اللوفر أبوظبي يكشف الحوار الخلاق بين الفن التشكيلي والكتابة

معرض "التجريد وفن الخط: نحو لغة عالمية" حوار بين الثقافات والفنون.
الجمعة 2021/02/05
علاقة وثيقة تجمع فن التجريد بفن الخط

لقد تأثر كبار الفنانين الغربيين وقادة التجديد في الفن التشكيلي بثقافات الجنوب والشرق، حيث نجد ذلك جليا في أعمالهم التي استلهمت من الفن الأفريقي، والتي اقتبست خاصة من الخط العربي والياباني والهندي ما جعل من الفن المعاصر لحمة ثقافية تجمع مختلف الحضارات والفلسفات والرؤى.

أبوظبي – أعلن متحف اللوفر أبوظبي في موسمه الثالث عن افتتاح معرض “التجريد وفن الخط: نحو لغة عالمية”، وذلك في 17 فبراير الجاري ويستمر إلى غاية 12 يونيو المقبل.

ويأتي هذا المعرض في إطار الموسم الجديد الذي يسلّط الضوء على التبادلات الفنّية والثقافية بين الشرق والغرب، وهو يبيّن مصادر الإلهام المتبادلة بين الثقافات من حول العالم.

يبيّن المعرض، المخصص للممارسات الفنّية التجريدية، لزواره كيف ابتكر فنانو القرن العشرين لغة بصرية جديدة نشأت نتيجة دمج النص والصورة، حيث استمدوا الإلهام من أولى أشكال الرموز والعلامات التي ابتكرها الإنسان، ولاسيما فن الخط.

ويضم المعرض العالمي 101 عمل فنّي، وهي أعمال مُعارة من مجموعات 16 مؤسسة من المؤسسات الشريكة، ومنها سبعة أعمال من مجموعة اللوفر أبوظبي الفنّية، إلى جانب عملين بارزين لفنانَين معاصرَين يعتمدان في وقتنا الحالي ممارسات تجسّد الموضوعات التي يطرحها المعرض وتبث الحياة فيها.

الكتابة والصورة

يضم المعرض أربعة أقسام تتمحور حول أربعة موضوعات تأخذ الزائر لاكتشاف تاريخ فن التجريد كلغة بصرية جديدة أنشأها الفنانون في أوائل القرن العشرين. فمن خلال تسليط الضوء على التبادل الثقافي الثري الذي شهده القرن الـ20، يكتشف الزوار كيف استمد فنانو الحركة التجريدية الإلهام من عدد كبير من العلامات والرموز والفلسفات والتقنيات الفنية من ثقافات ومجتمعات بعيدة عن العواصم الأوروبية والأميركية.

فقد سعى الفنانون، بمن فيهم بول كليه، وأندريه ماسون، وفاسيلي كاندينسكي، وسي تومبلي، ولي كراسنر، وجاكسون بولوك، إلى ابتكار لغة عالمية جديدة تمكّنهم من التعبير عن مشاعرهم في إطار مجتمع سريع التغيّر، بعيداً عن التقاليد الفنّية التصويرية.

إلى جانب ذلك، يسلط المعرض الضوء على تأثير هذه الحركة عينها على أعمال مجموعة من الفنانين في المنطقة، مثل ضياء العزاوي وأنور جلال شمزه وغادة عامر وشيرازه هوشياري ومنى حاطوم كما يعرض أعمالاً فنّية تركيبية لفنانَين معاصرَين هما إل سيد والفنان سانكي كينغ يبينان من خلالها أن الفنانين اليوم ما زالوا في بحث عن أشكال بصرية جديدة لدمجها في فنهم استجابة للتغيرات المجتمعية الحالية.

حوار الثقافات والفنون

ابتكار لغة عالمية جديدة
ابتكار لغة عالمية جديدة 

وقال محمد خليفة المبارك، رئيس دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي “يُسعدنا أن نعلن عن افتتاح المعرض الأول الذي ينظمه متحف اللوفر أبوظبي للعام 2021، والذي سيقدّم لزواره تجربة فنية مميزة ستجمعهم بأعمال لكبار الفنانين تُعرض للمرة الأولى في المنطقة”.

وأضاف “تتمتع المتاحف بقدرة استثنائية تشجّع المجتمع على الاكتشاف والتعلّم، ولذلك نوليها أهمية خاصة هنا في أبوظبي. وهذه الأهمية جليّة حول العالم، حيث أصبحنا نشهد الأهمية المتزايدة للفن والثقافة في حياتنا أكثر من أي وقت مضى، وذلك لما يوفرانه من تحفيز فكري ومصدر للراحة ووسيلة للارتباط بالآخرين. ولا يسعني هنا سوى أن أشدد على الرسالة التي عززتها ندوة ‘المتاحف بإطارٍ جديد’، التي عقدها المتحف في نوفمبر الماضي، والتي تؤكد أن الثقة والتضامن بين الدول، وبين المؤسسات الفنّية والثقافية، هما السبيل لتأسيس قطاع ثقافي تعاوني عالمي”.

