اللعبة السياسية خارج حسابات الصحافيين المصريين في أزمتهم

القاهرة - خلقت الأزمة المستمرة بين نقابة الصحافيين المصريين ووزارة الداخلية حالة من التضامن والتكاتف بين الصحافيين المنتمين لأطراف وأحزاب سياسية متعددة، في الوقت الذي تستعد فيه نقابة الصحافيين المصريين لعقد جلستها العامة غير العادية، الأربعاء، لمناقشة تطورات أزمة اقتحام قوات الشرطة لمقرها، حيث يتوقع الكثير من كبار الصحافيين أن ينتهي الأمر بانتصار الصحافيين في معركتهم بفضل هبّتهم الجماعية غير المتوقعة.
ولم يتوقف حراك نقابة الصحافيين التي قررت تنكيس علمها، الثلاثاء، ورفع رايات سوداء على مقرها بوسط القاهرة، في إطار احتجاجاتها على ممارسات وزارة الداخلية ضد الصحافيين.
وقال نقيب الصحافيين يحيى قلاش “قررنا تنكيس علم النقابة ورفع رايات سوداء بدلا منه، احتجاجا على ممارسات وزارة الداخلية ضد الصحافيين المصرييين”، دون أن يذكر تاريخا محددا لإنهاء التنكيس.
وخالف الصحافيون بوحدتهم خلف مجلس النقابة الحالي، توقعات معاكسة سبقت الأزمة اعتمادا على حجم الشقاق الضخم بين أعضاء النقابة، وتلاشت تقريبا التباينات السياسية في سبيل الدفاع عن المهنة ضد المخاطر التي تتهددها.
وبدأت الأزمة باقتحام عدد من رجال الشرطة في زي مدني لمبنى النقابة للقبض على صحافي نقابي، هو عمرو بدر رئيس تحرير موقع إلكتروني وطالب متدرب في الموقع هو محمود السقا كانا معتصمين هناك، احتجاجا على صدور أمر من النيابة المصرية العامة بالقبض عليهما بتهمة مخالفة قانون التظاهر والتحريض ضد أجهزة الدولة.
وبدا غريبا للمراقبين من خارج الوسط الصحافي، أن الكثير من أعضاء النقابة التي تضم حوالي 8 آلاف صحافي، دانوا المجلس لخطئه في السماح لبدر والسقا بالاعتصام في مبنى النقابة، سواء لأنهما مطلوبين بتهم لا علاقة لها بالمهنة أو بحرية الرأي، وكذلك لأن أحدهما ليس عضوا نقابيا من الأصل.
ولكن المتابعين أرجعوا التفاف الصحافيين خلف نقابتهم وتجاوز الانتقادات الموجهة للمجلس إلى إحساس بالخطر المهني يفوق في تأثيره الخلافات البينية في التوجه الأيديولوجي أو حتى الاجتماعي، خاصة أن هذه الأحداث تأتي وسط مناقشة الحكومة لقانون جديد للتشريعات الإعلامية، ينظم عمل الصحافيين، ويضع ضوابط يمكن أن تكبلهم مستقبلا.
الأزمة تأتي وسط مناقشة الحكومة لقانون جديد للتشريعات الإعلامية، ينظم عمل الصحافيين
وكان وفد من نقابة الصحافيين قد قدم بلاغين إلى مكتب النائب العام المصري نبيل صادق، ضد وزير الداخلية اللواء مجدي عبدالغفار ومدير أمن القاهرة اللواء خالد عبدالعال، حول محاصرة نقابة الصحافيين يوم تظاهرات 25 أبريل الماضي، من جانب “مندسين” تحت سمع وبصر الأجهزة الأمنية، والانتهاكات التي تعرض لها الصحافيون أثناء التغطية سواء بالمنع أو التوقيف أو الاعتداء الأمني.
وتبنت الصحف الخاصة موقف النقابة وأيدت مطالبها وهو ما كان متوقعا بالنظر إلى استمرار لعبة شد الحبل المتواصلة بين الدولة ورجال الأعمال الذين يملكون تلك الصحف، وتربص الطرفين باستغلال أي زلة للآخر للضغط عليه، إلا أن ما كان مفاجئا هو موقف الصحف الحكومية من الأزمة.
