جاءت -حسب تعبيره- لتحاكم الشارع، وتتحدث وفق تصريحات أجهزة السلطة التنفيذية، ويتحكم في توزيعها وانتشارها القسم الرياضي وميول محرريه.
يقول “التحولات الوطنية الأخيرة واكبت إفلاس المؤسسات الصحافية وطبعتها الورقية، وواكبت إغلاق التلفزيون السعودي لقنواته المتخصصة الثقافية، وقناة أجيال المتخصصة بالطفل، وقناة الاقتصادية، وإغلاق القناة الثانية الناطقة بالإنكليزية، واستحداث قناة سعودية تشبه القناة الأولى بحروف أجنبية، وتحويل القنوات المغلقة إلى قنوات رياضية لا يتابعها أحد إلا وقت بث مباراة كرة قدم بين فريقين من أنديتنا الرياضية. هذا هو تلفزيوننا الحكومي ومؤسساتنا الصحافية اليوم مع التحولات الوطنية”.
وفي سؤال حول امتداد خطاب الصحوة، لاسيما بعد الموقف السعودي منه؟
يجيب الكاتب “المجتمع الحي والنابض بالحياة لا تؤثر فيه التكتلات السالبة. عند احتلال العراق لدولة الكويت جاء القرار السياسي فتشكل التحالف العسكري من الأشقاء والأصدقاء فعادت الكويت، ورحلت هذه القوات بعد انتهاء مهمتها، وشعر أدعياء الصحوة بالفشل، فتحول خطابهم على الحراك الاجتماعي الداخلي وفي جانب الأدب والفكر الحداثي. ومن خلال تجربتي مع نادي الطائف الأدبي كانت كل التيارات الدينية والأدبية الفكرية التقليدية والحداثية يسمع صوتها وتطرح قناعاتها، وحدثت خارج النادي وفي مدن أخرى صدامات بين أفراد -أكرر أفراد- شاهدنا عبثهم في ممرات معرض الكتاب بالرياض تحرج المؤسسة الحكومية التي تقبلت جموحهم بصدر رحب فسر بسفه فكان موت الصحوة واستمرت الحداثة في كل مطالب الحياة ماديا ومعنوياً”.
اختلاف واستشراف
يرى الشقحاء أن الاقتصاد والتنمية والحداثة والتحديث -ضمن رؤية 2030- أساسات رئيسة في التطوير والبناء وتستطيع رؤية 2030 من خلال مخرجاتها تبني الحداثة والتحديث وتشكيل منظومة إنسانية وطنية رافدها كل أفراد المجتمع.
يقول “لا يوجد صراع اجتماعي بين المتدين والليبرالي القائم، إنما هو اختلاق صدام من بين أفراد يجهلون سمو الشريعة الدينية ومتحدثين يجهلون قيم الفكر الليبرالي القائم على الحرية في القول والفعل. الإسلام شريعة سماوية جاءت كما قال الرسول صلى الله علية وسلم ‘إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق‘. انحسرت الليبرالية الجامحة في أوروبا حتى الأحزاب الليبرالية فشلت في قيادة دولة في بريطانيا المحافظين والعمال”.
ويتابع “كل منطقة من مناطق المملكة يحفل مجتمعها بقيم تختلف عن قيم منطقة مجاورة لها، فكيف إذا كانت هذه المنطقة في الجنوب وتلك المنطقة في الشمال، بل نجد قيم المجتمعات المجاورة لحدودنا السياسية بعض أثرها في قيم هذه المنطقة”.
وعن مآلات الأندية الأدبية بعد إطلاق مبادرات الوزارة الخاصة بالبيوتات والمراكز الثقافية يقول “لم أجد الأدب بين قطاعات الوزارة، رؤية الوزارة اعتبرت الشعر قطاعاً مستقلاً، بينما الشعر يدخل في خيمة الأدب مع السرد. الرئاسة العامة لرعاية الشباب أيام الأمير فيصل بن فهد عاملت النادي الأدبي كما تتعامل مع النادي الرياضي؛ إذا تقدم مجموعة بطلب تأسيس ناد أدبي منحتها التصريح ومنذ شهر مارس حتى اليوم والرؤية ضبابية في شأن النادي الأدبي، وكلها اليوم تملك المقر المدعوم من القطاع الخاص فما مصير هذه المباني إذا تم إلغاء الأندية الأدبية وهي إحدى مؤسسات المجتمع المدني وقد اعتمد العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية، وهذا يربطها بوزارة الشؤون الاجتماعية التي هي اليوم وزارة العمل والتنمية الاجتماعية”.
ويضيف مختتماً “حتى الآن لا شيء يمكن قوله عن الحالة الاستشرافية لمبادرات وزارة الثقافية، فالقطاعات الستة عشر لم تفعّل، والكيانات الثقافية كذلك لم تفعّل، والأندية الأدبية تم إقالة أعضاء مجلس الإدارة المنتخب وعين لإدارة كل ناد لجة من أربعة أعضاء. حتى الآن وزارة الثقافة مجرد مقر وبرنامج نظري في ملفات ينتظر فتحها لتفعيل نقاطها”.