وتابع المبارك “إنه لمن دواعي الفخر والإثارة أن نرحب بافتتاح أول معرض دولي لمتحف اللوفر أبوظبي في عام 2021، خاصة وأن الأعمال الفنية المُعارة من العديد من الشركاء ستعرض هنا في متحف اللوفر أبوظبي وفي المنطقة للمرة الأولى”.

من جانبه قال مانويل راباتيه، مدير متحف اللوفر أبوظبي “فيما نطوي الأيام الصعبة التي عشناها في العام 2020، يسرنا أن ندعو ديدييه أوتينغيه، المدير المساعد في المتحف الوطني للفن المعاصر، لتسليط الضوء على العلاقة التي تجمع فن التجريد بفن الخط، أي هاتين اللغتين البصريتين والعلاقة الوثيقة التي تربط بينهما. يقدّم اللوفر أبوظبي لزواره فرصة اكتشاف هذه اللغة المشتركة من خلال الرسوم التصويرية والعلامات والخطوط.

اللوحات تسلّط الضوء على الحوارات بين الأماكن والأزمنة التي يجسدها مفهوم المتحف والحوارات بين الصور والأحرف

وأضاف “يرى هذا المعرض النور نتيجة التعاون الثاني مع مركز بومبيدو الذي يُقدّم لزوار المتحف أعمالاً تُعرض للمرة الأولى في أبوظبي وفي المنطقة، منها أعمال لسي تومبلي، ولي يوفان، وفاسيلي كاندينسكي، وهنري ميشو، وخوان ميرو، وكريستيان دوترمون، وجان دوبوفيه، وأندريه ماسون، وناصر سالم، وبريس ماردين. إن هذا المعرض خير دليل على شراكاتنا الوثيقة مع مجموعة كبيرة من المؤسسات الفنّية والثقافية، وعلى الثقة المتبادلة ما بيننا، واهتمامنا بتقديم تجارب غنيّة لزوارنا. لقد شرّعنا أبوابنا من جديد لنستقبل الزوار بكل أمان، ليتأملوا فن التجريد والمصادر التي استمد الفنانون الإلهام منها”.

وقال ديدييه أوتينغيه، المدير المساعد في المتحف الوطني للفن المعاصر والمسؤول عن البرامج الثقافية، ومنسّق المعرض “يجسّد المشروع الذي عملت عليه مع متحف اللوفر أبوظبي الحوارات والتبادلات بين الثقافات. فهو يسلّط الضوء على الحوارات بين الأماكن والأزمنة التي يجسدها مفهوم المتحف العالمي، والحوارات بين الصور والأحرف التي تنعكس في انبهار الرسامين بفن الخط والعكس، والحوارات عبر الزمن بين فناني الشرق من جهة والغرب من جهة ثانية، والذي نراه يتجلى عبر استخدام فنان من المتخصصين في فن الشارع من نيويورك الفنون المصرية القديمة، لنشهد لغة عالمية تتخطى العصور والأماكن”.

من جانبها قالت الدكتورة ثريا نجيم، مديرة إدارة المقتنيات الفنية وأمناء المتحف والبحث العلمي في اللوفر أبوظبي “يقدّم هذا المعرض لزواره أعمالاً لكبار فناني التجريد الذي استمدوا الإلهام من مصادر لا تُعدّ ولا تُحصى من الرموز والعلامات والخطوط. وهي تمثل تنوّع الثقافات واللغات، مكتوبة كانت أم مرئية، على مر التاريخ ومن مختلف بقاع الأرض”.

وأضافت “لا بد من الإشارة إلى أن هذا المعرض، يأتي ضمن الإطار السردي لمتحف اللوفر أبوظبي، حيث ينشئ حواراً بين طريقتين في التعبير هما الكتابة والصورة، مسلطاً الضوء على العوامل المشتركة بينهما. فالمرئي والبصري يتحدان ضمن طريقة تعبير واحدة في ما اعتبره ابن خلدون وجهيّ التفكير. الجدير بالذكر أن العديد من الأعمال تُعرض للمرة الأولى في المنطقة، كما أنها المرة الأولى التي يقوم اللوفر أبوظبي فيها بتكليف أعمال بالتزامن مع معارضه”.

يركّز القسم الأول من المعرض على “الرسوم التصويرية”، وهي صور رمزية تمثّل مجموعة من الكلمات والأفكار في الحضارات القديمة في بلاد الرافدين ومصر. وتشمل الأعمال المعروضة في هذا القسم لوحة للفنان السويسري الألماني بول كليه الذي استمد الوحي من أسفاره إلى تونس لابتكار عمل فني يجمع الصور والأحرف، وذلك نتيجة انبهاره بالكتابة الهيروغليفية المصرية.

