المؤسسات الانتقالية في الجزائر تشتغل خارج الضوابط الدستورية

عبدالقادر بن صالح أعطى لنفسه الحق في ممارسة صلاحية التعيين والإقالة وهي من المهام الحصرية لرئيس الجمهورية.
الجمعة 2019/08/02
خرق بن صالح للدستور يثير استياء الشارع الجزائري

الجزائر - أكدت ممارسات المؤسسات الانتقالية في الجزائر، أنها تشتغل تدريجيا خارج الضوابط الدستورية للبلاد، رغم تمسك سلطة الأمر الواقع بالمخارج الدستورية لحل الأزمة السياسية، ورفضها للمقاربات المطروحة من طرف الحراك الشعبي والمعارضة.

وأثارت إقالة الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح، لوزير العدل سليمان براهمي، واستخلافه ببلقاسم زغماتي، لغطا كبيرا في الأوساط السياسية والقانونية بالجزائر، نظرا لاختراقها التشريع الدستوري للبلاد، وتناقضها مع خطاب السلطة القائل بعدم قانونية مطلب إقالة حكومة نورالدين بدوي، المرفوع من طرف الحراك والأحزاب، وذلك لدواع دستورية.

وذكر مختصون في القانون ومحامون، أن قرار الرئيس المؤقت يتناقض مع مضمون البند 104 من دستور البلاد، الذي يحصر صلاحية إقالة أو تعديل الحكومة في أيدي رئيس الجمهورية، وهو الأمر الذي تجاوزه بن صالح، ففضلا عن إقالة وزير العدل، سبق لرئيس الدولة، أن أصدر قرارات تتعلق بتنحية وتنصيب مسؤولين كبار في الدولة.

وصرح الخبير الدستوري عامر رخيلة، بأن “رئيس الدولة تعدى على صلاحيات رئيس الجمهورية بإنهائه لمهام وزير العدل سليمان براهمي، وتعيين النائب العام لمجلس قضاء العاصمة، بلقاسم زغماتي خلفا له”.

وأكد بالقول “قناعاتي ثابتة ومؤسسة على الدستور، واستمرار عبدالقادر بن صالح، في منصبه مرتبط بمرسوم استدعائه للهيئة الناخبة، وبما أنه لا وجود لهذا المرسوم فإنني أعتبر أن بقاء بن صالح غير دستوري وكل إجراء يتخذه باطل”.

ولا زالت ملابسات إقالة وزير العدل غامضة، حيث لم يصدر عن السلطة أي تعليل للرأي العام، غير أن مصادر متعددة ربطت القرار بالهفوة المرتكبة من طرف القضاء الذي أعلن أنه لم يتمكن من الاستماع إلى الوزيرين السابقين عبدالوهاب نوري وخليدة تومي، في قضايا فساد مرفوعة لديه، وذلك كون الأول في وضع صحي حساس، والثانية في حالة فرار.

لكن وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي نفت ذلك، وأكدت لوسائل إعلام محلية أنها متواجدة في العاصمة الجزائرية، الأمر الذي وضع السلطة القضائية وعلى رأسها وزارة العدل في حالة حرج شديد أمام الرأي العام، لاسيما أمام المشككين في معالجة ملفات الفساد التي فتحتها الحكومة منذ رحيل الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة عن السلطة.

وتجري السلطة القضائية تحقيقات وضعت بموجبها عدة مسؤولين كبار سابقين منهم رئيسا الوزراء أحمد أويحيى وعبدالمالك سلال قيد الاحتجاز في ما له صلة باتهامات منها “تبديد الأموال العامة”. كما ينتظر أن يمثل أمام القضاء وزير العدل السابق الطيب لوح بعد التحقيق الذي فتحه بحقه الديوان المركزي لقمع الفساد وأصدرت النيابة أمرا بمنعه من السفر خارج الجزائر.

ولفت الخبير الدستوري، إلى أن بن صالح “أعطى لنفسه الحق في ممارسة صلاحية التعيين والإقالة، وهي من المهام الحصرية لرئيس الجمهورية ولا تنمح لرئيس مؤقت، وهو ما تشير إليه المادة 104 من الدستور التي تنص على أنه لا يمكن أن تقال أو تعدل الحكومة القائمة إبان حصول المانع لرئيس الجمهورية أو وفاته أو استقالته حتى يشرع رئيس الجمهورية الجديد في ممارسة مهامه”.

وكان عبدالقادر بن صالح، قد أصدر عدة قرارات مهمة في ما يتعلق بالتنحية والتعيين في مناصب مسؤولية حساسة، وكان آخرها تنحية قائد جهاز الدرك الوطني الواقع تحت وصاية وزارة الدفاع الوطني، الجنرال الغالي بلقصير، واستخلافه بعبدالرحمن عرعار، وهو ما اعتبر تجاوزا صريحا لمهامه، باعتبار أن القرار من صلاحية وزير الدفاع الوطني غير الموجود في الفريق الحكومي الحالي، وأن منصب الجنرال أحمد قايد صالح، في الحكومة هو نائب لوزير الدفاع لا غير.

وتجمع ردود فعل المعارضة السياسية، على أن القرارات المنسوبة لرئيس الدولة المؤقت، تتم بإيعاز من الرجل القوي في المؤسسة العسكرية قايد صالح، مما يؤكد أن الجيش بات الحاكم الفعلي للبلاد، وأن بن صالح، هو واجهة مدنية لتنفيذ قرارات وتوجهات العسكر.

ولا زالت المؤسسات الانتقالية في البلاد (رئاسة الدولة وحكومة تصريف الأعمال)، محل رفض شعبي وتقع على رأس المطالب المرفوعة للتنحي، على اعتبار أنها موروثة عن نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، ومتهمة بالتخطيط لعرقلة مشروع التغيير الشامل، والعمل على إعادة إنتاج النظام بآليات ووجوه جديدة.

4