انحازت تلك الصحف بشكل ملفت للنقابة ضد وزارة الداخلية، مخالفة بذلك توقعات كثيرة بأن تلتزم ضبط النفس في وقت تزداد فيه التكهنات بقرب حدوث تغييرات في رؤساء تحريرها ومجالس إداراتها، وخرجت صحيفة الأهرام الثلاثاء برأي ناري طالبت فيه صراحة بإقالة وزير الداخلية.
وتبارى صحافيون معروف عنهم قربهم من الرئاسة في إدانة الاقتحام، مثل النائب والصحافي عبدالرحيم علي الذي طالما تباهى خلال تقديم برنامجه التليفزيوني بإذاعة تسجيلات لسياسيين ونشطاء وشخصيات عامة مسربة من الأجهزة الأمنية تنال من هؤلاء، لكنه في الأزمة الحالية تبنى موقف النقابة ودان تصرف الشرطة من خلال موقع البوابة نيوز الذي يرأس تحريره، وحفل الموقع بالعديد من المقالات والتقارير المنددة بتصرف ضباط وزارة الداخلية الذي يحدث للمرة الأولى في تاريخ نقابة الصحافيين.
وكان لافتا الانحياز الكامل للبرلمانيين الـ18 الأعضاء في نقابة الصحافيين ضد وزارة الداخلية ومشهد اقتحام مبنى النقابة، رغم أن بعضهم دخل مجلس النواب على قوائم تحالف دعم مصر الذي يحظى بتأييد الدولة.
متابعون أرجعوا التفاف الصحافيين خلف نقابتهم وتجاوز الانتقادات الموجهة للمجلس إلى إحساس بالخطر المهني يفوق في تأثيره الخلافات البينية في التوجه الأيديولوجي أو حتى الاجتماعي
وطالب ياسر رزق، رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير جريدة الأخبار، وأحد المرشحين بقوة لشغل منصب نقيب الصحافيين في الانتخابات المقبلة، بإقالة وزير الداخلية واتهم وزارة الداخلية بالإساءة للرئيس عبدالفتاح السيسي الذي لم يكن يعلم بالأمر.
وأعاد موقف رزق التذكير بموقف نقيب الصحافيين الأسبق إبراهيم نافع خلال أزمة القانون 93 لسنة 1996، حيث كان نافع وقتها يرأس مجلس إدارة وتحرير جريدة الأهرام الرسمية، وقريبا من النظام الحاكم وقتها، لكنه انحاز بشكل واضح إلى جموع الصحافيين خلال الأزمة التي نشبت بسبب توجه الحكومة نحو إصدار قانون يفرض قيودا على الصحافيين المصريين.
وبلغت علاقة الصحافيين بالنظام السياسي أسوأ درجاتها خلال تلك الفترة بسبب مشروع القانون الذي تبارى أبناء المهنة في إطلاق أوصاف مشينة عليه مثل “المشبوه”، وقانون حماية الفساد، حيث كان يضع قيودا غير مسبوقة على الحريات الصحافية.
ورغم إقرار القانون بتوقيع رئيس الجمهورية وقتها حسني مبارك، إلا أن توحد الصحافيين ضد القانون، أجبر الدولة على التراجع عنه خاصة بعد أن شهدت النقابة أكبر حركة احتجاجات على مدى تاريخها.
والملفت كما قالت النقابية أمينة شفيق في تصريحات لها، إن المسؤولين في مصر لا يقرؤون التاريخ، ولو كانوا يفعلون لعرفوا أن الصحافيين يتوحدون دائما في أي أزمة مهما كانت التباينات بينهم.
فقد حدث هذا في عدة مرات أولها في عهد الملكية وتحديدا عام 1951 عندما دعت النقابة إلى جلسة عامة طارئة حضرها أصحاب كل الصحف ومحرروها وقتها للاحتجاج على تعديلات قانونية اقترحها برلمان الوفد لتغليظ عقوبات النشر.