 ولا بد من الإشارة إلى أن أعماله كانت بدورها مصدر إلهام لعدّة فنانين مثل خواكين تورّيس غارسيا من إسبانيا، وضياء العزاوي من العراق، وأنور جلال شمزا من باكستان. إلى جانب ذلك، يضم هذا القسم أعمالاً للفنان الأميركي أدولف غوتليب مستوحاة من فنون الأميركيين الأصليين، وللفنان الفرنسي أندريه ماسون الذي استوحى أعماله من النقوش التصويرية الهندية وفن الخط العربي.

المعرض يكشف كيف استلهم الفنانون التجريديون العلامات والرموز والفلسفات والتقنيات الفنية من ثقافات ومجتمعات غير غربية

أما القسم الثاني من المعرض فهو يسلّط الضوء على “العلامات” التي تعبّر عن أفكار عالمية، وهو يتضمن أعمالاً للفنان الروسي الشهير فاسيلي كاندينسكي الذي يُعتبر من الفنانين الذين ساهموا في نشأة فن التجريد.

الجدير بالذكر أن العديد من الفنانين اتّخذوا من اليابان والصين مصدر إلهام لفنّهم، وذلك لمواجهة العالم الغربي الذي دمّرته الحرب. فالعلامات التي يراها الزائر في أعمال الفنان الفرنسي الهنغاري جوديت ريغل والفنان الألماني الفرنسي هانس هارتونغ تعيده إلى فناني الخط اليابانيين والصينيين. كما يقدّم المعرض لزواره في هذا القسم أعمالاً للفنان الفرنسي جورج ماتيو الذي تميّز بحركاته السريعة على لوحاته، ويوليوس بيسييه الذي تأثّر بالفلسفة الطاوية الصينية. ويختتم هذا القسم بأعمال الفنانة الفلسطينية منى حاطوم التي تحاول في أعمالها ابتكار أبجدية تقوم على الرموز.

ويكشف القسم الثالث من المعرض، الذي يأتي تحت عنوان “ملامح”، كيف جسّد فنانو الغرب في أعمالهم طاقة فن الخط الشرقي عبر ضربات الفرشاة لابتكار خطوط انسيابية. في المقابل، لم تعتمد الحركة السرّيالية التوجه الفن الغربي، بل ابتكرت تقنية الرسم التلقائي، والتي تقوم على الحركات التلقائية التي تعبّر عن العقل الباطن، الأمر الذي سمح لفنانيها بالتعبير عن مشاعرهم حيال الفترة التي عاشوها ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية والتي اتّسمت بالاضطرابات.

كما يضم هذا القسم أعمالاً للفنان السريالي أندريه ماسون إلى جانب أعمال لجاكسون بولوك وفيليب غوستون ووليم دي كوننغ، الذين تأثروا بماسون. وسيتمكن الزوار من تأمّل أعمال جان دوبوفيه المستوحاة من فن الغرافيتي والرسم على الأحجار ورسومات الأطفال، إلى جانب أعمال سي تومبلي لستارات في أوبرا باريس، وأعمال لي كراسنر الذي استمد الإلهام من المخطوطات الكوفية في مدينة الكوفة العراقية، حيث وُلد فن الخط العربي.

ويختتم الزائر جولته في المعرض في قسم “فنون الخط” الذي يوضح كيف عمل الفنانون من الشرق والغرب على حد سواء على دمج فن الخط في أعمالهم، مثل الفنان الإسباني خوان ميرو الذي أشار عبر فنّه إلى مدى ارتباط الرسم والشعر في الشرق.

 وقد مشى على خطى ميرو العديد من الفنانين، منهم الشعراء الذين رسموا القصائد مستمدين الإلهام من رحلاتهم، مثل بريون جيسين الذي سافر إلى شمال أفريقيا، وهنري ميشو إلى الصين، وكريستيان دوتريمون إلى لابلاندا. كما يضم هذا القسم الدراسات التي أجراها الفنان هنري ماتيس من أجل كتابه المصوّر الذي حمل عنوان “جاز”، والتي أطلق عليها اسم “أرابيسك”، وذلك تكريماً منه للكتابة العربية. سيتمكّن الزوار من اكتشاف كيف سعى الفنانون في المنطقة إلى تحرير فن الخط من مكانته اللغوية البحتة، بمن فيهم شاكر حسن السعيد وسليمان منصور. كما يضم هذا القسم عملين لفنانَين معاصرين هما الفنان الفرنسي التونسي إل سيد والفنان الباكستاني سانكي كينغ.

14